-ماكرون-… -السيسي- وشعبُه… هذي مصرُ المشرقة


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 8311 - 2025 / 4 / 13 - 12:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

في ١٠ سبتمبر ٢٠١٣، كتبتُ في مجلة "٧ أيام" مقالا عنوانُه: “السيسي… الديجول المصري"، عقدتُ فيه مقارنةً بين الرمز الفرنسي "شارل ديجول" والرمز المصري "عبد الفتاح السيسي"، قلتُ فيه: (الفريقُ المناضلُ "عبد الفتاح السيسي" للمصريين، يشبه المناضلَ والرئيسَ الفرنسي "شارل ديجول" للفرنسيين. كلاهما رمزٌ لانتزاع الحرية من أنياب الفاشية. “ديجول" حرر الفرنسيين من فاشية الجيوش النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، فاعتبره الفرنسيون الأبَ الروحيّ للجمهورية الفرنسية الخامسة. و"السيسي" حرّر المصريين من فاشية منظمة الإخوان الإرهابية الدولية، فاعتبره المصريون الأبَ الروحي للجمهورية المصرية الثانية؛ بعدما استعاد الوطن من أنياب الإخوان في 3 يوليو، متحدّيًّا العالم بأسره. رفض "ديجول" الهدنةَ مع النازي الألماني الذي اجتاح فرنسا، مثلما رفض السيسي مداهنة الإخوان وأمريكا وإسرائيل وقطر وتركيا ودول أوروبية، وانتصر لوطنه ومواطنيه بجسارة فارسٍ يواجه أقوى دول العالم بقوة إيمانه بشعبه وجيشه؛ كأنما يتقوّى بمقولة الإمام علي بن أبي طالب: "لا تُزيدني كثرةُ الناس حولي عِزّة، ولا تَفَرُّقُهم عني زادني وَحشةً، لأني مُحقٌّ."
لكنّ الله تعالى أعزّ "الرئيس السيسي" بالحُسنيين": عزّةُ الحق، وعزّة كثرة الناس من حوله وحبهم له وإيمانهم برسالته الوطنية، مثلما رصدت الكاميراتُ أثناء تجواله مع ضيفنا الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" في أروقة "خان الخليلي"، وأزقّة مصر الشعبية، ومقاهيها، ومحطات المترو.
زيارةُ الرئيس الفرنسي لمصر لم تكن زيارة دبلوماسية عابرة تُسجَّل في دفاتر البرتوكول، بل لوحةٌ نابضةٌ بالحياة، ألوانُها مُنمنِماتُ "خان الخليلي"، وعطرها روائحُ البخور المصري، وروحُها عمقُ تاريخ مصر، وصوتُها هديرُ الحب الذي أفاضه المصريون لرئيسهم البطل وضيفه. أن يتجوّل "ماكرون" في قلب القاهرة الفاطمية، ويجلس في "مقهى الفيشاوي" العريق، حيث جلس "نجيب محفوظ" و"طه حسين" و"أم كلثوم"، و"صلاح جاهين"، و"توفيق الحكيم"، و"أحمد شوقي"، هو أمرٌ يتجاوزُ حدودَ "البروتوكول”، نحو رسالة للعالم تقول: “مصرُ آمنةٌ مستقرّةٌ، تفتحُ ذراعيها للعالم.” "خان الخليلي" ليس فقط وجهةً سياحية، بل رمزٌ حيّ للأحياء الشعبية شديدة الزحام، ما يجعلُ ارتيادَه دبلوماسيًّا، في علم الأمن "مُخاطرةً" من الطراز الرفيع. لكن الأمن المصريَّ المحترم نجح في إدارة المشهد بكفاءة فائقة دون التضييق على حياة الناس اليومية. أضف إلى ذلك: جامعة القاهرة، مدينة العريش، المتحف المصري الكبير، مترو الأنفاق؛ ما يعكس مستوى كفاءة الأجهزة الأمنية المصرية، ليس فقط في الحماية، بل في التوازن بين تأمين الشخصيات الرفيعة والحفاظ على صورة الدولة المتحضّرة.
في شوارع خان الخليلي، حيث تُجدلُ الحكاياتُ في نسيج من انعكاسات ضياء النحاس وشذى البخور، سار الرئيسان، بلا حراسة ثقيلة ولا مظاهر بروتوكولية حادّة، بل وسط شعب كريم يهتفُ بالترحاب ويُلوّح بالأعلام ويغنّي. هذه صورةُ مصر الحقيقية التي نعرفُها نحن المصريين حين نجولُ ونجوبُ الطرقات، خرجت من إطارها لتُعرض على شاشات العالم: هذه مصرُنا بلدُ الحضارة والحياة، بلدُ الأمن والحُسن والناس الطيبين.
ولم تقفِ الجولةُ عند حدود المقاهي والأسواق القديمة. بل زادها حياةً استقلال الرئيس الفرنسي رفقة نظيره المصري "مترو الأنفاق"، يشارك الناسَ يومَهم، يسمعُ وجيب قلوبهم، ويلمسُ واقعَهم. تلك الخطوةُ، وإن بدت رمزية، فإنها تساوي في قيمتها عشراتِ الخُطب والبيانات. إنها مصر التي تواجه التحديات، بوجهها الحقيقي؛ دون زينة أو تجمُّل، لأن "وجهها أجملُ من أن يُجمَّل”.
الرئيس "السيسي" لم يصطحب نظيره الفرنسي في جولة سياحية، بل أدخله قلبَ مصر وعمقَ شرايينها، وروحَ نبضها الشعبيّ. فليس أجملَ من أن يرى العالمُ، وجه مصرَ الحقيقي الذي نعرفه. وكلّما حاول المغرضون هباءً تشويهه، لا تزداد مصرُ إلا جمالا، ولا يزداد حاسدوها إلا خزيًا.
من اللحظات الآسرة في زيارة الرئيس الفرنسي لمصر تلك التي دوّى فيها صوتُ السوبرانو المصرية الساحرة "فرح الديباني"، في قلب الحيّ التاريخي، وسط المآذن وروائح العنبر، يصافح الأرواحَ قبل المسامع؛ كأنما نشيدٌ وطنيٌّ يهمسُ: مصرُ بلد الثقافة، تُخاطبُ الآخر بلغة الفن، تمامًا كما فعلت مصرُ قديمًا عبر جداريات المعابد ونوتات السلم الموسيقي الهيروغليفي. "السوبرانو" هو أعلى درجات الصوت البشري، وأصعبُها، تمامًا كمصر: عاليةٌ بطبعها، صعبةٌ عصيةٌ على النيْل منها.
هذه الزيارة الشعبية-التاريخية تُعدّ صفعةً ناعمة ولكن حاسمة لأبواق الهدم والافتراء، الذين اعتادوا تشويه صورة مصر عن جهلٍ أو عن غرض. جاءت زيارة "ماكرون"، وجولاته في الأحياء القديمة، ودفء استقبال الناس، لتُسكتَ تلك الأصوات المريضة، وتغسلَ الغبارَ عن مرآة الحقيقة.
الرسالةُ ناصعةٌ: "مصرُ لا تتجمّلُ، لأن جمالَها أصيلٌ مفطور، ولا ترتدي أقنعة، لأن وجهَها الشمسُ، ولا تهابُ سهامَ التزييف، لأنها ثابتة كأهراماتها. تحيا مصرُ، وطنًا يحتضن العالمَ بمحبة، وتحيا قيادتُها، وقائدُها الذي يعرف متى يفتحُ أبوابَها، ويقول للعالم: “أهلا بكم في دفء إشراقِنا.”