-فرحًا مع الفرحين- … عيد قيامة مجيد
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن
-
العدد: 8325 - 2025 / 4 / 27 - 03:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
Facebook: @NaootOfficial
البيتُ الذي تسكنه المودةُ والرحمةُ ويتحابُّ سكّانُه، لا تعرفُ جدرانُه الشقاقَ ولا التصدّع، ويعيشُ مقاومًا التحدياتِ والنوازلَ. كذلك الأوطان. مستحيلٌ أن يتقوّى وطنٌ ويصمد في مواجهة العداءات الخارجية، فيما أبناؤه ليسوا على بساط التحاب والتواد واللطف في التعامل. قوةُ أي دولة، ليست وحسب في بسالة جيشها، بل كذلك في تماسك شعبها ووقوفه صفًّا واحدًا لا شقاق فيه ولا صدوع. ولهذا فأنا في غاية السعادة لأننا اليوم نعيش تلك اللحظة المشرقة التي طالما حلمتُ بها وكتبتُ عنها وناديتُ بها: أن نتحابَّ، نحن المصريين، ونتوادَّ رغم اختلاف عقائدنا، كما علّمتنا الأديانُ. كلما تعمّق المرءُ في دينه، وذاق حلاوةَ إيمانه، احترمَ عقائدَ الآخرين لأنه يعرف أنهم، مثله، يتذوقون حلاوة إيمانهم. هكذا الحكاية ببساطة. وللحقِّ كان للرئيس "عبد الفتاح السيسي" عظيمُ الفضل في هذه اللحظة الطيبة التي نعيشها الآن، حين دخل الكاتدرائية لتهنئة مسيحيي مصر في عيدهم في بواكير ولايته. وصارت سُنّة طيبة لم تنقطع في أي عام، وسوف تظلُّ هذه السنّة بإذن الله في مقبل الأيام. حين يؤمن الحاكمُ ويقرُّ بأن "الوطن للجميع" ويقف على "مسافة متساوية" من أبناء الوطن، ففي ذلك رسالةٌ ناصعة يتعلمها الشعب فتخفُّ حدّة التوترات الطائفية تدريجيًّا حتى تختفي، ويصفو وجهُ الوطن. وهذا ما كان حتى وصلنا إلى اللحظة الجميلة الراهنة، حيث احتشدت وسائلُ الإعلام والصحف والمواقع الإخبارية بتغطيات إعلامية من جميع كنائس مصر لقداسات عيد القيامة المجيد، الذي احتفل به أصدقاؤنا المسيحيون بالأمس وأفطروا بعد صيام دام ٥٥ يومًا. وفي هذا حدثت طرائفُ جميلةٌ لا حصر لها، منها سائق ميكروباص أدار كاسيت سيارته ليذيع القداس، وعلى التابلوه الأمامي مصحفٌ وسجادةُ صلاة، فسألوه: "هو أنت مسيحي؟" فأجاب: "لا أنا مسلم، بس ممكن يكون حد من الركاب مسيحي، فلازم يعيش لحظة فرحه بالعيد!” أرأيتم مستوى التحضر والرقي وسلامة الطوية؟! هذا رجل متحضر مهما كان مستوى تعليمه. فالتحضرُ هو السعة وعلو المدارك ونظافة القلب. ومن تعريفات الحضارة: “رقة التعامل مع الآخر". فتفرح إذا فرحوا، وتشاطرهم الأحزانَ إذا ألم بها مصابٌ. ومن آيات الإنجيل في التآزر والتضام: “فرحًا مع الفرحين، وبكاءً مع الباكين.” هكذا غدونا في مجتمعنا المصري والحمد لله. احتشدت صفحات المسلمين بالتهنئات لأشقائنا المسيحيين نبارك لهم ونفرح معهم. هل لم يعد نفرٌ ضعيف النفس من شوّاذ الآفاق الذين يجيدون تسميم الأرواح وجرح المشاعر؟! نعم بالتأكيد مازالوا هناك يمارسون هوايتهم الأثيرة في تعكير صفو مصر وتلبيد سمائها بغيوم الكراهية. لكنهم اليوم أخفتُ صوتًا لأن الشرفاء لهم بالمرصاد.
في أعياد أشقائنا المسيحيين أمامك خياران لا ثالث لهما، إما أن تكون لطيفًا وراقيًا فتهنئهم وتتمنى لهم عيدًا سعيدًا، أو أن تصمتَ الصمت الجميل. أما البديل الثالث فمرفوع وغير موجود وغير كريم، وهو أن تحاول قتل فرحتهم بعيدهم، وتُسمعهم ما لا تحب أن تسمع، وهذا السلوك الرخيص لم يعد مقبولا ولا مسموحًا به في مصرنا الراهنة.
فمصرُ وطنٌ نُسج بخيوط المسلم والمسيحي، وارتوت أرضُها بدماء المسلم والمسيحي في معارك البقاء والكرامة. فمثلما تجمعنا المحنُ والأحزان، كيف لا تجمعنا الأفراح والأعياد. فالعيد لا يكون عيدًا إلا حين يُضيء بيوتَ الجيران كما يُضيء بيتك.
تأملوا ماذا يفعل أشقاؤنا المسيحيون في رمضان وعيديْ الفطر والأضحى! تمتلئ صناديقُ رسائلنا بالتهنئات وتحتشد صفحاتهم بالمباركات. تلك الروح الطيبة، هي التي تبني الأوطان وتصونها، وهي التي ينبغي أن نقابلها بوفاء مماثل: أن نحتفل بعيد القيامة مع إخوتنا كما يحتفلون معنا بأعيادنا، وأن نُرسل لهم الزهور والتهاني، وننشر الفرح في شوارعنا وقلوبنا. المشاركة في أعياد الآخرين ليست خيانةً لما نؤمن به، بل هي تجسيدٌ لما أمرنا به إيمانُنا من احترام الإنسان، وإكرام الجار، وصون المحبة، ورد التحية بأحسن منها.
المحبةُ لا تسقط أبدًا، بل تنجح دائمًا في تشييد منازل الخير والسلام. في وطنٍ مثل مصر، حيث رُفع أذانُ الفجر مع قداس العيد في صباحات كثيرة من تاريخنا، وحيث ارتفع الهلالُ جوار الصليب على ضريح الشهيد، يصبح من الطبيعي أن نُعلي من قيمة المشاركة إيمانًا بأن الوطن لا يُبنى إلا بالمحبة والوحدة. ولهذا كان أول دروس القراءة ونحن صغار: “الاتحاد قوة".
عيد القيامة المجيد، فرصة لتجديد هذا العهد، وغرس بذرة أمل في أرض مصر التي ما عرف ترابُها الطائفيةَ إلا حين خان البعضُ ترابها. فلنفرح معًا، ونحمل شموع الأعياد علّنا نضيء عتمة هذا العالم.
شكرًا للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي غرس "بذرة ميلاد المواطَنة" ليلة "عيد الميلاد" يوم ٦ يناير ٢٠١٥، فصارت شجرةً أورقتْ وأشرقت ثمارُها مع الأيام. عيد قيامة مجيد وسعيد يا مصر.
***