ماكبث… إلكترا … رؤى حداثية مدهشة


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 8062 - 2024 / 8 / 7 - 11:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

Facebook: @NaootOfficial

هذا منجمُ الكنوز السنوي الذي ننتظره من العام للعام حتى ننهلَ من جواهره وأحجاره الكريمة حدَّ الارتواء من الجمال. هذا موعدُنا مع "المهرجان القومي للمسرح المصري" في دورته ١٧ التي رفعت اسمَ سيدة المسرح "سميحة أيوب" وصورتَها درّةَ عقدها الخالد. تفتحُ المسارحُ أبوابَها للجماهير التوّاقة للفن الرفيع، ليشهدوا على عظمة المسرح المصري العريق، أصالةً ومُعاصرةً وحداثةً، بل واستشرافًا للمستقبل بكل ما يحملُ من مفاجآتٍ وعجائبَ ومجهول. القومي، الطليعة، ميامي، السلام، مركز الإبداع، الهناجر، الغد، البالون، السامر، العائم، الهوسابير، العرائس، نهاد صليحة، المعهد العالي للفنون المسرحية، وغيرها من مسارحنا العريقة التي لا تُسدل ستائرُها كلَّ ليلة على عرض، إلا لتُفتَح من جديد على عرض آخر، حتى ليتمنى المرءُ أن يغدو اليومُ ألف ساعةٍ لئلا يفوته عرضٌ من عروض المهرجان على خشبات المسارح، أو ندوةٌ من ندواته القيمة في قاعات المجلس الأعلى للثقافة. شكرًا للفنان المحترم "محمد رياض"، مدير المهرجان، على كل هذا الثراء وهذه التنويعة الحاشدة.
شاهدتُ حتى الآن ما يلي:
“ماكبث المصنع":
من روائع المسرح الجامعي، قدمته "جامعة القاهرة" على "مسرح الهناجر" من إخراج "محمود الحسيني" طبيب الأسنان الموهوب. وهو استلهامٌ حداثيٌّ لرائعة "شكسبير" الشهيرة "ماكبث" ولكن برؤية حداثية تستبقُ المستقبلَ القادم. فصار "ماكبث" الوزيرُ الطامحُ في اعتلاء العرش، موظفًا في مصنع جَدّه، وصار الملكُ المغدور، العمَّ والوريثَ الشرعي للمصنع، وصارتِ العرافاتُ اللواتي يخبرن "ماكبث" بأن طموحه الزائد سوف يدفعه للقتل والهلاك، مساعدةً ديجيتالية مثل "أليكسا" و"سيري" في هواتفنا، وصارت "ليدي ماكبث" التي تندم على تحريض زوجها على قتل الملك، زوجةَ الموظف حفيدِ صاحب المصنع، يمزقُها الندمُ حتى تفقد عقلها، بينما يستمرُّ زوجُها في غِيّه حتى هلاكه. عبقرية المسرحية تجلّت في الإخراج الرفيع واللعب بالإضاءة واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي AI باحترافية مدهشة. وكذلك الأداء الفائق للواعدة "يمنى فتحي"، و"محمد طاهر" و"زياد محمد"، وجميع صنّاع العرض الجميل، وكذلك الأداء الصوتي المبهر للمساعدة الإلكترونية بلغتها العربية الرصينة الخالية من أي لحنٍ أو عِوج.
“مرايا إلكترا":
