-الاسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات-حاشية نقدية رقم 5


نايف سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 8401 - 2025 / 7 / 12 - 13:54
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات     

يقول إدغار في حاشيته "النقدية": إن برودون يبرهن على أن الملكية مستحيلة لأن الإنسانية، بسبب نظام الفائدة والربح بصورة خاصة، وبسبب التفاوت القائم بين الاستهلاك والإنتاج، تلتهم نفسها بنفسها، ولكن برهانه ينقصه الشيء المقابل: إنه لا يثبت الامكانية التاريخية للملكية الخاصة"
يعلق ماركس: إن "النقد النقدي" قد امتنع بدافع من حسّ غريزي موفّق، عن التركيز على الشروحات التي خص بها برودون نظام الفائدة والربح، الخ.. أي أهم شروحات برودون.
ولدى بلوغ هذه النقطة، لا يمكن للمرء بالحقيقة أن يقوم بنقد برودون بعد ذلك حتى ولو بالظاهر، إذا لم يكن لديه معلومات إيجابية تماماً عن حركة الملكية الخاصة"
هنا ماركس في سياق نقده لادغار بوير وترجمته وتعليقه على كتاب برودون "ما هي الملكية؟" يستشعر نقصاً في معلوماته في الاقتصاد السياسي، وخاصة حركة الملكية الخاصة في المجتمع البورجوازي الحديث. سوف يتابع نقده لبرودون بعد ثلاث سنوات 1847 عبر كتابه الشهير "بؤس الفلسفة".
يقول إدغار: إن برودون يثبت استحالة الملكية (بالنسبة للعامل) بواقعة أن العامل لا يستطيع بأجر عمله، أن يستعيد شراء إنتاجه. كما أن برودون بإدخاله جوهر رأس المال في الموضوع، لا يقدم لنا السبب العميق لحالة الأمور هذه. وإذا كان العامل غير قادر على استعادة شراء انتاجه، فذلك لأن هذا الإنتاج هو دائماً إنتاج جماعي في حين أنه هو نفسه ليس سوى إنسان مأجور إفرادياً"
يعلق ماركس: كان يمكن للسيد إدغار معارضة لفكر برودون أن يذهب إلى أعمق من ذلك والقول بأن العامل إذا كان لا يستطيع إعادة شراء انتاجه، فما ذلك إلا لأنه مجبر على استعادة شرائه. إن مفهوم الشراء يتضمن بذلك أن يتصرف العامل تجاه إنتاج كتصرفه تجاه شيء قد أفلت منه، (شيء) مُضاع. إن السيد إدغار يهمل أن يفسر لنا بعمق، فيما بين أمور أخرى، لماذا لا يستطيع الرأسمالي، الذي ليس هو الآخر سوى رجل فردي، بالإضافة لذلك رجل مأجور من قبل الربح والفوائد، لماذا يستطيع استعادة شراء، ليس فقط ناتج العمل، بل أكثر من هذا الناتج. ولتفسير ذلك يضطر السيد إدغار أن يشرح العلاقة بين رأس المال والعمل، أي أن يلجأ إلى ادخال جوهر رأس المال في الحساب"
بالطبع إن جوهر رأس المال هو علاقته بقوة العمل. وكان ماركس قد استخدم في كتابه "رأس المال" عبارة "قوة العمل" بدلاً من كلمة "العمل". حيث قوة العمل هي متوسط حسابي للقوى المنتجة الحية في مجتمع بعينه.
يقول ماركس: إن المقطع "النقدي" الذي استشهدنا به أعلاه، يوضح بأجلى صورة كيف ان النقد النقدي ما أن يكون قد تعلم شيئاً من أحد المؤلفين حتى يقلبه فوراً ضد هذا المؤلف، متخذاً لنفسه مظهر من اكتشفه بنفسه، ومعبراً عنه بلغة "نقدية". في الواقع إن النقد النقدي قد استقى من لدن برودون نفسه هذا السبب الذي عرضه السيد ادغار ولم يعرضه برودون.
