رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول كتابه: الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: التكنولوجيا في خدمة رأس المال أم أداة للتحرر؟


رزكار عقراوي
الحوار المتمدن - العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 20:37
المحور: مقابلات و حوارات     

عرض كتاب: الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: التكنولوجيا في خدمة رأس المال أم أداة للتحرر؟

صدر كتابي "الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: التكنولوجيا في خدمة رأس المال أم أداة للتحرر؟" باللغتين العربية والإنجليزية. يتناول هذا العمل قضية الذكاء الاصطناعي بشكل خاص، والتكنولوجيا بشكل عام، في سياق الصراع الطبقي في العصر الرقمي. يناقش تأثيرات الذكاء الاصطناعي على مختلف المجالات، من الاقتصاد إلى السياسة، ومن الثقافة إلى الفكر، في ظل النظام الرأسمالي المعاصر. يهدف هذا الكتاب إلى تقديم تحليلات يسارية نقدية للذكاء الاصطناعي، ويطرح بدائل تقدمية لاستخدام هذه التكنولوجيا، بعيدًا عن الهيمنة الرأسمالية التي تُسخّرها لتعظيم الأرباح وتعزيز السيطرة، على حساب شغيلات وشغيلة الفكر واليد.

يرتكز محتوى الكتاب على النقاط التالية:


1 الفجوة الرقمية بين اليسار والرأسمالية

تُشكّل الفجوة الرقمية بين اليسار والرأسمالية تحديًا كبيرًا في العصر الرقمي، حيث تهيمن الشركات التكنولوجية الكبرى والدول الرأسمالية على الفضاء الرقمي. وبينما تمتلك هذه القوى الإمكانيات المادية والفنية لتوجيه وتشكيل مختلف جوانب التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، يظل اليسار، في معظم الأحيان، في موقف ضعف، يعاني من فجوة رقمية واضحة. في هذا السياق، يُشبَّه الوضع الراهن لليسار بـ"النملة التي تواجه الفيل"، إذ يعجز عن مجاراة القوى الرأسمالية في هذا المجال الهائل والمتسارع. ولا تقتصر هذه الفجوة الرقمية على نقص الأدوات التقنية فحسب، بل تعبّر أيضًا عن ضعف غير مقصود في الرؤية السياسية والتنظيمية لاستخدام هذه الأدوات في خدمة النضال اليساري.


2 الأمية الرقمية

الأمية الرقمية لا تعني فقط عدم القدرة على استخدام الأدوات الرقمية، بل تشمل أيضًا عدم القدرة على فهم كيفية عمل هذه الأدوات وتأثيرها على الحياة اليومية، وعلى الأفراد والجماهير. بشكل عام، غالبًا ما تفتقر التنظيمات اليسارية إلى الأدوات التقنية، أو يكون استخدامها لها حتى الآن محدودًا وبدائيًا، وهذا ما يحدّ من قدرتها على التأثير في الوعي الجماهيري.
فمحو الأمية الرقمية داخل تنظيمات اليسار ليس مجرّد تعليم الأعضاء كيفية استخدام الأجهزة والتطبيقات الرقمية، بل هو أيضًا تدريبهم على فهم بنية الأنظمة الرقمية من خلال وعي نقدي بالأيديولوجيات التي تتحكم فيها. يجب أن تركز هذه البرامج على تزويد الأعضاء ليس فقط بالأدوات التقنية، بل بالقدرة على فهم السياقات السياسية والاقتصادية والتقنية التي تُشكّل التكنولوجيا، بما يساعد على استخدامها في خدمة أهداف المساواة والعدالة الاجتماعية. الأمية الرقمية تجعل اليسار في موقع ضعف أمام التحديات التي تفرضها الرأسمالية الرقمية، وتشكل حاجزًا أمامه ليظل مؤثرًا في العصر الرقمي. وبالتالي، من الضروري تدريب وتطوير قدرات أعضاء وقيادات ومنسقي تنظيمات اليسار والجماهير، وعلى مستويات مختلفة، على أدوات العصر الرقمي الحديث، لكي يتمكنوا من مواجهة الهيمنة الرقمية.


