-الأسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات - ترجمة مميزة رقم 3
نايف سلوم
الحوار المتمدن
-
العدد: 8117 - 2024 / 10 / 1 - 16:15
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
يقول ماركس: إن برودون النقدي يدّعي بأن ساي* يعني بقوله "الثروة الطبيعية"، "حيازات طبيعية"، مع أن ساي، لكي يضع حد لكل خطأ ممكن، أعلن صراحة، في ملخص كتابه "بحث في الاقتصاد السياسي" بأنه لا يقصد بالثروة لا الملكية، ولا الحيازة، وإنما يقصد "مجموعة قيم"، ويقول ساي بشكل صريح: "إن حقوق ملاّك الأرض. تعود في أصلها إلى الاغتصاب". يقتضي إذن برأي ساي "مساهمة التشريع" و "الحقوق الوضعية" لإنشاء حق الملكية العقارية.
يقول ماركس بخصوص حجة برودون الحقيقي ضد شارل كونت: إن كونت يريد أن يشرح أصل الملكية، فيبتدئ بافتراض وجود أمة مالكة؛ إنه يقع في المصادرة على الموضوع (القياس الدائر: أي افتراض ما يُطلب اثباته) فهو يرينا الدولة تبيع أراض، ورجل أعمال يشتري هذه الأراضي بأمواله؛ بتعبير آخر يفترض كونت علاقات الملكية التي يريد اثباتها"
يقول برودون الحقيقي: فلكي تتحول الحيازة إلى ملكية، يتطلب ذلك شيئاً غير العمل، وإلا فإن الانسان يتوقف عن أن يكون مالكاً مذ أن يتوقف عن كونه شغيلاً"
يعقب ماركس: عندما تنقطع العلّة ينقطع المعلول. فإذا كان المالك مالكاً فقط بوصفه شغيلاً، فإنه يمتنع عليه أن يكون مالكاً، منذ أن يتوقف عن كونه شغيلاً"
يضيف برودون: إن نظام التملك بالعمل يتناقض إذن مع القانون (البورجوازي)، وعندما يدّعي مؤيدو هذا النظام (من الاشتراكيين البورجوازيين الصغار) استخدامه لتفسير القوانين، يكونوا متناقضين مع أنفسهم".
إن رفع هذا الشعار في الإصلاحات الزراعية (شعار: الأرض لمن يعمل بها، تعني نزع ملكية الاقطاعيين للأرض وتوزيعها على الفلاحين الفقراء بالقوة السياسية والعسكرية للثورة الفلاحية التي ترفع شعاراً اشتراكياً لرفع العتب، حيث أن الطبقات البورجوازية المتوسطة والصغيرة الصاعدة إلى سدة الحكم، سوف تبرر بهذا التوزيع استيلائها على ممتلكات ومقتنيات جديدة، وتضمن شرعيتها السياسية حتى تتمكن في وقت لاحق اقتصادياً. من هنا نرى أن الطبقات الحاكمة الجديدة تُبقي على حقوق الملكية الخاصة البورجوازية، وتحافظ على قدسيتها تجاه المُدنِّسين.
يعلق ماركس على قول برودون النقدي بخصوص مكافأة هوميروس على كتابه الملحمة (الإلياذة): إن برودون النقدي (الذي ترجمه الهر ادغار) لفي مستوى أعلى بكثير من تفاهات الاقتصاد السياسي لكي يعرف أن هناك فرقا كبيراً بين قيمة الشيء والخدمة التي يؤديها للغير"
أما برودون الحقيقي فيقول: إن مكافأة الشاعر يجب أن تكون مساوية لإنتاجه، لكن ما هي قيمة هذا الإنتاج؟
إن برودون الحقيقي يفترض أن للإلياذة ثمناً أو (قيمة تبادلية) [قيمة تجارية] لا حد لها، أما برودون النقدي فيفترض أن لها قيمة (هكذا على التجريد) لا حد لها (قيمة معنوية).
إن برودون الحقيقي يقابل قيمة الإلياذة، قيمتها بالمعنى المعروف في الاقتصاد السياسي (كما لو أنه يبيع لوحة فنية في المزاد العلني)؛ القيمة الذاتية الاستعمالية (جسد الإلياذة) بقيمتها التبادلية، بقيمتها القابلة للتبادل أي [يبيعها بالمزاد العلني ككتاب مطبوع]. أما برودون النقدي فيقابل قيمتها الباطنية (المعنوية) بالقيمة التبادلية.
يقول برودون الحقيقي: لا يوجد بين المكافأة المادية والموهبة مقياس مشترك؛ إن وضع جميع المنتجين، من هذه الزاوية، متساو، ينجم عنه أن كل مقارنة بينهم وكل تمييز في الثروة غير ممكن"
أما برودون النقدي فيقول: إن علاقة المنتجين واحدة. فالموهبة لا يمكن وزنها مادياً. إن كل مقارنة للمنتجين فيما بينهم، وكل تمييز خارجي، ضرب من المستحيل"
يقول ماركس: إن برودون الحقيقي لا يتحدث في أي مكان عن مشاعر الموهبة (شعور الموهوب بالمساواة في المجتمع). فهو يقول إن الموهبة يجب أن تتكيف بالمستوى الاجتماعي. وكذلك فهو يؤكد أن الانسان الموهوب هو مجرد حصيلة المجتمع، بل يؤكد بخلاف ذلك: أن الانسان الموهوب قد ساهم في انتاج أداة نافعة، في داخله. إذ يوجد فيه بآن واحد، عامل حر، ورأس مال اجتماعي متراكم"
إن برودون الحقيقي لا يتطرق في أي مكان لاعتراف المجتمع بالجميل للرجل الموهوب-حسب برودون النقدي. أما برودون الحقيقي فيقول: إن الفنان والعالم والشاعر يتلقون مكآفآتهم العادلة لمجرد كون المجتمع يتيح لهم أن ينصرفوا حصراً إلى العلم والفن"
يقول ماركس: لكي ينهي برودون النقدي الموضوع، فإنه يحقق هذه المعجزة: إن مجتمعاً مؤلفاً من 150 عاملاً لقادر على القيام بأود "ماريشال" وبالتالي بأود جيش. أما الماريشال، لدى برودون الحقيقي، فليس سوى الماريشال فيران بيطاراً" (قادر على القيام بأود بيطار).
* جان باتيست ساي (1767-1832): من أبرز أنصار المذهب الحر في القرن التاسع عشر، وهو الذي نقل تعاليم آدم سميث إلى فرنسا، وهو من أوائل الاقتصاديين الذين بحثوا في القضايا الاقتصادية على ضوء التطورات التي جاءت بها الثورة الصناعية التي كانت بدايتها 1750 وحتى 1850