“سميحة أيوب”... إشراقة مهرجان المسرح المصري


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 8059 - 2024 / 8 / 4 - 10:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

Facebook: @NaootOfficial

مثل زهرةٍ مُشرقة، تجلّت في فستانها الأبيض وهي تُلوّح للجماهير المحتشدة حول جلال تاريخها الفني الثري، في حفل افتتاح “المهرجان القومي للمسرح المصري”. سميحة أيوب. الكلمتان السابقتان ليستا اسمَ عَلَمٍ في "إسنادٍ" ينقصه الفعلُ والفاعلُ ليغدو "جملة مفيدة"، بل هما معنًى مكتملٌ تمامَ الاكتمال. فيكفي أن تقول "سميحة أيوب"، وفقط، ليمرَّ أمام عينيك شريطٌ سينمائي مسرحي غنيٌّ بوجه امرأةٍ مليحة القسمات، تراها أرستقراطيّةً بشَعر قصير "آلا جارسون" تارةً، وشعبيّةً بشَعر طويل معقوص في "منديل بأوية" تارةً، وغجريّةً بشَعر مُسدل تارةً أخرى. تتحدثُ الفصحى الرصينةَ كسيدة ذات كعب ثقافي عالٍ تارةً، وتنطق الدارجة العامية تارةً، وتتلمّظُ بحوشيّ الكلام السوقيّ تارةً أخرى، وفق ما يتطلّبُ الدورُ الذي تؤديه ببراعة على خشبة المسرح أو أمام كاميرات السينما والتليفزيون. هي منجمٌ فنيّ غنيٌّ محتشدٌ بالجواهر الثمينة والأحجار الكريمة واللآلئ، في حقل مصر الفنيّ الخالد. كانت أمي تكافئني، إذا ما تفوقتُ في المدرسة وحصلت على المركز الأول، بحضور عرض في "المسرح القومي"، أبطالُه "سميحة أيوب"، أو "عبد الله غيث"، أو "سهير المرشدي" أو"أشرف عبد الغفور"، وغيرهم من علامات المسرح المصري العظيم، أحد أهرامات مصر الشاهقة.
شكرًا للفنان الجميل: “محمد رياض" على اختياره سيدة المسرح "سميحة أيوب" لتكون الواجهة الشرفية للدورة ١٧ من "المهرجان القومي للمسرح المصري" الذي حضرنا حفل انطلاقه أمس الأول ٣٠ يوليو في المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية.
من علامات الحفل الفارقة، الإعلامية المثقفة "رغدة بكر" التي قدّمت الحفل باحترافية مدهشة. ومن أجمل سمات الحفل وأكثرها مَسًّا للقلوب، تقديمُ كلِّ فنانٍ مُكرَّم في المهرجان، بكلماتِ فنانٍ آخرَ، تُلخّصُ تاريخَه الحافل بالفن والعطاء. فلم يكن هذا وحسب ثراءً مُضاعفًا للحفل، بل كان سمةً من سمات المسرح المصري العريق؛ وهو روح الحب والنبالة التي تربطُ بين صُنّاعه. الفنانُ الجميلُ "محمد محمود" قدّم الفنانَ الجميلَ "أحمد بدير"، وقدّم الجميلُ "صلاح عبد الله" الجميلين "أحمد آدم" و"أحمد الإبياري" الذي أهدى بدوره تكريمَه إلى جميع "آل الإبياري" من كتّاب المسرح ومنتجيه، والجميلة "رانيا فريد شوقي" قدّمت الجميلَ "عزت زين"، وقدّم الجميلُ "أحمد فؤاد سليم" الجميلَ "أسامة عباس"، وقدّمت الجميلة "مادلين طبر" الجميلَ "عبد الله سعد"، والجميلُ "حسن العدل" قدّمه الجميلُ "طارق النهري"، وقدّمت الجميلةُ "جميلة عوض" مصمم الاستعراضات الجميلَ د. “عاطف عوض"، وقدّم الجميلُ "أحمد كمال" الجميلةَ "سلوى محمد علي" التي استعرضت لنا أرشيفًا بانوراميًّا لتاريخ المسرح المصري تذكّرت خلاله أساتذته وأسطواته خلال نصف قرن. وفي الختام قدّمت الجميلةُ "إلهام شاهين" جميلةَ المسرح والفن المصري الأستاذة "سميحة أيوب" بعد فيلم توثيقي درامي قصير ودسم من إخراج "أشرف فايق" عن تاريخها الغني على خشبة المسرح القومي الخالد. قدّم دروعَ التكريم وزيرُ الثقافة الفنان الدكتور "أحمد فؤاد هنو" مع النجم المحترم "محمد رياض" الذي نشكره على رئاسة المهرجان وخروجه بهذا الشكل المشرف، ونعدُ أنفسنا بعروض مسرحية فائقة ترقى للمستوى العالمي.
المسرحُ مدرسة خطيرة نتعلّم منها ما فاتنا أن نتعلّمه على مقاعد الدرس. وأجمل ما أختتم به مقالي مقتطفٌ من مسرحية "الإنسان الطيب" تأليف "برتولت بريخت" وبطولة العظيمين: "عزت العلايلي" و"سميحة أيوب"، التي جسّدت فيها دوري: “رجل وامرأة” معًا.
***
"إنسانُكم الطيب هو أنا… ألا أن عالمَكم مستحيلٌ بكلِّ ما فيه من ناقصاتٍ وكلِّ ما فيه من تعجيز. ذراعٌ تُمدُّ للجائعين تُعضُّ وتُنهشُ من فورها. ومَن يمنحُ العونَ للضائعين. يضيعُ بدورِه. ومَن ذا الذي يستطيعُ التروّي. وكبحَ جماحِ الغضبْ، وبالقربِ منه يموتُ الجياع؟ ... هنالك شيءٌ بعالمِكم أيها النيّرون غلط. لماذا يفوزُ الجُناة بحُسن العواقب. والخيرّون لهم كلُّ هذا الشقاء؟ ... نشأتُ ولي نظراتُ تشقُّ الحُجُب، ورقّةُ قلبٍ تجرُّ عليّ الألم. وفي البَدء كنتُ أحسُّ بغضبةِ ذئبٍ لمرأى التعاسة. ولكن رويدًا رويدًا شعرتُ بطبعي يتحوّل. وصارت شفاهي حازمةً صارمة. وأصبحَ طعمُ الكلامِ الرحيمِ بحلقي مُرًّا كطعم الرماد... خُذوني بذنبي. فكلُّ جريمةٍ اقترفتها يدي كنتُ أبغي بها معونةَ جاري وحبَّ حبيبي. وإنقاذَ طفلي من النومِ دون عشاء. أجل أيها الآلهة. لقد كنتُ شيئًا شديدَ الصغر. أنا الكائنُ البشريُّ الضعيف. أمام مشاريعِ حضراتِكم.”

***