المُلحد … الشيطان!!
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن
-
العدد: 8174 - 2024 / 11 / 27 - 11:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وقف "روميو" تحت بلكونة "جولييت"، فسمعها تتساءلُ في حسرة : (لماذا اسمُك "روميو مونتيجيو"؟! ولماذا اسمي "جولييت كابيوليت"؟!) هي تظنُّ أن الأسماء مجرد كلمات، لو تبدّلت لاكتملت قصة حبهما وكُلّلت بالزواج. لكن أسماء العائلات تحول دون ذلك الحلم بسبب العداء التاريخي بين العائلتين. (يا روميو، تخلَّ عن اسمك، أو دعني أتخلى عن اسمي. اسمُك عدوّي. وأنت هو أنت لو لم يكن هذا اسمك. الاسمُ ليس يدًا ولا قدمًا، ولا ذراعًا ولا وجهًا. فكن بأي اسم آخر. الزهرةُ سوف يظلُّ شذاها حلوًا لو كان لها أي اسم آخر. كذلك "روميو" سوف يظلُّ الإنسانَ الفائقَ لو كان له أي اسم آخر. انزع عنك اسمك وفي مقابل هذا الشيء القشريّ، خذني كُلّي)…
تذكّرتُ هذا الحوار الـشكسبيري الخالد من مسرحية "روميو وجولييت" حين قرأتُ خبرًا يقول "إن اللجنة المشكّلة لإبداء الرأي في فيلم "الملحد"، قد طالبت بتغيير اسمه شرطًا لإجازته!!!!! وخذ عندك مليون علامة تعجب!!!!!
ما رأيكم في اسم "المؤمن" بدلا من "الملحد"؟ هل يُجاز؟ طبعًا يُجاز ويا مليون مرحبا! طيب ما رأيكم في اسم "الشيطان"؟ هل يُجاز؟ وقبل أن تتسرع عزيزي القارئ في الإجابة بـ"لا"، دعني أُذكّرك بأن أفلامًا لا حصر لها مُجازة، يحمل عنوانها كلمة "الشيطان"، منها على سبيل المثال لا الحصر: “الشيطان"/ مصري ١٩٦٩، “الشيطان الرجيم”/ تركي ٢٠١٣، “الشيطان الصغير”/ مصري ١٩٦٣، “محامي الشيطان”/ أمريكي ١٩٩٧، "شيطان الصحراء"/ مصري ١٩٥٤، الشيطان امرأة"/ مصري ١٩٧٢، "ملاك وشيطان"/ مصري ١٩٦٠، “الشيطان يعظ”/ مصري ١٩٧٠، "جنة الشياطين"/ مصري ١٩٩٩، "في حضرة الشيطان”/ ألماني ٢٠١٩، "شيطان الجنة"/ أندونيسي ٢٠١١، "شيطان في الجوار"/ أسباني ١٩٩٥….. والقائمة لا تنتهي. - ها يا فندم…. هل يُجاز الفيلمُ لو جعلنا اسمَه "الشيطان بدلا من “الملحد"؟ - نعم، يُجاز، لا بأس. - يُجاز ولا بأس؟!! الاثنين سوا؟!!! كيف هذا؟! إذا كان "الشيطان" هو الذي يُغوي "الملحدَ" حتى يُلحدَ! هل تجيزون "المجرمَ"، وترفضون "الضحية"؟!!! هل تمجدون "القاتل" وتجلدون "القتيل"؟!!! ما أعجبكم! وما أضيعنا معكم!
تخيلوا معي فيلمًا يناقشُ ظاهرة "الإدمان"، عافانا اللهُ وإياكم. وطبيعي يكون عنوانه: “المدمن". وتخيلوا معي أن لجنةَ المشاهدة تعسّفت ورفضت اسم الفيلم، وأصرت على تغييره، وتم الاتفاق على اسم أنيق مهذب ابن ناس، وليكن: “لاعب الكرة". على أساس أن نقيض "المدمن" الوِحِش، هو "لاعب الكرة" الرياضي الجميل. هل سيدخله أحد؟ هل سيدخل الفيلمَ الشابُّ المدمن الذي يحاول أن ينجو ونحاول نحن إنقاذه، وهو المستهدف الأصلي من هذا الفيلم الذي يناقش كارثة مجتمعية خطيرة، علينا مواجهتها ككارثة "الإدمان"؟!!! اسم الفيلم "الصادم" هو وحده مفتاحُ جذب الفئة المستهدَفة. وتغيير هذا الاسم من شأنه أن يُفوّت الفرصة على متعافين محتملين قد يساعدهم الفيلم.
الشيء نفسه تفعلونه الآن مع فيلم "الملحد" الذي يناقش ظاهرة مجتمعية نغض الطرف عنها بالتعمية والإخفاء والتورية والطناش والاستعباط. الفيلم يود تفكيك ظاهرة "الإلحاد" وتشريح أوصالها وتتبع أسبابها من أجل مواجهتها ودراستها والوقوف على حل لها. ولا سبيل إلى كل ذلك إلا بالمواجهة لا بالمواربة. بالعنوان الصريح الصادم للفيلم، حتى يدخله المشاهدُ "الملحد"، وهو المستهدف من الدراما. لماذا وكيف ترتعبون من أسماء الأشياء ولا ترتعبون من جسد الأشياء؟!!! ما أعجبكم! تغضّون الطرفَ عن المشكلة حتى تتفاقم وتغدو ظاهرة، وبدلا من محاولة تفكيك أسبابها، وتكريم من يتطوع بتشريحها وتفكيكها نيابة عنكم، تقومون بجلده وبهدلته وتمزيق إبداعه ومصادرة فكره وهدم محاولاته!!!! وبعد جهد جهيد إذا أجزتم، تقصون وتلصقون وتغيرون الاسم وتطمسون الهوية؛ حتى يفقد العمل مغزاه؟!!!! ألا حنانيكم…. ألا حنانيكم!!!! أنتم غيرُ باكين على شبابنا، أنتم باكون على مناصبكم ومقاعدكم، وفقط.
ارفعوا أياديكم عن الإبداع، فهو أقدر منكم على حل مشاكل شبابنا. مادمتم غير قادرين على الإبداع، اتركوا المبدعين يبدعون بعيدًا عن سيوفكم الطولى التي لا تجيد الإشارة إلى العطب، فضلا عن معالجته، لكنها فقط تجيد قطع الألسن وتمزيق أوراق المفكرين والأدباء، وهذا إثمٌ لو تعلمون عظيم.
هل يجرح مشاعركم فيلمٌ بعنوان "الملحد"، ولم تجرح مشاعرَ البشرية بأسرها رواية "فيكتور هيجو" "البؤساء"؟! رغم أن وجود "بؤساء" بين البشر هو إهانة لجميع البشر، الذين تركوا أشقاء لهم يعاينون البؤس والفقر حتى يتحولوا إلى لصوص من فرط الجوع والعوز. لو كان الفيلم بعنوان "اللص"، فلا مشكلة لديكم، بما أنكم لا ترفضون وجود لصوص بيننا! ولو كان الفيلم بعنوان "الجائع"، "الحافية"، "المتسول"، فلا بأس؛ إذ أهلا بالجوعى والحُفاة والمعوزين!!!! لكن مأساتكم مع اسم "الملحد"، في فيلم يحاول تفكيك سبب إلحاده!!!!! ارفعوا رؤوسكم من الرمالِ، فقد اشتكت الرمالُ.
***