محمود العلايلي إليك (سنبلةَ) القمح


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 8041 - 2024 / 7 / 17 - 11:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كيف يحقُّ لك أن تمضي قبل أن أوقّعَ لك نسخةً من كتابي: "حوار مع صديقي المتطرِّف" الذي اقنعتني بضرورة إعادة طباعته من جديد تحت عنوان: "محاكمةُ القمح"، عسانا نساهمُ في تنبيه النشء الصغير لخطر "جماعة الإخوان" الذي عشناه نحنُ، ولم يعشه الصغار؟! كيف ترحلُ قبل أن ترى الكتابَ الذي قلتَ إنه جرسَ إنذار للأجيال الجديدة لئلا تقعَ في شَرَك الجماعة الإرهابية التي تكيد للوطن منذ عام ١٩٢٨ ومازالت، ولا تزالُ، ولن تزالَ؟! كتابي، الذي تدورُ صفحاتُه الآن في المطابع، يعودُ إليكَ فضلُ ميلاده الجديد. فأنت مَن قرأ الكتابَ وقت صدوره قبل ثمان سنوات وتحمّس له، وأنت مَن ناقشه في "صالون علمانيون" في أبريل الماضي مع الصديق "أحمد سامر"، وأنت مَن تكلّم عن أهمية طباعته مُجددًا، واقترح دارَ النشر، وأنت مَن عطّل نفسَه عن أعماله في أحد صباحات مايو الماضي ليلتقي بي في "مكتبة مدبولي" بوسط البلد، لنقدّم نسخةً من الكتاب للصديق "محمود مدبولي" ويشرح له أهميته وضرورة طباعته، وأنت مَن وعدتُه بتوقيع أولى نسخه له. لهذا، فـ عِوضًا عن توقيع إهداءٍ عابرٍ مكتوبٍ بخط اليد على صفحة الكتاب الأولى بالقلم الحبر، سيكونُ الإهداءُ مطبوعًا في صدره كجزءٍ أصيل مِن مَتنِه. ومثلما أهديتُ الكتابَ في طبعته الأولى عام ٢٠١٦ إلى: "مُحيي الدّين بن عربي، وغاندي، وجبران، وجلال الدين الرومي، وغيرهم من رُسُل السّلام والمحبّة"، وكذلك إلى ابني "عمر": "عساه يعيشُ في مجتمع عادل خيّر، يليقُ بجماله ونقائه"، أهديه اليومَ إلى روحك الوطنية المثقفة أيها الصديق النبيل: الدكتور "محمود العلايلي" الذي غدَرَنا وغادرنا مبكرًا جدًّا، وسط دعائنا وتضرّعنا إلى لله أن ينقذك من الزائر الخبيث المباغت الذي اختطفكَ من بين أيدينا في وقت جَدّ قصير، قبل أن نفهمَ ما يحدثُ أو نتمكنَ من زيارتكَ ووداعك، وقبل أن توقّعَ لنا روايتَك الجديدة عن “دار مدبولي”: "عزرائيل وطقوسُ الدماء الذهبية" التي تنبأتَ فيها برحيلك المفاجئ، فكتبتَ على غلافها الخلفي: “من أيام وأسابيع، كان الموت بيطاردني، كنت خايف أموت، دلوقت بقيت خايف أعيش، هو فاكر إنه هو اللي بيحقق العدل في الدنيا، واللا تكون إنت اللي فاكر كده!! ... إحنا بقينا نتكلم عن الموت أكثر ما بنتكلم عن الشغل والأكل والعيال. أنا كنت فاكر إن عزرائيل شغلته يقبض الأرواح بس، لكن طلع إنه ممكن يدمر حياة الناس وهما عايشين.”
العزيز د. "محمود العلايلي"... سوف نفتقدك صديقًا راقيًا ابن أصول لا مثيل له، ووطنيًّا فاعلا ساندَ وطنَه في جميع الأزمات التي مرَّ بها، وناشطًا سياسيًّا لامعًا له رؤيةٌ محترمة في الاقتصاد وعلوم الوطن، ومناضلا تنويريًّا واعيًا راقيًا، وقلمًا رفيعًا جسورًا عزَّ نظيرُه. سوف تفتقدكَ أسرةُ جريدة "المصري اليوم" التي ترافقت أقلامُنا على صفحاتها سنواتٍ طوالاً، وسوف يفتقدك قراؤك وجمهورك أديبًا جميلا وكاتبًا صحفيًّا مهمًّا، مثلما يفتقدك مرضاك طبيبًا جادًّا خففت آلامهم بعلمك وقلبك. أما زوجتك الجميلة "نانسي"، وأسرتك وذووك، فهنا يتوقف القلمُ عاجزًا عن خطِّ كلمات مواساة وعزاء... فأنا أعلمُ هولَ الصدمة وحجمَ الوجع الذي يعيشونه اليوم، ولا كاشفَ له إلا اللُه الرحمنُ الرحيم. اللهم أحسنْ عزاءهم وطيِّبْ قلوبَهم بـ بَرَدِ الصبر الجميل والاحتساب. ولا نقولُ إلا ما علّمنا اللهُ أن نقول: “يا أيتها النفسُ المطمئنة إرجعي إلى ربّك راضيةً مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.”

***
ومن نُثار خواطري:
***
(اختطاف)

هذا الشاهدُ الباردُ
فوق ضريحكَ
ما كان ينبغي له
أن يكونَ رُخامًا
باردًا
مادام كان بوسعِه
أن يغدوَ
كلمةً في كتابك الجديد
أو قبسَ نورٍ
يضيئ مكتبك
في ليلةٍ معتمة
قررتَ فيها أن تخطَّ
مانيفستو
تحرير الوطن
...
هذا الزائرُ اللصُّ
الذي اختطفك منّا
ما كان له أن يكونَ ما كان
إذْ كان بوسعه أن يكون
ريشةً
في جناح طائر
يحملُ
علمَ بلادي.