الدوجمائيُّ … ومعركةُ التقاويم!!


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 8181 - 2024 / 12 / 4 - 11:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

Facebook: @NaootOfficial

مشكلةُ "الدوجمائي" ليست وحسب الجمود الفكري والتشبث بالرأي ورفض الاطلاع على الأفكار الأخرى، مشكلتُه الأخطرُ في تقديري هي خلطُه الفجُّ بين "الرأي"، و"التاريخ"؛ وتلك كارثة!
فحين تقول معلومةً تاريخية ثابتة، لا دخل لك فيها، ويحدث ألا تكون تلك الحقيقة التاريخية الدامغة على هوى الدوجمائي، أو تكون مخالفةً لما يعتقده، ماذا يفعلُ حينها؟ ينزل فيك سُبابًا ولعنًا وتقريعًا وسخريةً بل وتكفيرًا! ولو طالتك يداه ربما قتلك! فقط لأنك قلت حقيقة تاريخية لم يكن يعلمها! تصوّر؟! هو لا يختصمك من أجل "رأي"، بل من أجل "معلومة”! متصوّر حجم الكارثة؟! خذ مثالا. قل مثلا إن الحرب العالمية الأولى وقعت عام ١٩١٤، لكنه لسبب ما يظن أنها عام ١٩١٥. ماذا يفعل حينها؟ هل يدير محرك بحث ويتأكد من المعلومة؟ لا… سوف يشتمك! لاحظ أنك لم تقل "رأيك" في الحرب، ولا لأي فريق تنحاز. أنت فقط ذكرت معلومة حدثت قبل مولدك، ولا دخل لك فيها! ومع هذا قد يلعنك الدوجمائي بكل اطمئنان وثقة! نحن ننادي بألا نتعارك حين نختلف في "الرأي"، فالاختلاف في الآراء ثراءٌ من شأنه أن يخلق حالا من الجدل الدياليكتيكي الجميل الذي يستولّد الأفكارَ؛ فيتطور العقلُ الإنساني. فما بالك حين نصل إلى مستوى من العبث تجعلنا نتمنى ألا نتعارك لا من أجل "رأي"، بل من أجل "معلومة" بسيطة تحسمها كبسةُ زرّ؟!!!! متصور عزيزي القارئ حجم الطرافة والكوميديا!
بعد كتابتي مقال: (٦٢٦٦ عاما على رُزنامة "توت”) بجريدة "المصري اليوم" الأسبوع الماضي، حدث أطرفُ وأغربُ ما يمكنُ أن يحدث من ردود فعل على مقال! هاجمني مسلمون، وهاجمني مسيحيون! رغم أن المقالَ كان يناقش "حقيقة تاريخية" لا علاقة لها لا بالإسلام ولا بالمسيحية، لأنها ببساطة وقعت قبل المسيحية بأكثر من أربعة ألاف سنة، وقبل الإسلام بما يقارب الخمسة ألاف عام! فلماذا وكيف تحولت معلومةٌ تاريخية تسبقُ الرسالات الدينية بآلاف السنين، إلى معركة دينية؟ الإجابة: “لا أدري!” ومع نهاية المقال أخبرك لماذا هاجمني هؤلاء وأولئك.
المقال كان يتكلم عن "التقويم المصري القديم" الذي وصلنا اليوم فيه إلى العام ٦٢٦٦. فأين يختفي "الدينُ"في هذه المعلومة التاريخية؟! الإجابة: يختبئ في عقل الدوجمائي والمتطرف.
دعونا أولا نُقرُّ بعض التعريفات، والحقائق التاريخية العلمية، التي لا دخل لي، ولا لك عزيزي القارئ، فيها.
"التقويم": هو نظامُ عدّ زمني لحساب الأيام والأعوام وتنظيم مرور الزمن والتواريخ لأغراض إجتماعية أو زراعية أو تجارية أو إدارية. ويُسمى أحيانًا "رُزنامة" أو "نتيجة". وبالإنجليزية Calendar، شتقة من الكلمة اللاتينية Kalendae وهو اسم اليوم الأول من كل شهر. أما "رُزنامة"، أو "روزنامة" فتعود إلى اللغة الفارسية. وهي جُماع كلمتين: “روز" بمعنى "يوم"، و"نامة" وتعني "كتاب" أو "صحيفة"، أي: "كتاب الأيام". والتقويم فرعٌ من علم "التسلسل الزمني".
ثم دعونا نُقرُّ حقيقةً تاريخية تقول إن البشرية تحتكم إلى "تقاويم" زمنية "عديدة”. لأن بعض الشعوب وضعت تقويمها بحساب دوران الأرض حول الشمس، وأخرى اعتمدت على دورات القمر حول الأرض، وبعضها اعتمدت على أسباب أخرى غير معروفة. دعونا نذكر من تلك التقاويم الكثيرة أربعة تقاويم فقط: المصري- الميلادي- القبطي- الهجري. والترتيب السالف من الأقدم للأحدث. فنحن الآن في عام: ٦٢٦٦ مصرية، ٢٠٢٤ ميلادية، ١٧٤١ قبطية، ١٤٤٦ هجرية. وحدث أن تزامنت بدايتا اثنين من تلك التقويمات (المصري-القبطي)، لا بفعل دوارات الشمس والقمر، بل بفعل "الإنسان"، ولأسباب عَقَدية بحتة، ذكرتُها في المقال المذكور، الذي طالني فيه اللومُ والتقريع.
بدأ التقويمُ المصري القديم منذ ٦٢٦٦ عامًا؛ لتنظيم عمليات الزراعة والحصاد. وقال عالمُ الآثار "جيمس هنري برستد" إنه "أقدم وأدق التقاويم المعلومة، الملائمة عمليًا، والتي تتألف من ٣٥٦ يومًا". وظل التقويمُ المصري شهيرًا حتى عام ٢٨٤ ميلادية، حين وقع "عصر الشهداء" في مصر، في عهد الإمبراطور الروماني "دقلديانوس" الذي اضطهد مسيحيي مصر. في ذلك العام قرّر المصريون (تصفير) التقويم المصري القديم، لكي يبدأ من تاريخ "عصر الشهداء" تخليدًا لشهداء مصر. ومن هنا تزامنت بدايتا: "التقويم المصري" مع "التقويم القبطي"، وظل الاختلافُ في العدّاد الزمني قائمًا.
حين كتبتُ تلك "الحقائق التاريخية" التي لا دخل لي فيها، هاجمني المتعصّب المسلم ظنًّا منه أن "رأس السنة المصرية" عيد مسيحي! بينما هو عيد وطني مصري ظهر قبل المسيحية بـ٤٠٠٠ سنة! وهاجمني المتعصبُ المسيحي ربما لأنه لا يعرف حكاية "التصفير" الذي حدث في عصر الشهداء، ومن ثم فهو لا يعترف إلا بالتقويم القبطي، وليذهب التقويم المصري للجحيم! تصوروا كيف يُغتالُ التاريخُ، ويُغتالُ مَن يذكره!!

***