المحاولات الأميركية المُتكررة لبناء -شرق أوسط جديد-


نايف سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 8126 - 2024 / 10 / 10 - 09:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

قال الباحث والكاتب ليون هادار في تحليل نشرته مجلة ناشونال انترست الأميركية، إنه في أعقاب توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 بشر رئيس وزراء إسرائيل شمعون بيريز والصحافي الأميركي اليهودي توماس فريدمان بـ "شرق أوسط جديد" يؤسس فيه الشباب الإسرائيلي والفلسطيني شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا المتقدمة بدلاً من محاربة بعضهم بعضاً. وبعد ذلك كان من المفترض ظهور "شرق أوسط جديد موال لأميركا" بدءاً بغزو العراق عام 2003، بعد أن تبنى الرئيس بوش الابن استراتيجية "تغيير أنظمة الحكم" أو على الأقل تغيير سلوكها و "دعم الديمقراطية" في الشرق الأوسط خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
تلا ذلك "الربيع العربي" في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، والذي كان من المتوقع أن يطلق موجة ثورات ليبرالية جديدة "تقدمية" في الشرق الأوسط بقيادة الشباب الذين احتشدوا في ميدان التحرير بالقاهرة لإسقاط نظام حسني مبارك.
ثم تجدد الحديث عن "شرق أوسط جديد أفضل " بعد توقيع اتفاقيات "السلام الابراهيمي" عام 2020 والذي أدى إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والامارات العربية المتحدة، وتشكيل تحالف استراتيجي إسرائيلي –عربي لاحتواء إيران.
واليوم أعاد نجاح إسرائيل التكتيكي في توجيه ضربات عسكرية قوية إلى إيران وحلفائها العرب في الشرق الأوسط، طرح البحث من جديد عن نظام جديد في الشرق الأوسط، يشمل قيام لبنان "حر" على أنقاض تدمير حزب الله اللبناني، ومع تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة العربية قد يصبح التقارب الإسرائيلي السعودي ممكناً في هيئة "تحالف إبراهيمي" عسكري أمني على غرار منظمة حلف شمال الأطلسي.
إن محاولة نتنياهو تهميش القضية الفلسطينية من خلال اتفاقات السلام الابراهيمي قاد إلى هجمات 7 أوكتوبر 2023 وبدا أن إيران وحلفائها العرب قد ظهروا كفائزين استراتيجيين لفترة من الوقت. في الوقت نفسه سيكون من الخطأ اعتبار نجاح إسرائيل التكتيكي ومن ورائها النظام الامبريالي تحت القيادة الأميركية في تبديد مكاسب إيران وحلفائها العرب فرصة جديدة للإعلان عن شرق أوسط جديد.
لكننا سوف نبقى مع الشرق الأوسط الحالي نفسه، سيظل حزب الله لاعباً سياسياً وعسكرياً مهماً في لبنان والشرق الأوسط الحالي، ومن غير الوارد أن تغير الضربات التي تعرض لها من ميزان القوة في لبنان والشرق الأوسط معاً.
إن حكومة إسرائيل ومن خلفها الغرب الامبريالي تضغط على طهران للاختيار بين مقاومتها الأيديولوجية لحق إسرائيل في الوجود والمرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي الصهيوني وبين المصالح الوطنية القومية لإيران. لذلك يمكن القول إن التصعيد الإسرائيلي هو جزء من خطة أميركية لإضعاف حزب الله وإيران وإيجاد ترتيبات إقليمية تخدم مصالح واشنطن والإدارة الأميركية الحالية، وتخدم وهم العودة إلى "شرق أوسط جديد" أميركي-إسرائيلي ليبرالي جديد "تقدمي". إن إسرائيل بهذه النظرة ليست سوى عصا يحملها النظام الامبريالي الأميركي ويهش بها على شعوب الشرق الأوسط وخاصة العربية منها. لكن الولايات المتحدة لا تريد تصعيداً شاملاً يفسد خطتها في السيطرة والتحكم بمسار الاحداث، ويوفر لإيران وحلفائها العرب تصاعد موجات تعاطف شعبي عالمي واقليمي.
وأقول لكم ما يشبه ما قالته صحيفة ميديابارت الالكترونية: إن صمت العالم الغربي الآثم تجاه مأساة سكان غزة هو صدى للاستعمار والاستيطان اليهودي لفلسطين.
إن المفارقة الإيرانية والوهم الذي يشبه وهم "البورجوازي الصغير" للنظام في إيران أنه في الوقت الذي أنفقت فيه إيران مليارات الدولارات لبناء القدرات العسكرية والسياسية لحزب الله اللبناني، شرعت بتقديم وعد تجاه الغرب بتغيير المسار عبر تصريح عبّر عنه الرئيس بزشكيان في زيارته الأخير لنيويورك وعبر عنه من قبل في برنامجه الانتخابي ومفاده أن إيران لا تريد سياسة خارجية تدفع البلاد لحرب جديدة. وليس سراً أن خامنئي قد دعم ترشيح بزشكيان من أجل الحد من التوترات مع الغرب والتفاوض على اتفاق نووي جديد (مع أن إيران أصبحت قادرة على انتاج سلاح نووي) وتخفيف العقوبات والضغط عن الاقتصاد الإيراني المرهق. وهكذا وجدت إيران نفسها أمام حقيقة مؤلمة مفادها أن المنظمة التي أعدت لها من "القوة ورباط الخيل" طوال الوقت تُدمّر أمامها في بضعة أسابيع ويطارد ويقتل جميع قادة المنظمات والفصائل العربية المتحالفة مع إيران من فلسطين إلى لبنان إلى العراق وحتى اليمن "السعيد"
وأقول كما قالت ميراف زونسيزين كبيرة محللي الشؤون الإسرائيلية في مجموعة الازمات الدولية في مقال لها في صحيفة نييورك تايمز: إن إسرائيل تغوص في أزمة وجودية بعد 7 أكتوبر 2023 وهي دولة منكمشة، ولا مستقبل لسكانها إذا كانت الرؤية الوحيد التي يقدمها قادتها هي الحرب التي لا نهاية لها" وأضافت: قليلون هم الذين يحتجون على استخدام إسرائيل المفرط للقوة، وأن الفلسطينيين يخوضون معركة من أجل وجودهم" وأشارت إلى الاستخفاف الإسرائيلي بمعاناة الفلسطينيين بوعي أو بدون وعي بعد "طوفان الأقصى"