حلويات رمضان … دون سكّر… بالشهد المُصفّى (١)
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن
-
العدد: 8272 - 2025 / 3 / 5 - 11:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حلوياتُ رمضانَ الحقيقية ليست في القطائف والكنافة وغيرها من أطايب النِعَم التي تجلبُ لنا متعةَ المذاق، لكنها تُسرِّب لنا مع حلاوتها ارتفاع السكر في الدم، وزيادة نسبة الكوليسترول، وأمراض القلب، والسمنة وغيرها من المشكلات الصحية الخطيرة. دعوني أخبركم عن "حلويات رمضان الصحية" المصنوعة بالشهد وعسل النحل المصفّى، نتذوقها كلَّ عامٍ، فتملأ القلوبَ بالفرح، ولا تُسبب حلاوتُها إلا الصحة وراحة القلب وطول العمر.
"موائدُ المحبة"، التي تنظّمُها الكنائسُ في شهر رمضان المعظّم، لكي يُفطرَ عليها المسلمون من أبناء الحي. ننتظرُها من العام للعام لكي نُفطر مع أشقائنا المسيحيين مع أذان المغرب. فإن صادفَ رمضانُنا صيامَهم الكبير، كما في هذا العام، يقدمون لنا ما لذَّ وطاب من الطواجن واللحوم والدجاج، فيما يتناولون هم العدسَ والبقول وغيرهما من الطعام الصيامي، دون حتى أن يُشعرونا بصيامهم، لئلا نخجل من الأكل أمامهم. ذاك نوعٌ فاخرٌ من "حلويات رمضان الصحية"، والتي لن تجدها إلا في مصرَ الطيبة بشعبها الجميل. وبعد كسر الصيام على تمرة وشربة ماء، كما تنصُّ السنةُ النبوية المشرّفة، ينهضُ أحدُ رجال الدين من المسلمين المدعويين على الإفطار، لكي يؤذِّنَ لإقامة الصلاة، فينهضُ المسلمون ليقيموا صلاة المغرب، ثم العشاء، في الكنيسة. وذاك نوعٌ آخر من الحلوى الرمضانية الفاخرة، لا تُصنع إلا في مصر.
"علب التمر والماء والعصير"، يحملها الشبابُ في الشوارع وعلى النواصي قُبيل المغرب، يعترضون السياراتِ والمارّةَ لكي يكسر الصائمون بها صيامهم إذا ما فاجئهم أذانُ المغرب وهم خارج بيوتهم. سوف تكتشف أن معظم أولئك الشباب الجميل حاملي التمور من أبناء مصر المسيحيين، الذين يتطوعون لهذا العمل النبيل. ومنهم مَن توفدهم كنائسُهم لهذا الطقس الرمضاني كنوع من الخدمة الكنسية التي يمارسونها لخدمة المجتمع، وقد تجد مُلصقًا على كيس التمر مكتوبًا عليه: “كنيسة كذا تتمنى لكم صومًا مقبولا وإفطارًا شهيًّا". ذاك نوعٌ فاخرٌ من "حلويات رمضان الصحية"، لا يُنتج إلا بأيادٍ مصرية، يملأ القلوبَ بالصحة ويُعلي من مستوى السعادة في الدم.
“كنائسُ مصرَ" التي فتحت أبوابَها لطلاب الثانوية العامة من المسلمين للاستذكار على موائد مكتباتها وقت أزمة انقطاع التيار الكهربائي أثناء خطة تخفيف الأحمال. ذلك أيضًا نوعٌ فاخرٌ من الحلوى الصحية مكتوبٌ على غلافه: "صُنع في مصر".
المسيحيون الذين صنعوا من أجسادهم سياجًا بشريًّا ليحموا أشقاءهم المسلمين في أوقات إقامتهم الصلوات في ميادين مصر أثناء ثورتنا المجيدة، لحمايتهم من غدر الإخوان وأضرابهم. كان ذلك نوعًا من الحلوى الفاخرة بتوقيع: “شعب مصر العظيم.”
ما سبق كانت أنواعًا من الحلوى الفاخرة العامة والشهيرة التي تذوقتها جموعُ الشعب المصري معًا، في رمضان وفي غير رمضان. ولكن كلاًّ منّا يظلُّ لديه قصصٌ وحكاياتٌ لا حصر لها عن أنواع شتى من الحلوى تخصه وحده، لا يعرفُ مذاقَها غيرُه. دعوني أخبركم عن بعض حلواي الخاصة التي لا حصر لها.
“أماني غالي"، حلوى مصرية فاخرة تعيش في أستراليا منذ ثلاثين عامًا، وتعمل مديرة مدرسة في العاصمة الأسترالية سيدني. ورغم أن حضانتها تضم أطفالا من ١٨ جنسية مختلفة من الأجانب والعرب والمصريين، ممن يعتنقون عقائد مختلفة، إلا أنها تحرص كل عام في شهر رمضان، وهي مسيحية، على شراء زينة رمضان وتزيين أرجاء المدرسة والفصول، وإقامة إفطار رمضانيّ طوال الشهر الكريم. وتُحرص على تعليق يافطة تحمل عبارة: "رمضانَ … شهر الامتنان والفرح”. في عيد ميلادها يناير الماضي، سألتُها: (ماذا أجلبُ لك هديةً ؟) فأجابت فورًا: “نفسي في فانوس رمضان آخده معايا من مصر أضعه على مكتبي بأستراليا؛ لكي أتذكر جارتي وصديقة طفولتي المسلمة "رانيا"؛ التي كنتُ أحتفلُ معها برمضان قبل هجرتي من مصر.” واشتريتُ لها فانوسًا جميلا ينتظرها حين تزورُ مصرَ مع الربيع. نسيتُ أن أخبركم أنها لم تقرر زيارة مصر بعد غياب ثلاثة عقود، إلا حين قال لها "طفلي الكبير" "عمر": "تعالي مصر يا أماني!” وها أنا و"عمر" ننتظرُ "حلوانا" المغتربة لتنهل معنا من حلاوة مصر.
“د. أيمن فايز فرح"، طبيبُ الأسنان العبقري عِلمًا، والإنسانُ روحًا وخُلقًا، الذي أصلح أسنان ابني "عمر" وأجرى له جراحاتٍ معقدة في فكّه استغرقت عامين، دون لحظة ألم واحدة يشعر بها صغيري "المتوحّد". ثم رفض بعد كل هذا أن يتقاضى مقابل تعب يديه الممتد سنواتٍ. كانت ابتسامةُ "عمر" ونظرة الحب والامتنان في عيني صغيري تجاه طبيبه الطيب، هي الأتعاب الوحيدة التي يقبلها ذلك الطبيبُ الفارس، الذي هو قطعةٌ من الحلوى المصرية الفاخرة، عزَّ نظيرُها.
الخميس القادم، أقدّم لكم قطعًا أخرى من الحلوى، رزقني اللهُ بها.
***