إن برودون قد لاحظ أولاً، أن مجموع أجور العمال، إذا نظرنا إليهم منفردين، حتى ولو نال كل عامل فردي أجراً كاملاً، إن هذا المجموع لا يساوي أجر القوة الجماعية المتموضعة في ناتجهم، وأن العامل بالتالي لا ينال أجره كجزء من قوة العمل الجماعية: إن هذا هو ما حوّره السيد ادغار بقوله إن العامل ليس سوى إنسان مأجور إفرادياً. إن النقد النقدي يستخدم، إذن، فكرة عامة لبرودون مقابل الشرح الموسع المحسوس الذي يعطيه برودون ذاته فيما بعد عن الفكرة نفسها. إنه يستولي على هذه الفكرة على الطريقة النقدية، ويعلن سرّ الاشتراكية النقدية في القضية التالية:
"إن العامل اليوم لا يفكر إلا بنفسه، أي انه يطلب أن يدفع له الاجر شخصياً. إنه هو نفسه الذي لا يدخل في الحساب القوة الضخمة، الهائلة المتأتية من تعاونه مع قوى أخرى"
يقول ماركس: إن الشر كله، حسب النقد، ناجم فقط عن "تفكير" العمال. ولكن العمال الإنكليز والفرنسيين قد شكلوا فعلاً رابطات لا يكتفون فيها بتبادل الأفكار حول حاجاتهم الآنية بوصفهم عمالاً، بل يتعرفون أيضاً على حاجاتهم بوصفهم كائنات بشرية. إنهم يبدون في هذه الروابط، إضافة إلى ذلك، وعياً عميقاً وواسعاً جداً إزاء القوة "الضخمة"، "الهائلة" الناجمة عن تعاونهم.
إلا أن هؤلاء العمال، عمال "الجمهور" (عقلية-جماعية)، هؤلاء العمال الشيوعيين، الذين يعملون في مشاغل مانشستر وليون مثلاً، لا يعتقدون أنهم بـ"الفكر المجرّد" سيكونون قادرين على التخلص من أرباب عملهم، ومن مهانتهم العملية الخاصة. إنهم يتألمون جداً لشعورهم بالاختلاف بين الوجود والفكر، بين الوعي والحياة.
إنهم يعرفون أن المُلكية، ورأس المال، والنقود، والعمل المأجور، وما شابهها، ليست أفكار ملفقة من إنتاج دماغهم، لكنها منتجات عملية جداً، حسية جداً لاغترابهم الذاتي، بالتالي يجب الغاؤها بصورة عملية، محسوسة (فعلية) لكي يغدو الانسان إنساناً، ليس فقط في التفكير، في الوعي، ولكن في الكيان الجماعي (كيان "الجمهور")، في الحياة.
إن النقد النقدي والفلسفة التأملية يتوهمون أنهم سيلغون رأس المال الحقيقي الفعلي بتجاوزهم مقولة رأس المال بالفكر. وأنهم سيتحولون بصورة حقيقية ويصنعون من أنفسهم أناساً حقيقيين، بتحويلهم "أناهم المجردة " في الوعي، وباحتقارهم كل تحويل حقيقي لوجودهم الحقيقي. إن "الروح" الذي لا يرى في الحقيقة سوى مقولات، يخفض بشكل طبيعي كل فعالية الانسان وممارسته العملية، إلى عملية ديالكتيكية لتفكير النقد النقدي. إن هذا بالذات ما يميز اشتراكية "النقد النقدي" عن اشتراكية "الجمهور (النمط-الجماعي) وشيوعيته".
يختم ماركس تعليقاته على الحاشية الهامشية النقدية-5 بالقول: الآن وقد أخذ النقد النقدي باعتباره جميع تناقضات (النمط-الجماعي)، وأضحى سيد كل حقيقة في صيغة مقولات، وحلّ كل فعالية إنسانية في الديالكتيك التأملي (النظري)، سوف نراه يعيد إنتاج العالم ثانية انطلاقاً من الديالكتيك التأملي النظري. إن معجزات خلق العالم النقدي التأملي، لا يمكن تحت طائلة "التدنيس" إيصالها إلى "الجمهور" الجاهل إلا على صورة أسرار. لذلك فإن "النقد النقدي" يظهر متجسداً في فشنو- شيليغا "كتاجر أسرار".
وفيشنو هو الشخص الثاني في الثالوث الإلهي البراهماني، وهو معروف بتجسداته (أفتارات) الإنسانية. وظيفته حفظ العالم الذي خلقه براهما، وعلى شيفا تدميره حين يفسد.