-الأسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات: نسق عالم -أسرار باريس-


نايف سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 16:47
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات     

رغوليت (يمامة-سلحفاة): تُجسّد رِغوليت في "أسرار باريس" الفاتنة الجميلة التي تفتن الجميع بسذاجتها، وبشاشتها وقلبها الذهبي.
يقول شيليغا: "يبقى هناك أيضاً خطوة أخرى يجب القيام بها. إن السر بحكم تطور محتواه الخاص قد اضطر كما رأينا، لدى بيبلييه، وبفضل كابريون (المهرج المحتال تجاهها) أن ينحطّ إلى مستوى التهريج العادي. ولم يعد ينقص سوى شيء واحد، وهو ألا ينصرف الانسان بعد ذلك إلى هذه التمثيلية الهزلية الحمقاء. إن ريغوليت (يمامة-سلحفاة) تجتاز هذه الخطوة بأكبر خفة ممكنة "
واليمامة تشير إلى الوداعة، والسلحفاة إلى البطء.
إن ريغوليت السيد شيليغا قد انتصرت على أسرار عالم اليوم. وأكثر من ذلك هي نفسها ليست سوى تحقيق لهذه المقولة "السر"؛ "هي نفسها لن يتكوّن لديها الوعي بعد عن سمو قيمتها الأخلاقية، ولهذا فهي لا تزال سر بالنسبة إلى نفسها"
بالنسبة للفكر النظري، فقد تغلبت على السر بأنها ما تزال سراً بالنسبة إلى نفسها، وكأنها تُجسّد مقولة هيغل "نفي النفي". أو مقولة ابن عربي في الخلق: "الحمد لله الذي أوجد الأشياء عن عدم وعدمِه" (الفتوحات المكّية)
يقول ماركس: يعلن أوجين سو عن السر غير النظري لريغوليت، بواسطة مورف (شريف إنكليزي يرافق رودولف ككلب أمين): إنها شابة مرحة جميلة للغاية. وقد وصف فيها أوجين سو الطبع المحبب، الإنساني، للشابة المرحة الباريسية، لكنه بدافع إخلاص مجرد نحو البورجوازية، وبدفع نوع من المبالغة في التحليق الخيالي العالي (الشطح)، اضطر إلى أن يجعل الشابة المرحة مثالية أخلاقياً. واقتضاه الأمر أن يزيل كل ما هو مثير في وضعها وطبعها: أي احتقارها للزواج الرسمي، وعلاقتها الساذجة بالطالب والعامل. إنها بالضبط من جرّاء هذه العلاقة، تشكل تنافراً إنسانياً حقاً مع الزوجة البورجوازية المرائية، العاجزة عن المروءة، الانانية، ومع كل الوسط البورجوازي، أي مع الوسط الرسمي.
-نسق عالم "أسرار باريس"
يقول شيليغا: إن عالم الأسرار هذا، هو الآن نسق العالم بشكل عام، حيث تم تعيين الفعل الفردي "لأسرار باريس"
ونسق العالم العام هذا، ليس، في الواقع، سوى العالم البورجوازي بجميع "اسراره"؛ النظام البورجوازي وتوسطاته الثلاثة الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية. إنها البرازخ الثلاثة للنظام (النسق) البورجوازي الحديث.
يقول ماركس: إن السيد شيليغا، قبل ان ينتقل إلى "التصور الفلسفي" للحوادث الملحمية، يجد نفسه مضطراً لأن يرسم لوحة إجمالية للمخططات العامة الافرادية التي وضعها لتوه على الورق. إذاً قبل أن يرصد حركة الجمهور الملحمية، عليه أن يُعيّن أدوار الافراد الذين ذكرهم على خارطته الفلسفية النظرية. إن السر النقدي هو الانتقال إلى "التصوّر الفلسفي" للحوادث الملحمية. إنه حتى الان قد اقتصر على "تصوّر فلسفي" لوضع العالم.
إن الملحمة الشعرية النقدية لشيليغا حول أبطال "أسرار باريس" تجعله ينتقل إلى التصور الفلسفي للحوادث الملحمية لأبطال الرواية.
لم يعد الشعر متمركزاً حول نفسه بشكل نرجسي، بل بات إنشاداً شعرياً طويلاً يُمجِّد الابطال ويشيد بدورهم القومي الجديد.
يقول شيليغا: "إن الاسرار الغريبة موضوع البحث لا قيمة لها باعتبارها معزولة بعضها عن بعض، وتكمن قيمتها في أنها تشكل مجموعة مترابطة عضوياً، تكوّن في مجموعها "السر"
"سر" نسق العالم البورجوازي.
ثم تهجم علية موجة اعتراف بأن "تسلسه النظري" ليس هو التسلسل الواقعي لـ "أسرار باريس". وهذا هو ملخص السيد شيليغا. إن السيد شيليغا يريد القول إن التسلسل الواقعي للظواهر لا يتطابق مع التسلسل النظري التأملي، وقد يسلك طريقاً معاكساً. وهذه خلاصة بحثه في أسرار باريس:
"من المسلم به، أنه في ملحمتنا، لا تنبجس الأسرار تبعاً لهذه المجموعة التي تعرف ذاتها [بثمن الكلفة؟]. إذ أننا لا نتعامل مع جهاز "النقد الحر" الذي يظهر منكشفاً، منطقياً، بل نتعامل مع وجود فعلي سري خامل"
Granted, the mysteries do not appear in our epic in the relationship of this self-knowing sequence [to cost prices?].… But
we are not dealing with the logical, obvious, free organism of
criticism, but with a mysterious vegetable existence. P.102
يقول ماركس: ولنصرف النظر عن ملخص السيد شيليغا، لكي نصل إلى النقطة التي يستخدمها كنقطة "انتقال". لقد رأينا في (بيبلييه) "السخرية-الذاتية للسر".
"إن السر وهو يسخر من ذاته، يحاكم ذاته. هكذا تفني الاسرار ذاتها في تعاقبها النهائي (عاقبتها)، وتدعو كل شخصية قوية الطبع أن تختبر نفسها باستقلال تام". وقد يذهب بنا الظن إلى أنها دعوة لبناء كادر سياسي من نمط اشتراكي تاريخي، لكن دعوة شيليغا موجهة أصلاً إلى السيد رودولف أمير جيرولستين، "رجل النقد الخالص". إن النقد يشيح بنظره عن المستقبل، وعن بناء الكوادر الاشتراكية، ناظراً بحنين رومانسي مؤثر نحو الماضي.