يقدمها مسرحُ الشباب على "المسرح العائم"، من تأليف "متولي حامد"، وإخراج ورسم حركي "أيمن مصطفى". عرضٌ مدهشٌ آخر، استخدمت فيه تقنيات مسرحية حداثية لتقديم الأسطورة الإغريقية الشهيرة على نحو حداثي نبيل. “إلكترا" الفتاة المكلومة بمصرع أبيها الملك "أجاممنون"، والتوّاقة للانتقام من قاتليه، فتعدُّ الأيام والشهور والسنين حتى عودة شقيقها الصغير من بعثته التعليمية لكي يحمل سيفَه وينحر رقاب القتلة، وهي الأم الخائنة وحبيبها. لكن الشقيق يعود محملا بأفكار حضارية تدعو للبناء لا الهدم، والغفران لا الانتقام، فيواجه شقيقته التي انشطرت إلى شخصياتٍ ثلاث: الحاقدة التواقة للانتقام، الرومانسية التواقة للحب، الحنون التواقة للأمومة والغفران، وينشأ الصراعُ المدهش المكتوبُ بلغة رفيعة، وأغان ماسّة، ورقصات شديدة التعبير بين الغربان يمثلون قوى الشر والانتقام، والطيور المغردة التي تجنح نحو الجمال والبراءة. البطولة لكل من "حسام الجندي" و "ريهام سالم" ومجموعة واعدة من الشباب الموهوب.
“النقطة العامية":
قدمه "مسرح الغد" من إخراج المبدع "أحمد فؤاد"، وهو استلهام مدهش من مسرحية "العطل"، أو "العطب" للكاتب السويسري "فريدريك دورينمات". وهو بحق عرضٌ فائقُ الجمال إخراجًا وتمثيلا واكتمالا بطولة “نور محمود”، "أحمد عثمان"، "أحمد السلكاوي"، حسام فياض" عن ثلاثة من رجال القانون المتقاعدين: قاضٍ، وممثل إدعاء، ومحام، عزفوا عن ساحات القضاء لعجزهم عن تحقيق "العدالة" بمواد "القانون" حين تغيبُ الأدلةُ داخل نفوس الخُطاة. انتبذوا العالمَ إلى مكان ناءٍ، وراحوا يطبقون العدالة على طريقتهم بإخضاع الأشرار لمحاكمات خاصة وفق قانون "الأخلاق". وسبق وكتبتُ عن هذا العرض المدهش مقالا مطولا بجريدة "المصري اليوم" بعنوان "النقطة العميا.. المسرح في تمامه" بتاريخ ١٩ فبراير الماضي.
“الأرتيست":
قدمها مسرح "الهناجر" من تأليف وإخراج "محمد زكي"، عن سيدة الحارة الشعبية في الدراما المصرية: الجميلة "زينات صدقي"، في لحظة فارقة من حياتها حين هاتفها الرئيسُ لدعوتها للتكريم، والصراع المرير الذي خاضته من أجل ترتيب فستان لحضور الحفل في ظل ظرفها المادي الصعب بعدما انحسرت عنها الأضواء. خلال تلك اللحظة الزمنية الخاطفة نعيش معها فلاش باك لنتعرف على حياتها وصعوباتها منذ الطفولة وحتى الهِرم والانزواء. العرض بطولة "هايدي عبد الخالق"، "فاطمة عادل"، "إيهاب بكير"، "ياسمين عمر"، "أحمد الجوهري"، ومجموعة جميلة من الفنانين.
“العيال فهمت":
عرض عظيم يقدمه "المسرح الكوميدي" على خشبة مسرح ميامي" من إخراج الفنان المثقف "شادي سرور" بطولة النجوم: "رامي الطومباري"، "عبد المنعم رياض"، الجميلة "رنا سماحة" والكوميديانة الرائعة "رانيا النجار" ومجموعة مدهشة من البنات والشباب منهم الطفل الموهوب "علي شادي"، يمثلون أسرة الطيار الصارم الذي يربّى أطفاله بالحزم المفرط والقسوة والانعزال عن العالم، خوفًا عليهم بعد رحيل والدتهم، حتى تأتي المربيةُ المثقفة التي تنجح في استعادتهم من الضياع النفسي عن طريق الموسيقى. بالطبع قد اكتشفتَ عزيزي القارئ أن المسرحية مستلهمة من الرواية الخالدة "صوت الموسيقى"، وسوف أفرد مقالا مستقلا لهذا العرض المدهش. شكرًا للفن الرفيع ولجميع صنّاع المسرح في بلادي.

***