3 تطوير القدرات والكفاءات التقنية اليسارية كضرورة نضالية

لقد أصبح تطوير القدرات اليسارية في المجال التقني ضرورة استراتيجية موازية لتطوير القدرات السياسية، والفكرية، والتنظيمية، والإعلامية، والجماهيرية. فكما لا يمكن لقوى اليسار أن تعتمد على الإعلام الرأسمالي وتسعى، في الوقت نفسه، لبناء إعلامها المستقل، وكما تطوّر فكرها وسياستها وأدواتها التنظيمية بشكل مستقل عن أدوات الهيمنة البرجوازية، فإن عليها أيضًا أن تدرك أن معركتها ضد الرأسمالية الرقمية لا يمكن أن تُخاض بأدوات خصمها. لقد أصبحت الاستقلالية التكنولوجية شرطًا جوهريًا يُكمل الاستقلالية الفكرية والسياسية والتنظيمية.
لا يمكن الحديث عن تحرّر فعلي، أو بناء مشروع اشتراكي جذري، بينما تخضع تنظيمات اليسار للرقابة والسيطرة والمراقبة الدقيقة عبر أدوات الذكاء الاصطناعي التي طورتها الدول الكبرى وشركات رأسمالية لخدمة مصالحها. كيف لحركة تحررية أن تُخطط، وتتنظّم، وتبني أدواتها وبرامجها، وهي خاضعة خوارزميًا لأنظمة مصمّمة لإضعافها، أو على الأقل لتصفية وتقييد خطابها وتقليل انتشاره وفعاليته؟
إن عدم امتلاك أدوات يسارية رقمية مستقلة، يعني بقاء اليسار في موقع دفاعي، وبنية تنظيماته مكشوفة، مراقَبة، وقابلة للإخضاع والإلغاء بضغطة زر. فهل يمكن لمن يناضل من أجل التغيير الاشتراكي الديمقراطي أن يقبل بأن تكون بياناته وتحركاته وتحليل وعي جماهيره تحت رحمة خوارزميات تخدم منطق السوق وتعيد إنتاج الهيمنة الطبقية الرأسمالية بصيغ رقمية متقدمة؟


4 دور الشباب في التحوّل والتطوير الرقمي

يُعدّ الشباب أحد العناصر الأساسية في تعزيز التحول والتطور الرقمي داخل التنظيمات اليسارية، حيث يُعتبرون القوة الحركية التي يمكنها تجديد أدوات النضال السياسي والاجتماعي في العصر الرقمي. في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم الرقمي، أصبح دور الشباب في تقليص الأمية الرقمية داخل الأحزاب اليسارية أمرًا بالغ الأهمية. يُشكّل الشباب العمود الفقري لأي تحوّل وتطوير رقمي يمكن أن يحدث داخل التنظيمات اليسارية. فالكثير من الشباب اليوم يمتلكون قدرة كبيرة على التعامل مع الأدوات الرقمية والتكنولوجيا المتقدمة بشكل أسرع وأكثر كفاءة من الأجيال السابقة.
إن تمكين الشباب داخل التنظيمات اليسارية يُعتبر شرطًا أساسيًا لمواكبة العصر الرقمي واستغلال الأدوات التقنية لمواجهة الهيمنة الرقمية للرأسمالية، حيث لديهم القدرة على تطوير أدوات نضالية جديدة تُحسّن من القدرة على التنظيم، والتحشيد، والتأثير على الرأي العام. كما يمكنهم إدخال الابتكار والإبداع في أساليب النضال اليساري. الشباب يمكن أن يساهموا بشكل فاعل في قيادة هذا التحوّل الرقمي داخل الأحزاب اليسارية بفضل قدرتهم العالية على استخدام التكنولوجيا لتجاوز العقبات التي تفرضها الرأسمالية الرقمية. ومن الضروري العمل على إزالة كل العوائق التنظيمية والسياسية التي تعيق انضمام الشباب إلى تنظيمات اليسار أو البقاء فيها، وإبداء المرونة الكبيرة معهم، بما يتوافق مع تطورهم المعرفي والوعي الديمقراطي.


