حكيمة الشاوي - حقوقية وشاعرة وعضوة الكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول: تَحَرُّرُنَا جميعا :بين جدلية النضال النسائي ، والنضال الطبقي .


حكيمة الشاوي
الحوار المتمدن - العدد: 5103 - 2016 / 3 / 14 - 19:53
المحور: مقابلات و حوارات     


من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -176- سيكون مع الأستاذة حكيمة الشاوي -  حقوقية وشاعرة  وعضوة الكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ـ  حول: تَحَرُّرُنَا جميعا :بين جدلية النضال النسائي ، والنضال الطبقي . .



مقدمة
والعالم يعيش على ايقاع احياء ذكرى 8 مارس لهذه السنة ، بأصوات مجروحة ، ومطالب صادحة من حناجر نسائية تشكل أكثر من نصف البشرية ، عاشت وتعيش كل أشكال الاضطهاد والتمييز ..
لا بد من وقفة تأمل وتفكير ، لإعادة طرح قضية تحرر المرأة ، ووضعها في سياقها التاريخي وتأصيلها نظريا ، خاصة في ظل المستجدات والمتغيرات التي يحبل بها الواقع الحالي ، من أجل إعادة الاعتبار لكل ما هو حي ومهم في تاريخ ونضال المرأة في سبيل التحرر ..
ولا بد من إعادة طرح السؤال البديهي : هل تحررت المرأة ؟ بعد قرون من الكفاح ومسيرة تاريخية طويلة ومؤلمة ؟
وهل استنفذت الحركة النسائية كل مطالبها ؟ وماذا تحقق منها ؟ منذ أول انتفاضة للعاملات يوم 8 مارس إلى الآن ؟
بهذه المناسبة ، أود أن أتقاسم مع القارئات والقراء بعض الافكار والأسئلة المقلقة والحارقة المعنية بها المرأة ، ومنظماتها النسائية الخاصة ، والرجل أيضا ، وكل القوى المكافحة من أجل تحرر المجتمع ، وتحرر الانسان رجلا كان أو امرأة ، وانبعاث عالم جديد خال من الاستغلال والاستبداد وكل أشكال التمييز ..
 


مارس و"بداية" المخاض


لقد قيل : "أن النسوية ليس لها من "بداية" ، بمعنى أن التحدي المؤنث كان موجودا دائما ، ولكن بدءا من لحظة معينة دخلت النسوية في مضمار الممكن " ..
فكان 8 مارس "بداية" من البدايات : يوم انتفضت ازيد من 3000 عاملة في فيلاديلفيا سنة 1857 للمطالبة بمساواتهن في الاجر مع العمال ..
ويوم أضربت عاملات النسيج بنيويورك سنة 1910 ، وخرجن الى الشارع للمطالبة بحقوقهن ، فووجهن بقمع وحشي خلف ضحايا ..
ويوم تحول الى مظاهرة صاخبة في شوارع باريس سنة 1948 ، لأزيد من 100 الف امرأة احتجاجا على الفقر ..
ويوم تحول الى حركات تضامنية مع النساء الجزائريات سنة 1958 ، ومع نساء الفيتنام سنة 1968 ..
ويوم توسعت الحركة النسائية وتشعبت مطالبها ، واستمرت نضالاتها الى الآن ..
فارتبطت تلك "البداية" بانتفاضة العاملات ضد الاستغلال الرأسمالي ، وضد التمييز بينهن وبين العمال في مجال العمل ، ثم تطورت الى احتجاجات ضد الفقر ، والى حركات تضامنية مع نساء الشعوب المستعمرة ، وتشعبت مطالب الحركة النسائية فيما بعد ، وتطورت أشكال النضال ..
 


فما هو الاساس الموضوعي لنضال المرأة وتحررها ؟


لقد تبين عبر الممارسة في الواقع أن المرأة في ظل النظام الرأسمالي ـ ومهما ساهمت في الانتاج بفعالية ـ لا يمكنها بلوغ التحرر التام ، والمساواة الكاملة في الحقوق ، لأن هناك تناقض صارخ وجوهري بين دور المرأة وأهميتها الاقتصادية ، باعتبارها قوة عمل مفيدة للمجتمع ، وبين حالة التبعية والاضطهاد التي تعيشها سواء في الاسرة أو المجتمع ، والتمييز الذي تمارسه عليها القوانين والتشريعات البورجوازية ..
وهذا التناقض هو الذي شكل الاساس الموضوعي لطرح "قضية المرأة" ، ولخروج النساء للنضال من أجل المطالبة بحقوقهن ومساواتهن ، وتحررهن الكامل ..

