بخصوص مفهوم -الدِّين-
نايف سلوم
الحوار المتمدن
-
العدد: 7750 - 2023 / 9 / 30 - 22:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أما وقد سألت أيها الصديق السعيد عن فهمنا لكلمة "الدين" فأقول: سأستعرض أولاً المقتطف موضع التساؤل والنقد، ثم نتابع كلامنا عن "الدِّين".
جاء في المقتطف: "تتمتع العلاقة الكونية للمثقف ببعد روحاني كثيرًا ما نلقاه لدى ملحد وصل إلى الإلحاد عن تعمُّق، بينما يفتقر إليه رجل الدين، الذي يتهمه المَعرّي بالخضوع لحاجات الجسد. وقد وقفت "اللزوميات" عند هواجس رجال الدين فأنكرت أن يكون فيها هاجس روحاني، وقارنت بين سلوك رجل الدين وسلوك الحاكم والتاجر فأنكرت أن يكون بينهما فرق، ولذلك لم تعترف لرجال الدين بموقع خارج عمليات التبادل السياسي والتجاري، وبادعاءاته هذه تنقلب معادلة عاش عليها الناس منذ وجد الدين، يصبح فيها الملحد روحانيًا والمؤمن حسيًا، وللبرهنة عليها قدم نفسه للناس ليبرهن كيف يعيش هو وكيف يعيش المؤمنين، وأنا من جهتي (هادي العلوي) مقتنع ببرهانه، وأزيد عليه أنه ليس الشاهد الوحيد. إن تاريخ الفكر يقدم الكثير من الأمثلة على أناس لا يؤمنون ويعيشون حياة روحية تقف على نقيض من حياة رجال الدين، الآخذة بالكثير من أسباب السعادة الدنيوية، وقد تلمس كارل ماركس هذا المعنى بقوله في العائلة المقدسة (ص١٦٥ من ترجمة حنا عبود): "ليس الإلحاد من يجعل الإنسان منحط بل الخرافة والوثنية، أي الدين". إن إفادات المثقفين الكبار تتقارب أحيانًا رغم التباعد في أزمانهم ومصادر ثقافاتهم، ففي هذه العبارة يلخص كارل ماركس تجربة عاشها أبو العلاء تفكيراً وممارسةً". (هادي العلوي، أبو العلاء المعري "المنتخب من اللزوميات")
المقتطف أيها الصديق السعيد يبدأ لدى هادي العلوي كما تلاحظ من الحديث عن "المثقف الملحد" وروحانيته المتفوقة على روحانية رجل الدين الوظيفي الذي يعمل موظفاً بأجر في كنف الحكام، ولا يمكن تفريقه عن موظفي الحكومة الآخرين إلا بمفارقة وضعه الذي يفرض عليه الروحانية وهو لا يجدها، ففاقد الشيء لا يعطيه لأن الحكومات أصلاً ليس لديها شيء من الروحانية تعطيه لموظفيها خاصة الحكومة البورجوازية، فما بالك بالإمبراطورية "الخراجية". والعلوي يدعم كلامه بخبرة المعرّي الفكرية والعملية في ديوان اللزوميات (لزوم ما لا يلزم) وهي خبرة تراثية ذات شأن.
لكن اعتراضنا ونقدنا يبدأ حين يستشهد العلوي بماركس بطريقة اعتباطية غير مدققة، حيث يقول: " وقد تلمس كارل ماركس هذا المعنى بقوله في العائلة المقدسة (ص١٦٥ من ترجمة حنا عبود): ليس الإلحاد من يجعل الإنسان منحطاً، بل الخرافة والوثنية؛ أي الدين."
وحتى نوضح للقارئ الكريم شكل الاعتباط في أخذ الاستشهاد بماركس، ننقل حرفياً ترجمة حنا عبود للفقرة موضع النقد. جاء في الترجمة قول ماركس:
"إن بيير باييل لم يُمهد لاستقبال المادية وفلسفة الحس العام في فرنسا بتحطيمه الميتافيزيقا بريبيته (مذهب الشك). لقد بشر بالمجتمع الالحادي، الذي سرعان ما ظهر إلى الوجود عن طريق اثبات أن مجتمعا يتألف فقط من الملحدين هو مجتمع ممكن، وأن الملحد يمكن ان يكون إنساناً محترماً، وانه ليس الالحاد الذي يجعل الانسان منحطاً، بل الخرافة والوثنية" (انتهى الاقتطاف، ص 165)
وللمقارنة أكثر نورد ترجمة الدكتور رزق الله هيلانة لنفس العبارة في ترجمته لكتاب ماركس-انجلز "الاسرة المقدسة": "إن بيير بايل بتحطيمه الميتافيزيقا بواسطة الريبية، قد حقق أكثر من المساهمة في الموافقة على تقبل المذهب المادي، وفلسفة الحس السليم في فرنسا. أنه استطلع المجتمع المُلحد، الذي لن يتأخر عن الظهور، وذلك بإثباته أنه من الممكن قيام مجتمع من الملحدين خُلّص، وأن الملحد يمكنه أن يكون رجلاً شريفاً، وأن الانسان لا ينحط بالإلحاد، بل بالخرافات وعبادة الأوثان" (ص 203)
ويلاحظ القارئ أن كلمة (الدين) التي جاءت مرادفة "للخرافة والوثنية" في نص العلوي غير موجودة أصلاً في الاستشهاد، إضافة إلى أن العبارة ليست لماركس بل لبيير بايل كما بيّنا، وهي عبارة وردت في كتاب سجالي نقدي إلى أبعد حد.
