١٨٠ درجة … -لا تُهمِلِ الموهبةَ التي فيك-


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 8045 - 2024 / 7 / 21 - 02:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

١٨٠ درجة … "لا تُهمِلِ الموهبةَ التي فيك"
Facebook: @NaootOfficial

لعلَّ كثيرين لا يعرفون أن أول "حوار بين الأديان" في التاريخ كان على أرض مصر العريقة عام ١٢١٩، وتحديدًا في مدينة "دمياط". حين جاء القديس "فرنسيس الأسيزي" ليلتقي بالسلطان "الكامل الأيوبي"، في حوار ثقافي ثري ملؤه الودُّ والمحبة والرغبة الحقيقية في التواصل الإنساني والالتقاء على المطلق الأوحد في الكون وهو: "الله" الواحد، الذي يتوجّه إلى وجهه جميعُ البشر، كلٌّ عبر رؤيته وإيمانه. وكان الاتفاقُ بين القائدين، المسيحي والمسلم، على مبدأ احترام قيمة "الإنسان"، الذي هو أعظمُ هدايا الله للأرض، وأكملُ معجزاته. ومنذئذ بدأت الرهبنةُ الفرنسيسكانية في مصر والمجتمع العربي تجولُ تصنعُ خيرًا: تساعد الفقراء، وتشيّد البيوت، وتنشئ المدارس، وتساهم في بناء المجتمع وترقية أفراده. وسارت المدارس الكاثوليكيةُ وتحت مظلتها مدارسُ الرهبان الفرنسيسكان على ذلك النهج التربوي المحترم الذي لم يتبدل ولم يتراخ منذ ثمانية قرون وحتى اليوم، في الاهتمام الحاسم بغرس القيم الأخلاقية في النشء، إلى جوار التعليم الأكاديمي الرفيع، إلى جوار الكشف عن المواهب وتنمية الملكات الفردية لكل طالب، في مثلث متين لا تنفصم أضلاعُه: الأخلاق- التعليم- الفنون.
ونحن اليوم في مدينة "أسيوط” الجميلة، التي تحوّر اسمُها من كلمة: "سَوْت"، وتعني بالمصرية القديمة: “الحارس"؛ لأنها حارسةُ حدود مصر العليا: “الصعيد”، وكانت الصخرةَ المنيعة التي ساندت مدينة "طِيِبة" في نضالها الباسل ضد الهكسوس الغُزاة. بدعوة كريمة من راعي الفنون المصري الأب الفنان "بطرس دانيال"، سافرنا نحن الثلاثة: الفنانتان الجميلتان: “يسرا اللوزي" و"منال سلامة" وأنا، لحضور الحفل الختامي الرابع من مهرجان "١٨٠ درجة للقراءة والمواهب"، الذي دشّنه الأب "لوكاس حلمي" عام ٢٠١٧، واستكمل مسيرتَه الأب "مخلص مصري"، في محاولة جادّة لاستخراج لآلئ المواهب من قلوب الصغار وتشجيعهم على القراءة والتثقف وصناعة الجمال،. ولأن الإنسانَ يتبدّلُ حالُه (١٨٠) درجة بعدما يكتشفُ موهبته ويستثمرها، كان اسمُ المهرجان والمسابقة. قبل سبع سنوات، انطلقت مبادرة "تحدي القراءة" من مدارس الفرنسيسكان الخاصة بأسيوط، وتوجهت نحو جميع المدارس الإعدادية والثانوية وحتى الجامعة، مستهدفة النشء والشباب من عمر ١٢ سنة في المرحلة الإعدادية، وحتى ٢٥ سنة في مرحلة الجامعة. اشترك في العام الأول ٢٣ متسابقًا فقط من ثلاث مدارس. وفي العام الثاني توسعّت الفكرةُ لتغدو: “تحدي القراءة والمواهب" وزادت عدد المدارس المشاركة إلى سبع مدارس وتضاعف عدد الطلاب المشاركين. وفي العام الثالث تضاعف عددُ المدارس ووصل عدد المتسابقين إلى ١٨٠ طالبةً وطالبًا، ثم استأنف المهرجانُ الجميل مشوارَه الواعد مع نهاية العام الماضي في عامه الرابع، الذي شارك فيه ١٢ مدرسة و١٤٢ متسابقًا من الطلاب من مختلف المدارس الحكومية والخاصة، فاز من بينهم ٣٧ متسابقة ومتسابق، في حفل فنيّ حاشد جميل، كنتُ في شرف حضورة وتسليم الفائزين الجوائز ودروع التكريم وشيكات المكافآت، مع الجميلتين: “يسرا اللوزي" و "منال سلامة".
خلال الدورات الثلاث الماضية، شاركت في المهرجان، العديدُ من المدارس من بينها: (السلام- بدر- نوتردام ديزابوتر -منفلوط- الراهبات الفرنسيسكانيات- النصر بالقوصية – النهضة للبنات – المنشأة بالقوصية – النصر ببني محمديات – الوحدة الغربية – الشهيد محمد صلاح – درية الحسيني – الشهيد أحمد فايز) وغيرها، وحضر حفلاتِ الختام وقام بتسليم الجوائز ودروع التكريم للطلاب الفائزين نخبةٌ من رموز المجتمع المصري من المثقفين والفنانين مثل: نيلي كريم، آسر ياسين، نهال عنبر، شيرين، الإعلامي سليمان شفيق، وغيرهم.
وهذه "أسيوط" البهيَة، قلبُ مصرَ النابضُ بالثقافة والحياة والأثر الطيب، التي تضمُّ بين ثناياها عشراتِ المناطق السياحية الفرعونية والقبطية والإسلامية، أهمُّها "الدير المحرّق"، ودير درنكة، ومسجد "الفرغل" في أبو تيج، والمسجد الأموي وغيرها، عدا الآثار الفرعونية الخالدة. ولهذا كان لابد أن نختتم زيارتنا لأسيوط بزيارة بعض تلك الأماكن الأثرية الجميلة، ليتأكد إيمانُنا باستثنائية مصرَ حضاريًّا وأثريًّا وثقافيًّا من بين جميع دول العالم. شكرًا لكل مُربٍّ جليل ومعلم فاضل وقيادي تعليمي مثقف يؤمن بمواهب طلابه ويعمل على كشفها وتنميتها.
***
ومن نثار خواطري
***
(موسمُ العصافير)

ينشقُّ الصخرُ
فتنفتحُ نوافذُ صغيرةٌ
وشرفاتٌ
تُطِلُّ منها وجوهُ العصافير الوليدة
غدًا
ينمو الزغبُ
على الأجسادِ النحيلة
وتكبُرُ الزغبةُ
لتغدو ريشةً
وتهفو ريشةٌ
فوق ريشةٍ
ويشتدُّ عودُ العصافير
ثم تطيرُ
تملأ الدنيا شدوًا وموسيقى

الصخرُ يعرفُ
كيف يُخبّئُ هداياه
سنواتٍ طويلةً
وعقودًا
انتظارًا لموسم العصافير.


***