إشراقة -الأكسجين- في صالون -وسيم السيسي-
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن
-
العدد: 8190 - 2024 / 12 / 13 - 00:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
Facebook: @NaootOfficial
"الأكسجين" … مادةُ الحياة التي لولاها ما تنفّس كائنٌ حيٌّ، يتكون من "اتحاد" ذرّتي أكسجين "معًا"، لهذا يأخذ الصيغة O2. وأما "الماءُ"… أحدُ أسرار الحياة: "وجعلنا من الماء كلَّ شيء حيّ"؛ فيتكونُ من "اتحاد" ذرّتي هيدروجين مع ذرة "أكسجين" فينتج H2O. هذا "الاتحاد"، أو "الارتباط"، أو "الحُبُّ" بين الجزيئات والذرّات هو الذي يؤمّنُ لنا الحياة. وماذا يحدثُ حين تنفصمُ عُرى ذلك "الحب"؟ تنفصلُ ذرةُ أكسجين عن رفيقتها و"تشرد" وحدها O بدلا من O2! وكذلك الحالُ إن تخلّت ذرتا الهيدروجين عن ذرّة الأكسجين وتركتها تهيم على وجهها في براري الحياة “منبوذة شريدة”. ذرة الأكسجين المنبوذة تلك، ذات الإلكترون الوحيد، تتحول إلى كيان شرير مدمّر، نطلق عليه "شواردُ حرّة" وهي كيانات شريدة شرهةٌ خطرةٌ فوضويةٌ لا ضابط لها ولا رابط، ولا قانون يحكمها، يجنُّ جنونها بحثًا عن فريسة تخترقها طمعًا في مزاوجة إلكترونها الوحيد بإلكترون آخر، فتضربُ الخلايا وتدمر الأنسجة وتسبب كوارثَ وأمراضًا وسرطاناتٍ تغتالُ الحياة. إذن الحبُّ والارتباطُ والتعاون بين الجزيئات والعناصر يخلقُ الحياة، والنفور والانفصالُ والتباعد، يُكوّن "الشوارد" التي تغتالُ الحياة. تأملوا عبقرية الدلالة في كلمة "شوارد" التي يعودُ جذرُها إلى الفعل "شَرَدَ" من الشرود والتيه والانحراف عن الطريق القويم.
هكذا كان مدخل البروفيسور العظيم د. "وسيم السيسي" في صالونه الثقافي، الذي ينعقد في الجمعة الأخيرة من كل شهر في "مكتبة المعادي العامة"، ليُعلّمنا أن "الحُبّ" قانونُ الحياة، وطوقُ النجاة للبشرية، ليس فقط بين البشر، ولكنّه قانون عام ينسحبُ على الجزيئات والذرّات، بل والإلكترونات، التي ترفضُ الدوران في مداراتها وحيدةً، فتبحثُ عن صديق يؤنسُ وحدتها، وإلا تحوّلت إلى لصٍّ مخبول قاتل يسرقُ الحياة. وتلك الفلسفة الراقية التي يحاول الدكتور "وسيم السيسي" بثّها خلال رسالته التنويرية هي ذاتها "ثقافة الواو"، (أنا "و" أنت)، التي يتميز بها أبناءُ "الثقافة النهرية"، مثلنا نحن المصريين، حين نزرعُ الأرضَ، فنجتمع جميعًا لغرس البذور في حقل هذا، ثم ننتقلُ إلى حقل ذاك، وهكذا على طول ضفاف النهر. وفي مواسم الحصاد نكرّر رحلة "الارتباط والتعاون والحب". فتتكون الشخصيةُ الطيبة المتعاونة صانعة الحضارة. على عكس "الثقافة الصحراوية" التي تقول (أنا "أو" أنت)، لأن جفاف الأرض وغياب النهر يجعل رحلة البحث عن بئر الماء شاقةً. فإما أشربُ "أنا" وأسقي أسرتي ونباتي، "أو" "أنتَ" تفعل. تغيب "الواو" وتحلُّ محلّها الـ "أو"، فيغيبُ معها الحبُّ؛ وتطلُّ الأنانيةُ برأسها البغيض، وتتوالد الغلظة والقسوة. ولهذا فإن أحد تعريفات "الحضارة" هو: “رقّة التعامل مع الآخر". وبعدما تعرّفنا على حُنوّ O2 وشراسة O1 حدثنا د. "وسيم السيسي" عن عبقرية O3 "الأوزون" وهو المظلة الكونية الربانية التي منحها اللهُ لنا لتحمينا من الأشعة فوق البنفسجية، لكننا، نحن البشر، بصلفنا وجهالة تعاملنا مع الكون مزّقنا تلك المظلة الحامية؛ فانهالت علينا لعناتُ الطبيعة.
في كل صالون يقدّم لنا الدكتور "وسيم العقل" محاضرة فكرية قيّمة، كثيرًا ما تُستلهم من أدبيات حضارتنا المصرية القديمة وعلم "المصريات" الفريد، بالإضافة إلى محاضرة علمية، غالبًا ما تكون طبيّة، يستضيف لأجلها أحدَ زملائه الأطباء ليمنحنا قطوفًا من تخصصه الدقيق. وفي صالون سبتمبر قدّم لنا الدكتور "أشرف صبري"، بروفيسور أمراض العظام وطبّ الأعماق واستشاري العلاج بالأكسجين، محاضرة قيّمة عن توسّل الأكسجين المضغوط والنشط في علاج عشرات الأمراض مثل ضعف المناعة وانسداد الشرايين والجلطات الدماغية والروماتويد وضعف النظر والقدم السكري وغيرها من مختلف الأمراض، وكذلك في علاج فقدان الذاكرة وطيف التوحد، بل وفي عمليات التجميل وترقيع الجلد.
وتحدث الدكتور "وسيم السيسي" عن أكاذيب الأفروسنترك ومحاولاتهم اليائسة في سرقة التاريخ المصري، بإيعاز من القوى الاستعمارية المضللة، كما حذّر من الغزو الممنهج الذي يسرقُ مصرَ من المصريين. ثم قدّم لنا د. “أحمد سرحان" مخرج الأفلام الوثائقية، الأدلة التاريخية والعلمية التي تثبت أن المصريين القدامى هم مكتشفو الأمريكتين، قبل الإيطالي "كريستوفر كولمبس"، وهذا يفسّر لنا وجود أهرامات تشبه هرم زوسر في أمريكا اللاتينية، وغيرها من مفردات حضارتنا المصرية القديمة.
وكالعادة كانت مطربة الأوبرا الجميلة "زينب بركات" هي نسمةُ "الأكسجين" الحيّة في الصالون، تمسُّ قلوبنا بنغمات حنجرتها الأوركسترالية الشجية، فتمسح بأوتارها ما يعلق بقلوبنا من وخزات نصال الحياة. جزيل الشكر لمكتبة المعادي الجميلة التي تستضيف لنا إشراقة صالون "وسيم السيسي" الشهرية، شكرًا للجميلة "ضحى محبوب" مديرة المكتبة، والجميلة "أشنادل محمد حلمي الثاني"، الأمين العام لجمعية مصر للثقافة وتنمية المجتمع. والشكر دائمًا للعلامة المصري البروفيسور "وسيم السيسي" الذي يغمرنا بفيوض علمه وعشقه العبقري لمصر الغالية.
***