ولنأخذ اقتباساً آخر من "العائلة المقدسة"، وهو اقتباس يأتي في سياق نقد ماركس لبرونو باور في حملة هذا الأخير على "المادية الفرنسية"، يقول ماركس: "والرجل الذي جرّد ميتافيزياء القرن السابع عشر من كل رصيد في الميدان النظري هو بيير باييل. وكان سلاحه المذهب الريبي (مذهب الشك) Scepticism الذي صاغه من العبارات السحرية الخاصة بالميتافيزياء . لقد انطلق أولا من الميتافيزياء الديكارتية. وكما أن النضال ضد اللاهوت التأملي قد دفع فيورباخ للنضال ضد الفلسفة التأملية [النظرانية] (هيغل) لأنه عرف أن التأمل هو الدعامة الأخيرة للاهوت، ولأنه لم يكن له بد من إجبار اللاهوت على الارتداد من عمله المزعوم إلى الإيمان الكريه الفظ، كذلك دفع الشك الديني باييل إلى الشك بالميتافيزياء أيضاً التي كان يدعمها ذلك الايمان، ولذلك يستقصي الميتافيزياء بصورة نقدية منذ نشأتها الأولى" (ترجمة عبود ص 164-165)
كان تعليقي النقدي واعتراضي يتركز على هذه المطابقة بين الخرافة والوثنية من جهة والدين من جهة ثانية. وقد بينا بالاستشهاد بالترجمة عينها أن هناك اعتباطاً واستعجالاً في شكل الاقتباس ومضمونه عبر إضافة كلمة (الدين). لأن الدين التوحيدي بأشكاله جاء أصلاً ضد الوثنية وعبادة الاصنام. جاء في سورة يوسف: (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 40]
فإذا أخذنا الدين الإسلامي على سبيل المثال، حيث كلمة دين تعني (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)، أي أن الدين خضوع للأمر الإلهي والعمل بمقتضاه، وأن الحكم لله وحده. ومن هنا يأتي الصراع العقائدي الأكثر قسوة، يأتي الصراع بين عقائد الفرق المختلفة حول "الامر الالهي" ومن هي الجهة أو الشخص أو الجماعة التي تقرر: ما هو الأمر الإلهي موضع النزاع، وهل هذا الذي نعمل به هو بعينه الامر الالهي؟ أي نعود إلى الصراع العقائدي بين الفرق الإسلامية حول (المحكم والمتشابه)، ونعود إلى المطارحة الثانية التي وضعها ماركس عن فيورباخ والتي تقول: إن مسألة ما إذا كان يمكن أن تنسب حقيقة موضوعية إلى الفكر البشري ليست مسألة نظرية بل عملية. فالإنسان يجب أن يثبت في الممارسة حقيقة فكره، يعني واقعية هذا الفكر وقوته في هذا العالم وفي هذه الحقبة. إن الجدال بشأن واقعية أو لا واقعية فكر ينعزل عن الممارسة مسألة مدرسية (سكولاستية نظرانية تأملية) بحتة" (الأيديولوجية الألمانية ص 753)
ليس من الحكمة ولا من الصواب مماثلة الدين الإسلامي على سبيل المثال ب "الخرافة والوثنية"، لأنه قد نتساهل مع كلمة (خرافة) باعتبارها ترجمة "خرافية" لكلمة "ميثولوجيا" لكننا لا نتساهل مع كلمة "وثنية " لأن الإسلام في جوهره كدين توحيدي مناهض لكل وثنية، فالإله الأعلى المتعالي فيه منزّه عن كل ما لا يلزمه، والتوحيد الإسلامي مناهض على طول الخط للوثنية والاصنام على اختلاف أشكالها.
