|
رد الى: ابو تانيا - رزكار عقراوي
- رد الى: ابو تانيا
|
العدد: 882038
|
رزكار عقراوي
|
2025 / 3 / 31 - 18:14 التحكم: الكاتب-ة
|
الرفيق العزيز ابو تانيا
اشكرك على هذه المداخلة الرفاقية التي تنبع من حرص نظري وسياسي على دقة المفاهيم داخل التحليل الماركسي واليساري، وهو امر نادر ومهم في زمن تستهلك فيه المفاهيم غالبا خارج سياقها التاريخي والصراعي، وقد اثرت بذلك نقطة هامة جدا.
استخدامي لمفهوم فائض القيمة الرقمي لا ينطلق من محاولة مساواته المباشرة والكاملة مع فائض القيمة كما طوره ماركس في سياق النمط الصناعي الرأسمالي، بل من الحاجة الى تحليل شكل جديد من الاستغلال يشتغل داخل الرأسمالية الرقمية ويعيد تشكيل العلاقة بين الرأسمال والعمل والحياة اليومية.
فائض القيمة كما نعرف هو جوهر العلاقة الرأسمالية، الفارق بين ما ينتجه شغيلات وشغيلة اليد والفكر من قيمة، وما يتقاضيانه من اجر، وهو نتيجة مباشرة لسيطرة الرأسمالي على وسائل الانتاج والزمن. في النموذج التقليدي يتم انتزاع فائض القيمة في مواقع انتاج واضحة، من خلال عقد عمل مباشر، واستغلال منظم لقوة العمل المأجورة. لكن هذا الشكل لم يعد وحده اليوم، الرأسمالية المعاصرة وخاصة في نسختها الرقمية لا تستغني عن هذا الشكل بل تبني عليه وتوسعه وتخفيه.
فائض القيمة الرقمي كما احاول ان اوضح في الكتاب لا ينتزع من العمل المأجور فقط، بل من الحياة نفسها، من التفاعل والسلوك البشري العادي، من بيانات المستخدمات والمستخدمين، من الزمن الحي، من كل لحظة استخدام او مرور او تواصل. المنصات الرقمية، شركات التقنية الكبرى، ادوات الذكاء الاصطناعي، كلها لا تحتاج الى شراء وقت العمل دائما، بل تبني منظومة استخلاص فائض قيمة دون عقد، دون اجر، دون اعتراف بالدور الانتاجي. هذه الشركات تبيع بيانات لم تنتجها، بل تم تجميعها من تفاعل الملايين، وتحقق من خلالها ارباحا خيالية، بينما لا يحصل منتجوها الفعليون، اي المستخدمون والمستخدمات، على شيء.
المسألة هنا ليست مجرد تغيير في آلية الانتاج، بل تحول في بنية الاستغلال نفسها، حيث يصبح الاستغلال غير مرئي، مموها خلف واجهات الخدمة المجانية، او الوعد بالاتصال والمشاركة، او امكانية الوصول الى العالم، دون الاشارة الى ان ما ينتج فعلا هو قيمة مضافة حقيقية للرأسمال، تستخرج من حياة الافراد وليس فقط من عملهم المأجور.
هذا لا يعني ان الرأسمالية الرقمية قد تجاوزت شكل الاستغلال التقليدي، بل اضافت اليه شكلا جديدا، يعمق السيطرة، ويوسع الاستغلال ليشمل الجميع، حتى اولئك الذين لا ينظر اليهم كقوة عمل، اي كل مستخدمة ومستخدم يتفاعل مع الفضاء الرقمي، كل عملية بحث، كل طفلة وطفل يستخدم تطبيقا، كل صوت مسجل، كل طريق تم السير عليه عبر خرائط غوغل، كل صورة، وكل اعجاب وتفاعل، وكل لحظة انتباه وغيرها. هذه كلها تستخرج منها قيمة، تحول الى سلعة تباع في السوق، وتستخدم لاغراض سياسية، اقتصادية، فكرية، امنية، وغيرها. لذلك يصبح من الضروري اعادة التفكير في مفهوم فائض القيمة، ليس كجوهر ثابت، بل كمفهوم مرن يعاد انتاجه ضمن علاقات انتاج متحولة. لقد حولت الرأسمالية الرقمية الانترنت الى مصنع يعمل 24 ساعة دون توقف، باستخدمات بيانات وسلوك المستخدمات والمستخدمين، وتربح منهم المليارات دون اي راتب لهم تجاه انتاجهم - السلوك والتفاعل - او تحوليهم الى مواد خام - بياناتهم -.
