-شلبي- … الناس ال كلّ حاجة


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 8055 - 2024 / 7 / 31 - 11:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

“شلبي" …. فيلمٌ جميل من إخراج الطبيب المبدع "بيتر ميمي"، انتاج عام ٢٠٢٢، يُعرضُ الآن على منصّات المشاهدة، حريٌّ به أن يُضاف إلى "رف الخوالد" في مكتبة السينما المصرية. فيلم إنسانيٌّ خفيف الروح، يثبتُ أن "الحبَّ" الذي يجمع بين قلوب البشر، هو طوقُ النجاة الأوحد، في بحر عنيف متلاطم الأمواج، تصطرع فيه همومُ الحياة وكوارثها، فينتصرُ عليها "الإنسانُ" الأعزلُ إذا ما تسلّح فقط بـ"الحب" الذي يواجه المحنَ والنوازلَ مهما تجبّرت وتشرّست. مادام هناك مَن يُحبُّنا ويدعمنا ويقفُ إلى جوارنا، ففي الحياة ما يستحقُّ أن يُعاش.
مجموعة من البشر "الـ ولا حاجة"، كما يطلقون على أنفسهم، كونهم من البسطاء الُمهمّشين الذين لا تشعر بغيابهم إن غابوا، مثلما لا تشعر بحضورهم إن حضروا. لكنهم، بقلوبهم الطيبة، وتضحياتهم النبيلة، وخوضهم الأهوال من أجل إنقاذ طفلة بكماء، من أبناء الناس "الـ ولا حاجة"، يثبتون أنهم "الـ كل حاجة" في هذا العالم الجامح الجامد المتنمّر الشرس.
الفيلم قصة الطبيب الفنان "بيتر ميمي" ومن إخراجه بالطبع، وتأليف "مصطفى حمدي"، وبطولة الكوميديان الجميل "كريم محمود عبد العزيز" الذي ينطق بأعقد الجمل الكوميدية، ببساطة من يتنفسُ الكوميديا. وتشاركه البطولةَ النجمة الجميلة "روبي" التي تُبدع في أداء أصعب الأدوار وأعقدها (مثل أدائها العبقري في مسلسل "سجن النسا")، مثلما تُبدع في الأدوار اللايت-كوميدي كما جسّدت في فيلم "شلبي" دورَ الأم البسيطة المغدورة من الزوج النذل، والمكلومة على طفلتها التي فقدت النطق حينما شهدت بعينيها مصرع كلبها الصغير، الذي كان لها بمثابة "كل الأصدقاء"، إثر مشادة تحولت إلى معركة بين أمها وأبيها. الأم الشابة "سعدية/ روبي" تدير بانسيون يسكنه ثلاثة من البسطاء غير المتحققين، الذين يحلمون بالنجاح في مجال الفن، لكنهم يخفقون المرّةَ تلو المرّة. “صابر"، أدى دوره النجم "كريم محمود عبد العزيز"، وهو فنان العرائس الذي صمّم عروسة ماريونيت أطلق عليها اسم "شلبي"، وضع على لسانه جميع أفكاره ورسائله إلى العالم، وظل يحلم بعمل مسرحية استعراضية للعرائس يكون بطلها عروسته “شلبي”، لكن ينتهي به الحال "بلياتشو" تعسًا في إحدى دور الملاهي المغمورة. ويجاوره في سكنى الغرفة "شريف جزرة/ حاتم صلاح"، وهو شاب مهووس بحلم أن يصبح ممثلاً ناجحًا، لكنه يتلعثم في تجربته الأولى أمام الجمهور العريض في مسرحية "عطيل"، مثلما لم ينجح في أداء أيٍّ من الأدوار القليلة التي كانت تُعرض عليه بسبب عدم الثقة بالنفس، حتى ينتهى به الحالُ يائسًا محطّمًا. وفي غرفة ثالثة يسكن "فؤاد السويسي/ بيومي فؤاد" الذي يعيش في دور الكاتب الروائي، لكنه بعدُ لم ينجح في تحقيق حلمه رغم تبديد ثروته على حلمه، إلى درجة أن ابنه العاقّ قام بالحجر عليه فصار رجل أعمال ثريًّا، يجحد أباه الذي صار فقيرًا مكتئبًا انتهى به الحال في بانسيون سعدية، وراح يبني عوالم شخصيات رواياته الوهمية في غرفته المريبة، إلى درجة أن ظنّه نزلاء البانسيون قاتلا متسلسلاً! تختلف الأحلامُ المجهضة عند الفنانين الثلاثة، لكنهم يجتمعون على حب الطفلة البكماء "كارما" التي أدّت دورها "لافينيا نادر"، فيخوضون المخاطرَ من أجلها، ويلتقي معهم في الحلم النبيل ذاته، جميعُ البسطاء من الجيران الطيبين: "سليمان عيد، محمد رضوان، عبد الباسط حمودة، نانسي صلاح، حسام الفحام"، وحتى الابن الجاحد يرقُّ قلبه ويؤمن بنبل مقصدهم يتعاون معهم فيقوم بإنتاج مسرحية جمهورها من الأطفال اليتامى، وبطلها العروسة "شلبي" والطفلة الموهوبة "سيليا محمد سعد"، حتى تعود الكلماتُ إلى لسان الطفلة البكماء "كارما". روح الفيلم الجميلة تذكرك بفيلم "شارع الحب"، حين ينجح الحبُّ في صنع المعجزات في الشارع الفقير الذي يسكنه البسطاء. شكرًا للفن الراقي الذي يعلّمنا القيم الجميلة مما فاتنا أن نتعلّمه على مقاعد الدرس.

***
ومن نُثارِ خواطري
***
(موسمُ الشدو)
في مواسم الشَّدوِ
والحُبِّ
يخرجُ الطيبون
من كهوفِ الجبال
يوزّعون خبزَ الله
على أطفالِ الحيّ الصامتين
فـ يصطفُّ البشرُ
على حوافِ الأفقِ الحزينْ
ويفتحون صدورَهم
لكي يدخلَ
رحيقُ الزهرْ
إلى القلوب الكسيرة
فتنطلقُ الحناجرُ
بالغناء
والفرح.

***