ومن تم تبلور اتجاهان لتصور النضال النسائي :
*اتجاه نسواني قادته حركة نسائية بورجوازية ، انغلقت حول نفسها ، وحول مطالبها الخاصة ، ونصبت نفسها مدافعة عن حقوق المرأة ، وفصلت النضال النسائي عن النضال الاجتماعي التحرري ، وبذلك انتهت هذه الحركة الى الباب المسدود ..
*اتجاه اشتراكي ارتبط بالحركة العمالية ، واعتبر بأن النضال من اجل تحرر المرأة هو جزءا لا يتجزأ من النضال الاجتماعي الطبقي ، كما طرح خصوصية وضعية المرأة التي تتطلب ابداع أساليب للنضال في أوساط النساء ، من أجل تحرر المرأة وتحرر المجتمع معا ..
وقد اكتست قضية المرأة أهمية كبرى في الفكر الاشتراكي الذي ربط بداية استرقاق المرأة بظهور الملكية الخاصة والاستغلال الطبقي ، وأكد على أن انعتاق المرأة الكامل ، لن يتأتى إلا بالقضاء على البنيات الاجتماعية المبنية على اساس الملكية الخاصة ، وفي إطار المجتمع الخالي من الطبقات والاستغلال ، الذي يمكنه اقتلاع جذور استعباد المرأة ، نصف البشرية ..
هكذا شهدت أوربا وأمريكا في القرنين 18 و19 ، نضالات هامة خاضتها جماهير النساء البروليتاريات والحرفيات ، والمهمشات اللواتي انخرطن في مختلف الثورات والانتفاضات ، وحققن مكاسب حقوقية في المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي ولا زالت نضالات المرأة مستمرة لحد الآن من أجل استكمال سلسلة المطالب وتحصينها ..
من هناك احتلت المسألة النسائية ، مكانة بارزة في النضال ضد الرأسمالية التي تمارس أفظع ألوان الاستغلال على النساء ، وتبقيهن في مرتبة دونية وفي تبعية للرجل ، وتحرمهن من المساواة في الحقوق السياسية والمدنية ..
 


التوحش الرأسمالي يضاعف الاضطهاد


يعيش العالم بأسره ، وخاصة المنطقة العربية مابين الامس واليوم على وقع الثورات ، والانتفاضات والحروب ، والنزاعات السياسية والعرقية والدينية والاثنية ، وهذا الواقع تتداخل فيه عوامل داخلية وأخرى خارجية ، وينعكس سلبا على شعوب هذه البلدان ، وعلى أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المزرية ..
فينتج عن هذا الوضع :

* أولا ، الشعوب المنتفضة ، التي تواجه النظام الرأسمالي الاستغلالي ، وتواجه الانظمة الاستبدادية التابعة له ، والتي تطمح إلى التحرر ، وتغيير أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وتحقيق الكرامة والعدالة والمساواة ، وبناء مجتمع جديد ، يقوم على نظام اقتصادي عادل وديمقراطي ..
* ثانيا ، القوى الدولية المهيمنة ، التي تحاول إحكام قبضتها على الدول والشعوب العربية المستضعفة ، باستغلال واستنزاف خيراتها ، وتركيعها وإذلالها ، حتى تتمكن من توسع مصالحها الاقتصادية والسياسية ، وبسط هيمنتها على العالم ..
* ثالثا ، الانظمة البرجوازية الاستبدادية الرجعية التابعة ، التي تعمل على نهب خيرات الشعوب ، وحرمانها من حقها في ثروات الوطن ، وحقها في الديمقراطية وحقوق الانسان ، كما أن هذه الانظمة تقوم بدور الوسيط ، بين شعوبها ، وبين القوى الدولية المهيمنة ، حيث تقدم شعوبها قربانا لها ، مقابل تقاسم وحماية المصالح المشتركة بينهما ، وضمان وجودهما واستمرارهما ..
إن النظام الرأسمالي العالمي ، وما يعرفه من أزمات وتحولات ، وما ينتج عنه من مآسي انسانية ، يعيش أعلى مراحل الاستغلال والتوحش ، والهيمنة الامبريالية ، وهو بذلك سيسير حتما نحو نهايته ، وليس نحو نهاية التاريخ ، وقد قيل "إن النظام الرأسمالي يسير نحو نهايته وهو ينفث الدم من مَسامِّهِ" ، لأن عالما آخر بعده ، ممكن ..
إن هذه الانظمة أصبحت تفرز أوضاعا جديدة شاذة ، وتعيد انتاج الاستغلال والاضطهاد بوسائل وآليات جديدة حفاظا على استمرارها ، فتستغل الموروث الثقافي والديني ، والعادات والتقاليد والخرافات ، وتنتج قوى سياسية ودينية متطرفة ورجعية ، معادية للديمقراطية وحقوق الانسان عامة ، وحقوق المرأة خاصة ، لأنها الحلقة الاضعف في السلم الاجتماعي ، فيتم الاجهاز على مكتسباتها التي لم يتم تحصينها ديمقراطيا ، وتتهدد في حقوقها الطبيعية المتأصلة فيها ، وفي وجودها الانساني ..
وبهذا يتضاعف ويتجدد اضطهاد النساء : فمن الاستغلال الاقتصادي والتمييز والعنف والفقر والأمية والتهميش ، الى مخاطر العنف الديني والاغتصاب والسبي والتهجير ، والاتجار الجنسي بالنساء ، وخلق شبكات الدعارة ..
 


