رسمُ الحياة … في عيون أطفالنا


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7996 - 2024 / 6 / 2 - 11:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     


أحزننا جميعًا ما قامت به سيدةٌ تنشر فيديوهاتٍ لها على صفحات التواصل وهي تحكي للأطفال فظائعَ فاقت في سخافاتها ورعبها حكايات "أمّنا الغولة، وأبو رجل مسلوخة" التي اختفت وصارت من الفولكلور القديم لأن أساليب التربية الحديثة تقول إن غرس بذور الرعب في قلوب الأطفال، من شأنه أن يدمّر نفسياتهم ويجعل منهم شخصيات مهترئة.
في أحد الفيديوهات تقول للأطفال إن البيت مكتظ بالعفاريت والشياطين تطاردنا من غرفة إلى غرفة! لكن الشياطين لا تستطيع فتح الأبواب! لهذا نغلق الباب لئلا تدخل الشياطين التي تركض في الشوارع!!! وفي فيديو آخر تقول: حرام أن تلبس الطفلةُ الشورت أمام والدتها، لئلا تثير الغرائز!!! وتقول في فيديو آخر: "مفيش حاجة اسمها دين مسيحي"! وغيرها من عجائب حشت بها عقول أطفال صغار ليسوا إلا قطعًا نقية من الإسفنج تستقبل كل ما يُقال لها بعفوية وبراءة.
شكرًا للمحامية المرموقة الأستاذة "نهاد أبو القمصان" على تقديم بلاغ للنائب العام المستشار الجليل "محمد شوقي" ضد هذه السيدة، التي ارتكبت جرائم في حق الطفولة وأهانت جميع الأمهات باتهامهن بالشذوذ والتحرّش بأطفالهن!!! واعتبروا ما سبق مليون علامة تجب لا ثلاثًا.
الشاهدُ أن حشوَ رؤوس الصغار بحكايا العفاريت التي تركضُ في البيوت لتتصيّد الأطفال، من شأنه أن يملأ قلوبهم بالذعر، ويخلق أجيالا مرتعبة هشة. وحشو رؤوس البنات الصغيرات بأن أمهاتهن سوف يتحرشن بهن في بيوتهن، يجعل الطفلة تفقد الثقة في العالم بأسره بما في ذلك أقرب الناس إليها!!!! وحشو رؤوس الصغار بأن زملائهم وجيرانهم المسيحيين لا دين لهم، من شأنه أن يخلق حوائط الفُرقة والبغضاء والشتات بين الصغار، ويجهّز أجيالا صاعدة من المتطرفين وربما الإرهابيين لو توافرت لهم الفرصة. تلك جرائمُ حقيقيةٌ في حق الطفولة وفي حق الوطن وفي حق الإنسانية جمعاء. جرائمُ نفسية وأخلاقية من شأنها أن تخلق أجيالا كارهة مهزوزة جبانة لا تقوى على مواجهة الحياة، وإن واجهتها فبسلاح الكراهية والعنف.
في يوليو 2022، سرّب أحدهم فيديو مروّعًا لفتاة في السابعة عشر من عمرها، متكورة على الأرض مُكبّلة من رُسغيها وقدميها بالحبال السميكة، تنظرُ برعب وهلع إلى عيني رجل ضخم يضربها بعصا غليظة ضربًا مبرحًا! الصبيةُ تصرخ وتستغيثُ وتتوجع مع إيقاع طرق العصا على جسدها، وتتدحرج مثل كرةٍ في يد مجنون، فيجذبُها الرجلُ من شعرها لتعتدل في جلستها، لكي يُكمل طقس التعذيب، فتنظر الصبيةُ إلى عيني جلادها متوسّلةً أن يكفّ لحظةً حتى تلتقط أنفاسَها، ولكنه يُكملُ الطقس الدموي على النحو الأبشع. وعلمنا من مفردات البوست أن تلك الفتاة التعسة يتناوب على تعذيبها شقيقها وزوج شقيقتها بإيعاز من أمّها وخالها!! رصدت أجهزةُ الداخلية فيديو التعذيب واستطاعت تحديد المكان، وألقتِ الشرطةُ القبضَ على الوحوش الآدمية، وتم تحوليهم إلى النيابة والتحقيق معهم. وباحت الفتاةُ بجميع ما خضعت له في حفلات التعذيب من تكميم فم وتكبيل أطراف وجلد بالسياط وقرع بالعصا وركل بالأقدام، فضلا عن السباب والإهانة؛ وهو ما وثّقته مقاطعُ الفيديو التي صورتها شقيقتُها للإمعان في إذلال شقيقتها المستضعفة!! ورُفع الأمرُ للنائب العام وقتها المستشار الجليل "حمادة الصاوي"، وجيئ بالفتاة ومعذّبيها، وبقية السيناريو معروفٌ، فقد تنازلت الفتاة عن الدعوى! لكن النائب العام المحترم رفض التنازل عن حق المجتمع في القصاص من المجرمين الذين تجردوا من كل قيم الإنسانية. وأودعت الفتاة إحدى دور الرعاية لتلقي ما تحتاج إليه من حب يُضمد جروحَها الجسدية والروحية ويرأب صدوع نفسيتها المهشمة، وأمرت بحبس الخال والشقيق وزوج الشقيقة على ذمة التحقيق، حتى يكونوا عبرة لغيرهم من الآباء والأمهات والأشقاء الذين لا يستحقون شرف الأبوة والأمومة والأخوة، ولا الإنسانية.
ـــ
ومن نُثارِ خواطري:
***
(زهرة)

الطفلةُ
التي مرّت من أمامنا
وابتسمتْ
لم أجد زهرةً
مشبوكةً في شَعري
لأهديها لها
فأخرج “عمر” من جيبه
فرشاةَ ألوان
ورسم زهرةً
على ورقة
شبكناها في ضفيرتها.