لكن لنرى كيف تقارب العربية كلمة "دين"
(دين) الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها. وهو جنس من الانقياد والذلّ. (هو اعتقاد وتسليم وانقياد)، فالدين: الطاعة؛ يقال: دان له يدين ديناً، إذا أصحب (صاحبه) وانقاد وطاع. وقوم دين: أي منقادون مطيعون. والمدينة كأنها مَفْعلة، سميت بذلك لأنها تقام فيها طاعة ذوي الامر (المدينة وقيام الدولة). (وقد تحولت يثرب من قرية إلى مدينة حين أقام فيها النبي محمد سلطته فتحولت من قرية يثرب إلى المدينة المنورة عاصمة الدولة الجديدة) والمدينة: الأمّة (ما يجمعها اعتقاد وهي أشبه بالملّة) والعبد مدين (هو والامة) كأنهما أذلهما العمل.
أما قولهم أن العادة يقال لها دين، فإن كان هذا صحيحاً فلأن النفس إذا اعتادت شيئاً مرّت معه وانقادت له" وأما قوله جل ثناؤه: (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف: 76]، فيقال في طاعته ، ويقال في حكمه، ومن (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة: 4] أي يوم الحكم ، وقال قوم: يوم الحساب والجزاء. قال أبو زيد: دِين الرجل يُدان: إذا حمل عليه ما يكره" (راجع كتاب مقاييس اللغة لابن فارس ج2 ص 319-320)
وأقول لكم ما قاله كيركيغارد
واسمه الآخر كيركيجور
سيرن كيركيجور
في الدرجة الدينية من الوعي
التي أشارت إليها الآية السالفة الذكر (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ).
إنّ مدارج السالكين سبيل الحياة ثلاثة
المدرج الجمالي
والمدرج الأخلاقي
والمدرج الديني
والحق أقول لكم
الرجل الديني لا يحيى في الزمان
لأنه أشاح بوجهه عن هذا اليوم
وولى وجهه قِبَل اليوم الآخر
ستقولون
جزأ الزمن
وأقول
لأنه في مرتبة أعلى
ألم يقل السهروردي المقتول
في "أزيز أجنحة جبرائيل"
أو "أصوات أجنحة جبريل"
"ليس عند ربكم صباح ولا مساء"
وأحدثكم وأقول لكم
مدارج الحياة عند كيركيجور
ثلاثة
الدرجة الجمالية-الحسية
والدرجة الأخلاقية-الواجب الاجتماعي
والدرجة الدينية-الإيماني التاريخي الثوري
والانتقال من درجة إلى الأخرى
لا يتم إلا بوثبة وتجاوز عقبة
وما أدراك ما العقبة
تحرّر وانعتاق وفك رقبة
واحدثكم عن مراحل الطريق
طريق الحياة
يبدأ بفتنة الجمال الحسي
ويمر "بالأخلاق" التي تقدس المجتمع القائم
وينتهي بالقداسة والتضحية بالنفس
والاستشهاد على درب الحلاج
والسُهرَوردي المقتول
وأحدثكم
عن النمط الحسي في الوجود
الذي يتمثل في مذهب اللذة الرومانسي
وفي النزعة العقلية المجرّدة
أو عبادة أعيان الطبيعة
على التجريد
على مذهب إبليس
حين قال: لا غير!
وأقول لكم
الحسي والعقلي المُجرّد
لا يفلحان في تحقيق
وجود الفرد وذاته
وأقول وأحذركم
الطريق الحسي
يقود إلى الملال والمزاج السوداوي
واليأس
وأبلس: يأس وتحير
وفي حجّته
ليس له حِجّة
وأحدثكم أيضاً
كيف تنتقل الذات
من المدرج الحسي
إلى المدرج الأخلاقي
بسبب اليأس
نحو اتخاذ القرار والالتزام
وكيف تصبح الذات
مركّزة موحّدة وحقيقية
بفضل اختيارها والتزامها
وأحدثكم
كيف يزيل المدرج الأخلاقي
المدرج الحسي
وكيف يزيل المدرج الديني
هذا الأخير ويرفعه إليه
جاء في (النساء): (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ (157) بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ (158).
الدين حسب كيركيجور يدخل في دائرة السياسي-التاريخي، أي يخص "الأمير الحديث" الغرامشي، والحزب الماركسي الثوري، الحزب البلشفي اللينيني، ودوره البرزخي الوسيط في لتحولات الاجتماعية التاريخية الكبرى.