استخدام مفهوم ريع البيانات الذي تقترحه يحمل دقة اقتصادية في حالات معينة، خاصة حين يتعلق الامر باستغلال موقع مميز او امتياز معرفي. لكن ما تحاول الرأسمالية الرقمية فعله اليوم يتجاوز مجرد الريع، انه اعادة تشكيل علاقة الانتاج نفسها بحيث تصبح الحياة اليومية والسلوك الانساني مادة اولية للاستغلال، والزمن الاجتماعي مصدرا مباشرا لفائض القيمة. لذلك فإن استخدامي لمفهوم فائض القيمة الرقمي لا ينطلق من الرغبة في التوسع الخطابي او التوصيف الفضفاض، بل من محاولة رصد تحول حقيقي في بنية الاستغلال، ومن ضرورة النظر الى المستخدمات والمستخدمين ليس كجمهور سلبي، بل كمنتجين فعليين للقيمة والمواد الخام ايضا في العملية الانتاجية في نظام رأسمالي لم يعد يكتفي بالسيطرة على شغيلات وشغيلة اليد والفكر، بل يسعى للهيمنة على الوعي و الحياة ذاتها.
لهذا فالنقاش حول المفهوم، وتسمياته، وتحولاته، ليس تفصيلا نظريا بل هو جزء من المعركة حول وعينا بالاستغلال الجديد، وبالتالي حول ادواتنا لمواجهته. وانا بانتظار ملاحظاتك بعد القراءة الكاملة، لأن هذا النوع من النقاش هو ما يمكن ان يطور الفكر الماركسي واليساري، لا عبر التكرار، بل عبر اعادة تسليحه نظريا في مواجهة اشكال راس المال المتجددة والمتخفية.
فائق التقدير والاحترام
للاطلاع على الموضوع
والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول كتابه: الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: التكنولوجيا في خدمة رأس المال أم أداة للتحرر؟ / رزكار عقراوي
|
|
لارسال هذا
التعليق الى شبكات
التواصل الاجتماعية
الفيسبوك، التويتر ...... الخ
نرجو النقر أدناه
|
تعليقات
الفيسبوك
|
|
|
المزيد.....
-
العزوبية ليست اختيارا في العراق
/ محمد رضا عباس
-
قراءة في كتاب -المملكة الكتابية المنسية-: حين يغمس إسرائيل ف
...
/ محمود الصباغ
-
تَرْويقَة: -أسرار الفرح- لروزاريو غاستيلانوس - ت: من الإسبان
...
/ أكد الجبوري
-
الرماد مُستوٍ*
/ إشبيليا الجبوري
-
العراق بين قبضة الطغاة ووهج الثورة: صحوة الوعي وميلاد الغضب
...
/ حامد الضبياني
-
في حضرة الغياب.. بعد خمسة وعشرين عامًا على رحيل فيصل الحسيني
/ رانية مرجية
المزيد.....
-
أسباب تورم تحت الإبط.. متى يجب اللجوء للطبيب؟
-
-نحن وإسرائيل لدينا أعداء مشتركون-.. رجل أعمال أمريكي ينشر م
...
-
بريطانيا تعتزم بناء 6 مصانع أسلحة جديدة ضمن مراجعة دفاعية
-
قوات الاحتلال تشن حملة اقتحامات واعتقالات بجنين ونابلس
-
السلطان والسفاح.. كيف واجه العثمانيون وحشية دراكولا الحقيقي؟
...
-
إيلون ماسك يكشف حقيقة إدمانه للمخدرات
المزيد.....
|