5 الأمميات اليسارية الرقمية

أهمية بناء أمميات يسارية رقمية لمواجهة هيمنة الشركات التكنولوجية الكبرى والدول الرأسمالية على الذكاء الاصطناعي وعموم التكنولوجيا الرقمية. تُعد هذه الأمميات الرقمية ضرورة استراتيجية لمواجهة الهيمنة الرأسمالية في الفضاء الرقمي، حيث تفرض هذه القوى الكبرى سيطرتها على أدوات التكنولوجيا، مما يعزز الاستغلال ويعمق الصراع الطبقي. الأمميات الرقمية هنا تعني تحالفات يسارية وتقدمية عالمية، تتجاوز الحدود الجغرافية والانقسامات الفكرية. وكما كانت الأمميات اليسارية والعمالية ضرورية تاريخيًا لمواجهة الرأسمالية، أصبح من الضروري الآن بناء تحالفات يسارية رقمية تركز على التصدي للرأسمالية من بوابة التكنولوجيا، وتعمل على توحيد جهود اليسار عبر أدوات ومنصات العصر الرقمي.
تُسهم هذه الأمميات من خلال تعزيز التعاون بين التنظيمات اليسارية حول العالم في تطوير تقنيات بديلة تشاركية ومفتوحة المصدر، تضمن أن تكون التكنولوجيا في خدمة المجتمع، وموجهة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة. ينبغي لهذا التحالف الرقمي أن يتجاوز الخلافات الفكرية بين التيارات اليسارية المختلفة، خصوصًا في هذا المجال، ويركز على الهدف المشترك: انتزاع التكنولوجيا من قبضة رأس المال وتحويلها إلى أداة للتحرر الجماعي.


6 الذكاء الاصطناعي في ظل الرأسمالية

رغم الإمكانيات الهائلة التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي لتحسين الحياة البشرية، إلا أنه يُستخدم اليوم بشكل يخدم الشركات الكبرى والدول الرأسمالية، ويُعدّ أداة فعالة في القمع والسيطرة الرقمية. يتم توظيفه لإعادة تشكيل الوعي الجماهيري بشكل غير مباشر، من خلال الخوارزميات التي تتحكم بالأفراد عبر الإنترنت.
تؤثر هذه الخوارزميات على اختيارات الأفراد وتوجهاتهم الفكرية، مما يجعلها أداة هيمنة فكرية تُعزز الأفكار الرأسمالية واليمينية، وتُسهم في تفكيك وتقييد الفكر اليساري والتقدمي. بالإضافة إلى ذلك، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز التمييز بجميع أشكاله، سواء في سوق العمل أو في الحياة اليومية، بما يتماشى مع قيم الرأسمالية. كما أن له تأثيرات بيئية ضارة، ويُستغل في تطبيقات إجرامية، مثل تطوير الأسلحة وشنّ الحروب.


7 بدائل يسارية للذكاء الاصطناعي

أما البديل الذي يُطرَح في هذا الكتاب، فيتمثّل في رؤية يسارية تقدّمية للذكاء الاصطناعي، تسعى لانتزاع السيطرة على هذه التكنولوجيا من قبل الجماهير، وتوجيهها نحو خدمة مصالح شغيلات وشغيلة اليد والفكر. ينبغي استخدام الذكاء الاصطناعي ليس فقط لتحسين الحياة المعيشية، بل لتفكيك الهيمنة الرأسمالية من خلال تطبيقات يسارية مفتوحة المصدر وشفافة.
في هذه الرؤية، تصبح التكنولوجيا ملكًا جماعيًا، خاضعة لإشراف ديمقراطي جماهيري، يضمن استخدامها لصالح المجتمع. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُوظَّف لتحسين العمل الجماعي، وتعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة، ومعالجة قضايا مثل الفقر، التعليم، الصحة، والمساواة الجندرية، بعيدًا عن منطق الربح والاستغلال. يجب أن يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحقيق توزيع عادل للموارد، وضمان فرص عمل متكافئة بغضّ النظر عن الخلفيات الاجتماعية أو الاقتصادية، بل وحتى للمساهمة في تقليص ساعات العمل دون تقليل الأجور. كما يمكن أن يكون أداة فعالة في مكافحة التمييز، سواء كان جندريًا أو عرقيًا، من خلال تطوير أنظمة تقييم مبنية على الكفاءة لا على التحيّزات، وداعمًا لحماية البيئة، وتعزيز الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان.


8 استخدام حذر ومدروس للذكاء الاصطناعي الحالي

إن استخدام قوى اليسار للذكاء الاصطناعي الحالي يجب أن يكون استخدامًا حذرًا ومدروسًا. فعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا منتج رأسمالي غير محايد، إلا أنها تمتلك إمكانيات هائلة يمكن توظيفها لصالح قضايا العدالة الاجتماعية، إذا ما استُخدمت بشكل واعٍ، نقدي، وموجَّه. يتطلب ذلك عقلية علمية منفتحة، ترى في التكنولوجيا أداة يمكن استثمارها لتعزيز النضال السياسي، والجماهيري، والإعلامي، والتقني. ولا بد أن يتم ذلك مع ضمان الشفافية، وحماية خصوصية البيانات، وفرض رقابة بشرية صارمة على استخدامات الذكاء الاصطناعي. أي استخدام يساري لهذه الأدوات يجب أن يكون في إطار تعزيز الأهداف الاشتراكية والتقدمية، لا بديلاً عن العمل الميداني، بل داعمًا له ومكمّلًا، في سبيل بناء تغيير اجتماعي جذري.


