|
غلق |
|
خيارات وادوات |
مواضيع أخرى للكاتب-ة
بحث :مواضيع ذات صلة: فاطمة ناعوت |
إيزيس الحكيم … إيزيس السعداوي
"إيزيس" ربّة الاكتمال والحكمة عند جدِّنا المصري القديم، هي "المرأة" بوصفها نموذجا للكمال الوجوديّ. استلهمُها كثير من الكتّاب في أعمالهم، لكنني أتوقف أمام نموذجين نقيضين في زاوية النظر إليها. مسرحية "إيزيس" لعميد المسرح العربي "توفيق الحكيم" التي صدرت عام ١٩٥٥، ومسرحية "إيزيس" للدكتورة "نوال السعداوي” الصادرة عام ١٩٨٥. والطريفُ أنني حين قرأتُ المسرحيتين لم أقرأ شخصَ "إيزيس" بقدر ما قرأت "عقلَ" كلّ مبدع منهما، وأسلوب رؤيته للعالم. "توفيق الحكيم" ومغالاته في النظرة المتعالية للمرأة ووضعها في مرتبة دنيا، و"نوال السعدواي" ومغالاتها في إعلاء شأن المرأة. ولن أزعمَ الحيادَ وأقولُ إنني في حال تأمل موضوعي لمبدعيْن من رموز الحياة الثقافية المصرية، بل سأتخذ موقعي كمؤيدة لنظرة "نوال السعدواي" للمرأة، مع عشقي الهائل للعظيم “توفيق الحكيم”. وموقفي هنا ليس بوصفي امرأة في مجتمع ذكوري، بل انتصارٌ لمبدأ "تأنيث العالم"، وتكريسٌ قيم الحقّ والخير والجمال في الوجود. ومن الطريف أيضًا أن "الحكيم" كان يحاول تمجيد "إيزيس" ومدحها بصفاتٍ رفيعة من قبيل الوفاء والإخلاص وإعلاء شأن الزوج، وجميعُها خصالٌ تصبُّ في صالح الرجل؛ حتى أنه، في بيانه الختامي للمسرحية، ربط بينها وبين "شهرزاد" التاريخ، و"بنيلوب" الإغريق، زوجة "أوديسيوس" المخلصة، من حيث اتفاقهن في "الوفاء الزوجي”. وبهذا فجميع النعوت الطيبة التي خلعها على "إيزيس" كانت في إطار حِبال الرجل وتدثّرها بعباءته؛ وكأن لا جمالَ وجوديًّا وإنسانيًّا لامرأة خارج حدود الرجل بعيدًا عن بساطه! لم أكن لأقول هذا لولا أنني في حال مقارنة بين المسرحيتين. فالحكيمُ غيرُ مُلامٍ حين استلهم جوهرَ الأسطورة "كما هي" ونسج على نَولها، وبذا فهو غير مُطالب بتغيير الأحداث لصالح فكرة ما، ليس لأنه اشتهر بعدائه للمرأة؛ فهو لم يكن عدوا لـ"إيزيس"، بل لأنه كرّم شخصَها في مسرحيته عبر تكريس قيمة "الوفاء الزوجيّ" ولا شيء آخر. و"الوفاء" قيمة جليلةٌ أعلى من أن نناقش حتميتَها، إلا أن اختصارَ القِيَم في الوفاء وحسب، نقصانٌ للقيم. "إيزيس السعداوي" تقول إن الجمال الإنساني يكمنُ في مناطق أخرى كثيرة غير هذه القيمة التي تنهل من بساط الرجل وتصبُّ فيه. لأن "الجمال الإنساني العام" إذا توّلد، فسوف ينبتُ جميعَ ألوان القيم الأخرى ومن بينها: الوفاء والنبل والحب والقوة والصدق والرحمة والكرم والإيثار وغيرها. ومن ثَمَّ فقد رسمت "السعداوي" "منبعَ" النهر، فيما رسم "الحكيمُ" "فرعًا" من فروعه. ففي حين كانت "إيزيس الحكيم" مجرد امرأةٍ أرملَ تحاولُ لملمة نُثارات وأشلاء جسد زوجها المغدور الذي قتله شقيقُه "سيت" إله الشر، كانت "إيزيس السعداوي" امرأةً قوية مثقفةً فاعلةً في المجتمع، تبني عقولَ الناشئة وتعلمهم الكتابةَ والقراءةَ وتبذرُ فيهم المفهومَ الحقيقي للعدل والجمال والنبالة واحترام الإنسان لنفسه وللآخر بصرف النظر عن نوعه وعِرقه وطبقته وديانته. "إيزيس الحكيم" امرأةٌ "مفعولٌ بها" كما هو شأن المرأة في معظم الأدب الكلاسيكيّ، ويأتي دورُها دائمًا كردّة فعلٍ صنعه الرجل. فالرجلُ هو المهيمنُ على حراك الكون والموجودات، وما المرأةُ إلا أحدُ تلك الموجدات التي تخص الرجل. لكن "إيزيس السعداوي" هي مالكٌ مُناصِفٌ للكون مع الرجل، وفاعلٌ مُفعّلٌ للوجود والأحداث. "إيزيس الجديدة" لا تدور في فلك الرجل وداخل عباءته، فهي موجودة بشخصها الفاعل، تبني الكونَ إلى جوار الرجل، عكس الأولى التي وجودها مرهونٌ بوجود الرجل. وكما قال الفارابي: "كلُّ موجودٍ بغيره آلةٌ"، أي “أداة”.
|
|
| ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد | نسخ - Copy | حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | اضافة موضوع جديد | اضافة خبر | | |||
| نسخة قابلة للطباعة | الحوار المتمدن | قواعد النشر | ابرز كتاب / كاتبات الحوار المتمدن | قواعد نظام التعليقات والتصويت في الحوار المتمدن | | غلق | ||
المواضيع المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي الحوار المتمدن ، و إنما تمثل وجهة نظر كاتبيها. ولن يتحمل الحوار المتمدن اي تبعة قانونية من جراء نشرها |