التحرر من الموروث الثقافي والديني المهين


إن ما يجري اليوم في العالم العربي الاسلامي ، وما تتعرض له المرأة العربية خاصة من هجمة دينية ، تحاول العودة بها الى قرون الحجر ، وما يقوم به بعض الفقهاء الذين يتم استئجارهم ، بهدف انتاج وصناعة خطاب ديني مهين ، يؤسسونه على التأويل المتطرف للدين ، وعلى الموروث الثقافي الرجعي ، وعلى الغيبيات والخرافات والشعوذة ، إن هذا الوضع يضعنا أمام الاسئلة التالية :
*هل استنفذ نضال المرأة مطالبه الديمقراطية ، أمام جبروت الخطاب الديني المتطرف ؟ وأصبح من المفروض على المجتمعات التراجع عن المكتسبات التي حققتها المرأة عبر قرون من الزمن ، والعودة بها الى نقطة البدء ، العبودية والإقطاع ، وجدران البيت ؟
*هل وصل نضال المرأة الى الباب المسدود ، أمام الغول الرأسمالي الاستغلالي الذي اصبح يستغني عن اليد العاملة ، وخاصة العمالة النسائية ، التي أصبحت مجرد سلعة من السلع ؟ ،
*هل أصبحت الانظمة الاستبدادية التابعة له ، تضيق درعا بمطالب المرأة وبنضالها ، وبتنامي وعيها ، وبدورها المهم والخطير في النضال السياسي ، وفي النضال التحرري العام ؟ ..
*هل مطالب المرأة العربية استكملت دورتها ، من الحقوق السياسية والمدنية ، والاقتصادية والاجتماعية ، ووصلت الى الحقوق الثقافية التي ترتبط بالبنيات الفكرية والعقلية الموروثة عبر قرون من الزمن ، والتي يصعب المساس بها نظرا لارتباطها بالمقدس الديني ..؟
إن ثورة ثقافية وفكرية ودينية ، أصبحت ضرورة في الوقت الراهن ، من أجل تفكيك هذه البنيات ، وتخليصها من الشوائب الرجعية والمتطرفة والمظلمة ..


إن حركة تنويرية الآن ، أصبحت حاجة ملحة :

* نحن في العالم العربي الاسلامي اليوم ، وفي هذه المرحلة الانتقالية ، نحتاج الى علماء الاجتهاد والتنوير الديني ، يقومون بإعادة قراءة الدين ، قراءة جديدة وايجابية على ضوء متغيرات الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، واعتمادا على مستجدات الثورة العلمية والتكنولوجيا ، حتى نساير ركب الحضارة الانسانية ، وقد بدأ ظهور بعض هؤلاء العلماء المتنورين ..
* نحن نحتاج الى خطاب ديني علمي ، يعتمد الفكر العلمي ومستجداته ، وليس الفكر الغيبي والخرافي ، خطاب انساني يدعو الى قيم التسامح ، والمساواة ، والعدل ، والتضامن ، وليس خطاب التخويف والقهر ، والتطرف والتمييز ، والترهيب ، والتكفير ..
* نحن نحتاج الى خطاب ديني يكرم المرأة ، ويعترف بانسانيتها وكرامتها ، وبحقوقها المتساوية مع الرجل ..
*نحن نحتاج الى خطاب ديني تحرري للإنسان العربي المسلم ، يحرر فكره ووعيه ، فيجادل ويحاور دون ترهيب ، أو تكفير ..
* نحن نحتاج الى مؤسسات دينية قائمة بذاتها ، مستقلة عن الدولة ، وعن السياسة ، دورها التوجيه الديني ، والوعظ والإرشاد ، والتربية الدينية ، لمن يحتاج ذلك ..
 


