عيد الميلاد المجيد … مِحرابٌ ومَذبح


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 8216 - 2025 / 1 / 8 - 11:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

منذ عشر سنواتٍ بالتمام والكمال في مثل هذا اليوم، ٦ يناير ٢٠١٥، بدأ عهدٌ جديد من التضامّ المجتمعي المنشود، وإعلاء قيم المواطَنة الرصينة، حين دخل رئيسُ الدولة المسلمُ كاتدرائيةَ وطنه الرسمية، في عشية عيد الميلاد المجيد، لكي يقدّم التهنئة لأبناء وطنه مسيحيي مصرَ، مُصافحًا رمزهم الروحي بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في سابقة تاريخية جسور، لم تحدث من قبل؛ لأسباب غير مفهومة. تلك الزيارة الجميلة كانت رمزًا ناصعًا لما يمكن أن نطلق عليه "الماقصد المواطنيّ”. فحين نزور، نحن المسلمين من الكتاب والمثقفين والفنانين والشخصيات العامة، أشقاءنا المسيحيين لتهنئتهم في أعيادهم، مثلما يهنئوننا في أعيادنا الإسلامية، فتلك واجباتٌ وحقوقٌ اجتماعية تُمليها علينا قيمُ الأخلاق والتحضر والذوق. لكن حين يفعلُ ذلك رأسُ الدولة، فإن الأمرَ يتحوّل إلى "ميثاق" يربطُ الحاكمَ بأبناء شعبه، لكي يفوّت الفرصة على المتنطعين الفاسدين؛ الذين يرومون "هدمَ المجتمع من داخله"؛ بغرس بذور الشتات والعنصرية والطائفية بين أبناء الوطن الواحد. لهذا فنحن نُثمِّن تلك الخطوة الجسور التي استنّها الرئيسُ المتحضّر "عبد الفتاح السيسي"، ومتى؟! في ذروة لحظات الإرهاب الأسود وموجة إحراق الكنائس واستهداف المسيحيين المسالمين، وجميع تلك الأفعال الخسيسة التي افتعلها الإخوانُ فور إسقاطهم عن عرش مصر. فكأنما خرج فارسٌ في عتمة الظلام الدامس، وتحت وطأة سُحب بارود الإرهاب الكثيفة، حاملا قنديل نور وتنوير يفتت به ظُلمة الليل وظلام الظالمين.
في ذلك اليوم التاريخي الذي لا يُنسى، ٦ يناير ٢٠١٥، كنتُ جالسة في الصفوف الأولى من الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، قبل نقل الاحتفال بعيد الميلاد إلى كاتدرائية "ميلاد المسيح" بالعاصمة الجديدة في الأعوام التالية. وقبل دخول الرئيس كنتُ أتحدث مع أصدقائي الجالسين إلى جواري من الشخصيات العامة وقلتُ لهم: “قلبي يحدثني بأن الرئيس سوف يأتي ليهنئ قداسة البابا تواضروس وأشقاءنا المسيحيين بالعيد!”، لكنهم قالوا: “مستحيل أن يفعل!”. وصدق حسدي وخاب حدسُهم. لهذا حينما شاهدنا صورته على شاشات الكنيسة الداخلية يهبط من سيارته، ظلتُ أهتفُ بفرح طفولي: “برافو يا سيسي! يحيا العدل!” ونبت في ذهني لحظتها مطلعُ قصيدة عنوانُها: “محرابٌ ومذبح" أهديتها لهذا القائد المثقف العادل، نشرتُها في جريدتي الغالية "المصري اليوم"، وأعيدُ نشرها اليومَ لكي أسجّل على التاريخ هدفًا حضاريًّا خالدًا، سيظلُّ سُنّة طيبة استنها رئيسٌ وطنيٌّ حرٌّ، لا يهابُ حناجرَ المتنطعين الزاعقة، لكنه يصيخ السمع لصوت الوطن الذي يرفعُ مِظلتَه على جميع أبنائه دون تمييز.

***
محرابٌ ومذبح
===
زهرةٌ أورقتْ في الأشجارِ اليابسة/
حينَ خرجَ الأميرُ من مِحرابِه/
حاملاً قرآنَه/
وقلبَه/
ليصعدَ إلى المذبحِ/
ويباركَ الطفلَ الجميلَ/
في مِزْوَدِ البَّركة/
ثم ينحني/
يرتّبُ هدايا الميلادِ/
تحتَ قدمي الصغيرِ الأقدس:
ذهبًا
ولُبانًا
ومُرًّا/
فتبتسمُ الأمُّ البتولُ/
وتمسحُ مصرُ/
على جبهةِ الأميرٍ هامسةً:
طوباكَ بين الرجالْ/
أيها الابنُ الطيبُ/
اجلسْ عن يميني/
واحملْ صولجانَ الحُكم/
وارْتَقِ عرشَ بيتي/
وارفعْ رايتي عاليةً بين النساءْ/
وعلّمِ الرعيةَ/
كيف يحتضنُ المحرابُ المذبحَ/
وكيف تتناغمُ المئذنةُ مع رنينِ الأجراسْ/
وارشدْ خُطاهم/
حتى يتبعوا النَجمَ/
الذي سيدّلُهم على الطريق/
إلى أرضِ أجدادِهم الصالحين/
بُناةِ الهرم./
فإذا ما وصلوا إلى ضفافِ النيلْ/
أوقَدوا الشموعَ في وهجِ الصبحِ/
حتى تدخلَ العصافيرُ عند المساءْ أعشاشَها/
بعدما تبذرُ القمحَ والشعيرَ والسوسنَ/
على أرضِ "طِيبةَ" كلِّها/
فلا ينامُ جائعٌ جائعًا/
ولا محرومٌ/
يبقى محرومًا/
ولا بردانٌ/
بردانًا ينامُ ليلتَه/
ولا حزينٌ/
يجنُّ الليلُ على عينيه/
دونما يدخلُ قلبَه الفرحُ.

***