سوريا الحديثة: ثلاثة عهود
نايف سلوم
الحوار المتمدن
-
العدد: 8200 - 2024 / 12 / 23 - 22:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشكلت سوريا الحديثة اعتباراً من عام 1860، وتحديداً في شهر تموز حيث جرت أحداث دموية مروعة في حي باب توما بدمشق. وقد أدت هذه الاحداث إلى انقلاب في الهيمنة، حيث جرى التحول من هيمنة طبقة العلماء الدارسين وسياستها المتمحور حول المفتي الحنفي ونقيب الاشراف إلى هيمنة طبقة الملاك البيروقراطيين من ملاكي الأراضي وأصحاب المناصب في الإدارة الحكومية المحلية التابعة للإمبراطورية العثمانية.
وقد رسم هؤلاء الوجهاء الاعيان وهم ملاكون غائبون سياسة دامت قرابة مائة عام كانت تقوم على الوساطة والمناورة الذكية بين المجتمع المحلي في دمشق وبين الباب العالي في الإمبراطورية العثمانية. وقد استمرت هذه السياسية أثناء الانتداب الفرنسي على سوريا فترة ما بين الحربين.
واجهت سياسة الاعيان مع نهاية الحرب العالمية الثانية ومع الاستقلال 1946 تحديين كبيرين:
1-المسألة الزراعية وملكية الأرض في الريف السوري
2-المسألة القومية في فلسطين بعد إعلان قيام دولة إسرائيل الصهيونية 1948
وقد فشلت سياسة الاعيان في مواجهة المهمتين معاً. وكان بعدها فترة انتقالية متقلبة من الانقلابات العسكرية والديمقراطية الليبرالية (1954-1958) ومن الوحدة مع القطر المصري والتدخل الناصري في سوريا حتى الانفصال 1961.
وجاء حكم البعث 1963 محمولاً على المسألتين الزراعية والقومية , فقام بإجراء إصلاح زراعي كان قد بدأه حكم الوحدة الناصري.
ثم رفع شعار قومي مفاده تحرير فلسطين من الاستيطان الصهيوني. وقد تبين لاحقاً أن الشعار القومي كان قوموياً زائفاً وخادعاً (اشتراكيا-قومياً) ذو نزعة فاشية طرفية استولى تحت هذا الشعار على الحياة العامة والخاصة واحتكر كل شيء ما قاد إلى هلاك المجتمع السوري وتصحّر الحياة السياسية والنقابية. وقد قاد استثماره في التنوع الطائفي إلى تمزيق المجتمع وتحريضه ضد نفسه. وقد تحول النظام نفسه بحكم الاحتكار والانانية إلى عصبة حاكمة ضيقة كانت هزيمتها فادحة ومدوية في أول مواجهة مع الجيش الإسرائيل سنة 1967.
كان الإسلام السياسي في سوريا يأخذ شكل الحكم القائم ويتلون بلونه، أي أنه كان يعمل بردة الفعل ففي الفترة الديمقراطية-الليبرالية (1954-1958) وأثناء حكم شكري القوتلي كان مصطفى السباعي اشتراكياً إسلامياً. وفي أواخر السبعينيات كان مروان حديد على رأس "الطليعة المسلحة" في حماه سنة 1979 حيث ظهر الإسلام السياسي متمرداً عصبوياً عنيفاً كرد فعل على عصبوية النظام وعنفه وتفرده بالسلطة واستيلائه على المجتمع المدني.
وشاءت الاقدار وشاء التاريخ أن يكون اقتلاع حكم العصبة المستبدة والنظام الأمني على يد جماعة مسلحة من جماعات الإسلام السياسي الكثيرة اليوم. وهي هيئة تحرير الشام في تحالفها مع جماعات أصغر تحت ما يسمى ب "إدارة العمليات العسكرية"
وجاء الوقت لكي تعمل هذه الإدارة بغير ردات الفعل وتتعامل بإيجابية مع المجتمع السوري بكل تنوعاته وألوانه، خطة تأخذ بالحسبان النفوذ الدولي والإقليمي خاصة التركي الهائل في سوريا، ومصالح طبقات وفئات المجتمع المحلي السوري. وهذا بالضرورة يقتضي البدء بمرحلة انتقال ديمقراطية مدنية وبتنشيط الحياة السياسية والنقابية في سوريا عبر تشريع تعددية سياسية واستقلال نقابي بحيث يعود للمجتمع السوري تماسكه وقوته وهذه هي الضمانة الاكيدة لأي حكم ديمقراطي في سوريا. فالشعب هو السور الذي يحمي الأمير
إن القرار الاممي 2254 قد شاخ لجهة أن النظام المقصود بالتفاوض قد سقط لكن بقي فيه عنصر أساسي نابض وهو مشاركة المعارضة بكافة تياراتها الداخلية والخارجية المسلحة والسلمية في صياغة المرحلة الانتقالية عبر مؤتمر وطني جامع ينجم عنه جمعية تأسيسية تصوغ دستوراً جديدا للبلاد بحيث يحدد الدستور الجديد شكل الحكم (رئاسي، برلماني أو مختلط) ويحدد شكل الحياة السياسية والنقابية وينظمهما.
بالطبع على الدستور الجديد ضمان حرية العمل السياسي والاستقلال النقابي وحماية حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية للجميع وصيانة حقوق الأقلية القومية الكردية.
الطوائف الدينية ليست أقليات فالأقلية والاغلبية مفاهيم سياسية وليست دينية، ولأفراد جميع هذه الطوائف حقوق مواطنة متساوية وعليهم واجبات متساوية.
المدنية تعني المساواة أمام القانون والقضاء بغض النظر عن العرق والجنس والدين والقومية
والحقوق السياسية تعني حق المشاركة العامة المتساوية في إدارة الدولة بجميع أجهزتها الاكراهية والأيديولوجية
علمانية الدولة تعني أنه ليس للدولة دين ولا حزب فالدولة العلمانية غير دينية وغير حزبية. دولة لجميع مواطنيها
علمانية الدولة لا تعني علمانية الافراد ولا تعني الالحاد فهذا الأخير ليس أكثر من نزعة عدمية مميتة، ناجمة عن احباط تاريخي لدى الافراد
لا يجوز للجيش القادم التدخل في الحياة السياسية وهو لحماية حدود الوطن ولتأمين السلم الأهلي.
على القضاء أن يكون مدنيا لا شرعيا
الحفاظ على السلم الأهلي للوصول إلى المرحلة الانتقالية هو معيار نجاح حكومة الإنقاذ. وعليها تقع مسؤولية معالجة الخروقات والاستفزازات الطائفية بسرعة وحزم.
نحن بحاجة لعدالة انتقالية شاملة وسلمية تدين المجرمين من جميع الاطراف وتصدر العفو عن الاخرين