النضال النسائي : بعض المخاطر الذاتية


إن نضال المرأة العربية من أجل تحررها ، هو جزء من نضال المرأة عبر العالم ، وجزء من النضال التحرري العام .. وفي كل التجارب التاريخية لتحرر المجتمعات ، فإن المرأة كان لها دوما ، دور مهم في الكفاح من أجل التغيير ليس فقط من أجل مساواتها بالرجل ، وتحررها من النظرة الدونية للمجتمع ، ولكن أيضا من أجل تحرر المجتمع ككل ، وتحرر الانسان فيه ، رجلا كان أو امرأة ، والذي لا يمكنه أن يتحقق إلا في ظل نظام اقتصادي ديمقراطي وعادل ..
إن أمام النضال النسائي اليوم ، والحركة النسائية العربية ـ إضافة الى المخاطر الموضوعية التي سبق طرحها ـ مخاطر ذاتية ، لا بد من الوعي بها ، لمواجهتها ، ونلخصها فيما يلي :
أولا : نخبوية بعض المنظمات النسائية ، وعدم انفتاحها على أوسع الجماهير النسائية ، وخاصة النساء العاملات ، والفلاحات ، والكادحات ، والمهمشات ، هؤلاء يعانين أكثر من النخبة النسائية المتعلمة ، وفي حاجة الى التوعية ، والى اجتذابهن الى معمعة الصراع الاجتماعي ، لأن من شأن ذلك أن يوسع ويقوي الحركة النسائية ، ويعزز نضالها ، ويحصن مكتسباتها ..
ثانيا : عزل المطالب النسائية عن المطالب الاجتماعية العامة ، سواء بالنسبة للحركة الاجتماعية التي لا تعير اهتماما بمطالب النساء ، أو بالنسبة للحركة النسائية التي لا تهتم سوى بمطالبها الخاصة .. في حين أن دمج مطالب الحركة النسائية بمطالب الحركة الاجتماعية ، من شأنه أن يحصن المكتسبات ، وأن يعزز جبهة الدفاع عن تلك المطالب في شموليتها ، ويشكل قوة ضغط لتحقيقها ..
ثالثا : ابتعاد ، أو إبعاد المرأة عن النضال السياسي ، وعن الانخراط في الأحزاب التقدمية واليسارية ، وانغلاقها حول نضالها النسائي الخاص ، فينتج عن ذلك هيمنة الذكور على تلك الاحزاب ، وغياب المرأة عن مواقع القرار ، فتغيب بالتالي مطالبها ، وتغيب المساواة والديمقراطية داخلها ..
رابعا : غياب الافق الاستراتيجي لدى بعض المنظمات النسائية ، وفصل النضال النسائي عن النضال الطبقي ، فنضال المرأة يلتقي طبيعيا مع نضال الطبقة العاملة ، وجميع المضطهدين والكادحين ، ضد النظام الرأسمالي الذي يمارس الاستغلال والقهر على كل هؤلاء ، ويضاعف الاضطهاد على المرأة ، باعتبار جنسها المختلف ، ويستغل النظرة الدونية ضدها ..

إن النضال النسائي ، والحركة النسائية العربية ، والمرأة عموما ، في حاجة ماسة اليوم إلى تحالفات قوية ، لمواجهة الهجمة الشرسة عليها ، من طرف النظام الرأسمالي ، والأنظمة الاستبدادية ، والاستعمار والامبريالية ، والعقلية الذكورية ، والتطرف الديني ، والموروث الثقافي ..
إن النضال النسائي في حاجة الى حلفائه التقليديين ، والى حلفاء جدد ، يشكلون جبهة واسعة لدعم نضال المرأة : الاحزاب التقدمية اليسارية ، الحركة الحقوقية ، الحركة العمالية والنقابية ، الرجال التقدميين والمناصرين ، علماء الدين المتنورين ، الفنانون والشعراء والكتاب ..
إن نضال المرأة العربية ، الذي قطع أشواطا نحو التحرر ، وحقق مكتسبات مهمة، لا يمكنه التراجع أبدا الى الوراء .. ومعركة التحرر العربية التي بدأت ، لا يمكنها إلا أن تستمر حتى تحقيق أهدافها الانسانية النبيلة في التحرير والديمقراطية والاشتراكية ..