9 لغة الكتاب والنشر الإلكتروني وحقوق النشر

تم استخدام لغة بسيطة وواضحة في الكتاب لضمان وصول المحتوى إلى أوسع شريحة من القراء والقارئات، بهدف تبسيط الأفكار التقنية ليتمكن الجميع من فهمها، سواء كانوا متخصصين أو غير متخصصين. الكتاب منشور عبر دار النشر العالمية "أمازون"، ومتاح أيضًا بشكل مجاني على الإنترنت، كما يُنشر إلكترونيًا لتسهيل الوصول إليه من قبل أكبر عدد ممكن من القراء والقارئات، وبدون أي قيود على استخدامه. الكتاب مفتوح للجميع، ويُسمح باستخدام نصوصه بحرية، بما في ذلك نشرها أو إعادة استخدامها، مع الإشارة إلى المصدر متى أمكن، دون أن يكون ذلك إلزاميًا.


10 الختام

الثورة الرقمية الحالية، رغم إمكانياتها الهائلة، تمّت هندستها لصالح الربح والسيطرة الرأسمالية. لكن المعركة لم تُحسم بعد بشكل كامل، والرأسمالية لم تخلق عالمًا مغلقًا بالكامل. ما زال هناك متسع لبدائل يسارية، بشرط أن يتم العمل بوعي وتخطيط طويل الأمد لمعركة صعبة ومعقدة جدًا. إن مقاومة الرأسمالية، وخصوصًا في طورها الرقمي، ليست فقط صراعًا على السلطة الاقتصادية والسياسية، بل هي صراع على الوعي البشري ذاته: على من يتحكم في تدفّق المعلومات والمعرفة، وعلى من يُعيد إنتاج الوعي الجماعي.
في الختام، أدعوكم للمشاركة في تعزيز البديل اليساري للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي من خلال الحوار حول القضايا المطروحة، حيث إنّ الأفكار والمقترحات في هذا الكتاب ليست سوى نقاط لحوار جماعي داخل صفوف اليسار.
إن بلورة بديل عملي وفعّال تتطلّب نقاشات موسعة بين التنظيمات، والحركات، والشخصيات اليسارية والتقدمية في مختلف البلدان، وصولًا إلى وضع خطة عمل واضحة وقابلة للتطبيق. وإذ أطرح هذه الأفكار، فإن هدفي ليس تقديم حلول جاهزة، بل فتح نقاش حيّ حول الأولويات المطروحة، نقاش يجب أن يتحول إلى دعوة مفتوحة للمساهمة في تطوير رؤية يسارية رقمية بديلة، للذكاء الاصطناعي بشكل خاص، وللتكنولوجيا بشكل عام، من خلال جهد يساري جماعي، منظّم، وعابر للحدود.

*****************************************

يمكن الحصول على الكتاب من خلال:
• الرابط المجاني للكتاب من موقعي.
العربي

https://rezgar.com/books/i.asp?bid=3

انكليزي

https://rezgar.com/books/i.asp?bid=4

• رابط الكتاب عبر دار نشر أمازون وهو بأقل سعر ممكن.
العربي

https://www.amazon.co.uk/dp/B0DXWTJVLD

الانكليزي

https://www.amazon.co.uk/dp/B0DYYYRHJK

 

ملاحظة من الحوار المتمدن:

- يقوم المحاور-ة ( الكاتب -ة ) بكتابة موضوع - افتتاحية للحوار المفتوح - يتعرض فيه إلى نقاط مختلفة حسب الرغبة ويختار عنوانا للحوار، الأسئلة والحوار الرئيسي والاهم سيكون بين المحاور-ة (الكاتب-ة) والقراء والقارئات.
- يمكن المشاركة في الحوار والتعليق  من خلال نظام التعليقات , الحد الأعلى للمشاركات 5000 حرف.
- يتحكم الكاتب-ة فقط بالتعليقات و بالأسئلة المتعلقة بالحوار.