أخيراً أقول
الدرجة الدينية
تلك التي يصبح المسافر فيها
وحده مع الله
﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾[الأنفال:4]
المسافر هنا هو رجل الدين التاريخي، لا رجل الدين الوظيفي (دين السلطة القائمة)، المسافر السائح الذي يخاف الله، أي يخاف الحق ولا يخاف الناس أو الخلق. هو الذي لا يخاف في الحق لومة لائم!
ونقول كلمة بخصوص كتاب "العائلة المقدسة" أو "الاسرة المقدسة" حسب نوع الترجمة العربية، والاقتباس منها من دون حس نقدي، أن الكتاب يقع في مرحلة ما قبل ماركسية "الأيديولوجية الألمانية"، أي أن الكتاب "عبارة" انتقالية ومحاولة أولى للخروج من عباء فيورباخ المادية الوضعية التأملية.
نقرأ في "الاسرة المقدسة: "لا يزال لدى "النقد المطلق" (برونو باور) إذن، بعد اثباتات فيورباخ العبقرية، الجرأة بأن يقدم لنا مرة ثانية كل هذه المبتذلات على صورة جديدة" " ص 154 وقد جاء في هامش الصفحة تعليقاً على العبارة المقتبسة قول الناشر: "إن هذا المقطع الأخير قد أعيد نشره في الدفاتر الفلسفية (تلخيص لينين للأسرة المقدسة) ونلاحظ الاعجاب الذي ما زال يكنه ماركس وانجلز لفيورباخ، والذي لن يتأخرا عن تخفيفه في مؤلفاتهما المقبلة (خاصة الأيديولوجية الألمانية) ".
ونلاحظ اعجاب ماركس بفيورباخ في هذا المؤلف عبر قوله: "إن ما يسم وجهة نظر "النقد المطلق" (باور) اللاهوتية، من ناحية أخرى هو أنه بينما ابتدأ الألمان اليوم بفهم فيورباخ، واستملاك نتائجه، فإنه هو (باور) على عكس ذلك، غير قادر على ان يدرك عبارة واحدة منه بصورة صحيحة، ويستعملها بمهارة" ص 155
إن اقتباس بعض المفكرين العرب الذين شقّوا طريقهم بعناء باتجاه الماركسية كهادي العلوي، اقتباسهم من "الاسرة المقدسة" هو دليل اعجابهم بوضعية فيورباخ المادية الملحدة (المادية التأملية) والتي انتقدها ماركس بشدة في "الأيديولوجية الألمانية" لاحقاً وفي "موضوعات عن فيورباخ" . كذلك ينطبق الامر على من يستشهد ب"المخطوطات الاقتصادية الفلسفية" 1844 لماركس بخصوص الاغتراب الإنساني وغيره. لقد لخّص لينين في (دفاتر الفلسفة) المنشورة في المجلد 38 من أعماله الكاملة بالإنكليزية، كتاب "الاسرة المقدسة" في بداية الدفاتر، وختمها بتلخيص (منطق هيغل) بالكامل ملخصاً أرسطو وفيورباخ وديبورين وغيرهم من الفلاسفة، وذلك في السنوات 1914-1915.
إن الذين يضعون مسافة بين الانسان اللاهوتي والانسان التاريخي، إنما فعلوا ذلك نظراً لإساءة سلطة اللاهوت المسيحي (محاكم التفتيش في العصور الوسطى) بحق الانسان التاريخي: حرق جوردانو برونو وتهديد غاليليو بالحرق. وكذلك فعل الدين الاسلامي الوظيفي دين السلطات حين أعدم الحلاج والسُّهْرَوردي المقتول، وأحرق كتب ابن رشد. لكن مع هذا ليس الانسان التاريخي سوى الانسان الديني ذاته. من يصنع بفعاليته التاريخية المنظمة وفق غاياته الخاصة التاريخ. يقول ماركس في "الاسرة المقدسة: ليس "التاريخ" هو الذي يستخدم الانسان ليُحقق-وكأنه يشكل (التاريخ) شخصاً على حدة-غاياته الخاصة، إنه (التاريخ) ليس سوى فعالية الانسان الذي يتابع غاياته الخاصة به " ص 154
قلنا في أماكن عدة أن الماركسية كمذهب اجتماعي تاريخي -سياسي لا علاقة لها بالإلحاد ولا يلزمها. وحتى على مستوى النفع لا نفع في الالحاد للماركسي العربي. الالحاد ضرب من العدمية الوجودية، وحماقة ذات ملمح انتحاري، وهو مرض أصاب العديد من الفلاسفة والأدباء والشعراء الألمان الكبار لأسباب تخص شكل تطور ألمانيا التاريخي وعلاقتها بأوروبا الغربية السباقة إلى التطور.