اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن
-
العدد: 8182 - 2024 / 12 / 5 - 00:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
Facebook: @NaootOfficial
٢٩ نوفمبر، "اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني"، كما أقرّته "الأمم المتحدة" عام ١٩٧٧. واختير هذا اليوم تحديدًا، للتذكير بقرار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة الذي صدر في نفس اليوم عام ١٩٤٧ القاضي بتقسيم أرض فلسطين إلى ٣ كيانات، بعد إنهاء الانتداب البريطاني، وهي: ١ دولة عربية على مساحة ١١ ألف كم٢، تضم: الخليل الغربي- عكا- الضفة الغربية- الساحل الجنوبي مع جزء من صحراء الشريط الحدودي مع مصر. ٢ دولة يهودية على مساحة ١٥ ألف كم٢، أي ما يقارب ٦٠٪ من أرض فلسطين، ويمثّل: السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، الجليل الشرقي، النقب. ٣ القدس الشريف وبيت لحم، وتركت وقتذاك تحت الوصاية الدولية. هكذا كان قرار خُطة التقسيم الذي صوّت لصالحه، ٢٣ صوتًا، في مقابل ١٣ صوتًا تمثّل الدول العربية والإسلامية الرافضة لتقسيم الأرض العربية ومعها بعض الدول الأخرى مثل الهند واليونان وكوبا. وكأنما يرفعُ الاحتلالُ الغربي يدَه عن فلسطين، لا لتتحرر كما بقية الدول، بل لتقع تحت قبضة الصهاينة! رغم أن اليهود وقتها في فلسطين كانوا ٣٣٪ فقط، يملكون وحسب ٧٪ من تراب فلسطين! وكما نعرف فلسفة بني صهيون في التوسع التدريجي، وتحققت مخاوفُ العرب من مخاطر التقسيم وفق ما صرّح به "بن جوريون" عن نيّته في محو التقسيم العربي-اليهودي والاستيلاء على فلسطين كاملة بعدما تقوى "شوكةُ اليهود"، واعتراض "مناحم بيجن" في بث إذاعي يوم ٣٠ نوفمبر ١٩٤٧ قائلا: إن "أرض المعاد/ الميعاد"، تشمل كاملَ فلسطين الانتدابية، وهي ملك خالص لليهود! وتوالى الزحفُ الإسرائيلي الذي لا يشبع شرهُه أبدًا، وتوالت الحروبُ التحررية، وتحول التغوّلُ الصهيوني والشراسة والعنف والاستيطان إلى أسلوب حياة وفلسفة لا تتغير؛ مهما تعالت صرخات المقهورين ومهما تنامت أصوات الشرفاء في العالم لكفّ المغتصب عن مطامعه، وجاوز، يا أخي، الظالمون المدى.
تلك كانت الخلفيةُ التاريخية التي من أجلها تنبهت الأمم المتحدة عام ١٩٧٧ لضرورة تدشين يومًا للتضامن مع الشعب الفلسطين يوم ٢٩ نوفمبر أطلقت عليه:International Day of Solidarity with the Palestinian People بعد تنامي العنف الإسرائيلي ضد الشعب الأعزل، حيث تُعقد الاجتماعات والندواتُ وتُعرض البيانات وتُقام المعارضُ والأنشطة الثقافية للتذكير بقضية فلسطين!! بينما الشعب الفلسطيني نفسه تحت القصف والتنكيل والترويع والظلام، وفلسطين الثكلى تفقد أبناءها، لا على مدار اليوم، بل على مدار الساعة!
هكذا تسيرُ الأمور في هذا العالم! وكأنما الجرح يتوقف عن النزف ٣٦٤ يومًا، ويصحو مع إشراق يوم ٢٩ نوفمبر من كل عام، الذي يأتي محمَّلًا بثقل الذاكرة، ليذكّر العالمَ، الذي ينسى، بواحدة من أعمق الجراح الإنسانية التي لا تلتئم بل تزداد تغوّلا وعمقًا يومًا بعد يوم. يأتي هذا اليوم لكي يُلقي علينا بعبء السؤال: "هل نقوى على تذوّق مرارة شعب اقتُلعت جذوره من أرضه؟" أنا، كمواطنة مصرية، لا أرى في هذا اليوم إحدى المناسبات في أجندة الأمم المتحدة، بل هي لحظة للتأمل وإعادة صياغة المفاهيم. لأن فلسطين ليست خريطة أو منطقة نزاع، بل هي مشهد حيّ يقول إن الوطن، أي وطن، حين يُغتصب، فلابد أن يترك ظلالًا ثقيلة الوطء على قلوب الأحرار والشرفاء في جميع أرجاء العالم.
في طفولتي في البيت، وفي حصص التاريخ بالمدرسة، تعلمت أشياء عن “القضية الفلسطينية” التي كانت فصلا ثابتًا في حياتنا؛ نحفظ أناشيد عن فلسطين، ونردد أغنيات "فيروز" عن القدس العربية، ونشهدُ على شاشات التليفزيون صورة شعب يرفض الاستسلام، فيحول الحجارة إلى أسلحة، ويفتح في جوف الظلام شقًّا نحو ضوء الحرية. كنّا نتأمل صورة طفلة فلسطينية تشاركنا طفولتنا، لكنها لا تلعبُ بالعرائس ولا تتأرجح على أرجوحة مثلنا، بل تقف أمام دبابة وكأنما تحمي الوطن بجسدها النحيل! وتعلّمنا مبكرًا أن التضامن ليس كلماتٍ ولا يومًا في رزنامة، بل مواقفُ. هنا أعلنُ الفخر بمصريتي التي لم تخذل فلسطين يومًا. مصرُ العظيمة التي دفعت طوال تاريخها الشطرَ الأكبر من فاتورة قضية فلسطين الباهظة. مصرُ، بثقلها التاريخي وموقعها الجغرافي، كانت دائمًا الشريك الأهم في هذا النضال التاريخي، ليس وحسب خلال الحروب التي خاضتها وقدمت فيها شهداء لا حصر لهم من بنيها، بل كذلك خلال دعم القضية سياسيًا، ورفضها تهجير الفلسطينيين لئلا يُفرّغ الوطنُ من بنيه، فتسقطُ القضية من حالق، وتموت.
٢٩ نوفمبر ليس يومًا، بل دعوة للعالم أن يقف أمام مرآة الضمير، ليتأمل حال أطفال وُلدوا في مخيمات اللاجئين ولم يروا وطنهم أبدًا، عائلات تهدمت بيوتُها، ومدارسُ احترقت أمام عيون تلاميذها. التضامن مع فلسطين يعني التضامن مع العدل، والحق، والكرامة الإنسانية. واختبار حقيقي لإنسانيتنا جميعًا.
***