السير/ -مجدي يعقوب- … أوكتاڤُ الحياة1
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن
-
العدد: 8171 - 2024 / 11 / 24 - 11:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حريٌّ بالعالم أن يجعل يوم ١٦ نوفمبر عيدًا "للقلوب الُمتعبة” أو عيد “القلوب الطيبة”. لأن هذا اليوم يتزامن مع عيد ميلاد مُطبَِّب القلوب، مُطيّب الأفئدة، جابر الخواطر النبيل "مجدي يعقوب"، دون ألقاب؛ لأن اسمه وحده صار "لقبًا".
ومن قبيل المصادفات الطيبة أن يتفقَ عيدُ ميلاد هذا الرجل الرائع مع "اليوم العالمي للتسامح"، تلك تصاريفُ الأقدار الذكية، التي لا يمكن تفسيرها، لأن قوى عُليا ترتبها. هذا العظيم لن تراه في أية صورة إلا بمعطف العمليات الفيروزي. فهو لا يخرجُ من غرفة عمليات إلا ليدخلَ أخرى، ولا ينفضُ يدَه من ورقة بحثية إلا بدأ في غيرها. رجلٌ يقضي يومَه وليلَه يداوي ويُطبِّب ويبحثُ ويُطوِّر ويتعلّم ويُعلّم ويصنع كوادرَ جديدة تُنقِّبُ عن إكسير القلوب المُتعبة. يهربُ من الأضواء والشاشات والتكريمات لأنه يعتبرُ أن كل لحظة من عمره يمنحها لحوار تليفزيوني أو منصّة تكريم، مخصومةٌ من وقت عملية جراحية قد تُبرئ مريضًا. لهذا يعتبره المصريون، أبناءُ وطنه، بل كلّ إنسان في هذا العالم يعتبر هذا الرجل رمزًا للحب والسلام والأمل في غد أجمل مع قلب طيّبٍ مُطيَّب.
لهذا الرجل خفقةٌ في كلِّ قلبٍ، وصورةٌ معلّقةٌ على كل جدار. له مكانٌ في كلِّ منصّة علم في أرجاء العالم، وله مبضعُ جراحة على كلّ طاولة تُطيّبُ قلبٍ موجوع. له حلمٌ في صدر كلِّ إعلامي يودُّ استضافته في لقاء، وله ومضةُ عدسة في كلِّ كاميرا تلاحقه أينما حلَّ لترصدَ إنجازاته العلمية لصالح الإنسان. لكنه هاربٌ من الضوء، زاهدٌ في الحديث، عازفٌ عن الدروع والأوسمة. هو وحسب مشغولٌ بضبط إيقاع قلب طفل يكادُ يفارقُ الحياة قبل أن يدركها، أو قلب رجل تتضرّعُ أسرتُه إلى الله كي يعودَ إليها عائلُها الوحيد، أو قلب أمٍّ يبكي أطفالُها في انتظار عودتها إليهم.
هو المايسترو الذي منحه اللهُ عصا قادرةً على ضبط إيقاع القلوب على نغمة الحياة. تأتي إليه القلوبُ الكسيرةُ وقد شابَ إيقاعَ قلوبِها بعضُ نشاز، أفسدَ موسيقى الجسد، فيعيدُ المايسترو دوزنة الخفقِ، ليتّسقَ الهارموني مع أوكتاڤ الحياة. لا نلمحُ ضحكتَه إلا بين أطفال يتحلّقون حولَه يُمطرونه بالقُبلات والعناق لأنه طبَّب قلوبهم الموجوعة. ولا نلمحُ فرحتَه إلا لحظة خروجه من غرفة العمليات وقد أنقذ إنسانًا من الموت. فيما عدا هاتين اللحظتين، لا نلمحُ في ملامحه إلا الصمتَ والإطراق والعزوف عن الحديث. وفي مقابل هاتين اللحظتين في حياة "مجدي يعقوب"، هناك لحظتان أخريان في حياة مئات الآلاف من المرضى الذين دُوِّنت أسماؤهم في سجلات مشفاه الطبي. لحظتان فريدتان في عمر كلِّ مريض. الأولى: لحظةٌ تعسةٌ كسيرةٌ فاقدةٌ للأمل، مع دخول المركز بقلب عليل لا يكاد يقوى على الحياة، الثانية: لحظةُ فرحٍ وأمل وانطلاق مفعم بالحياة، مع الخروج من المركز بقلب سليم مُعاف يرسم لصاحبه غدًا مشرقًا حاشدًا بالعمل والحياة. ما بين اللحظتين الفارقتين في عُمر كل مريض، ثمّة عقلٌ يفكّر، وقلبٌ يحبُّ، ويدٌ تعمل، من أجل تحويل اللحظة الأولى إلى اللحظة الثانية. من أجل تحويل التعاسة إلى فرح، واليأس إلى أمل، والموت إلى حياة.
قائمة الانتظار الطويلة في مركز "مجدي يعقوب لعلاج أمراض القلب"، لا تعرفُ شيئًا اسمه: غنيّ أم فقير، مسلم أو مسيحي، ذو سلطان أو بسيط، إلى آخر تلك التصنيفات العبثية، كل ما تعرفه تلك القائمة، وترتَّب على أساسه أولوياتها، هو أن هناك قلبًا مريضًا يجب أن يُشفى. كلًّ اسم مريض يحملُ لقبَ:"إنسانٌ يستحقُّ الحياة"، دون وساطة، ودون مصالح، إلا صالح الخير والجمال. كل يوم حكايةٌ وحكاياتٌ مع أطفال يداويهم البروفيسور "مجدي يعقوب" الذي سافر من أسوان إلى القاهرة لينقذ حياة طفلة بائع شاي من بسطاء القاهرة، لم تستطع السفر لأسوان لتدهور حالتها. أجرى لها العملية مجانًا ودفع من جيبه تكاليف ما بعد العملية من متابعة وأدوية وأشعات وفحوص.
السير "مجدي يعقوب" معجزةُ مصرَ الطيبة، وأحد أهراماتها البشرية الشاهقة، أحدُ أكبر أساطين الطب في العالم، الذي أخبرته الملكة إليزابيث وهي تمنحه لقب "فارس Sir"، أنه "هدية مصر للعالم أجمع”. فطوبى لمصر بكَ، وطوبى للعالم بعلمك الرفيع وروحك النبيلة. وفي عيد ميلادك أقول لك: كل سنة وأنتَ في ملء الصحة والفرح مثلما تهب الصحة لأطفالنا المرضى بإذن الله، وتمنحُ الفرحَ لأمهاتهم وآبائهم.
وإليه أهدي هذه الكلمات:
النبيلُ في معطفه الفيروزي
مِبضعٌ حانٍ
بين أصابعه
وفوق هامته
إكليلُ غارٍ
لا تراه إلا القلوبُ المُتعبة
في عينيه شغفٌ
يفيضُ على بني الإنسان
وبين ضلوعه
قلبٌ صافٍ
لا يعرفُ
إلا أن يُحبَّ.
***