الهروب الى المجهول
بكر محي طه
الحوار المتمدن
-
العدد: 7403 - 2022 / 10 / 16 - 20:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
حالة من التشوش الفكري قد تصيب الانسان نتيجة عوامل واحداث محيطة تسبب تخبطاً في اتخاذ القرارات بما ينسجم عكسياً مع الاحداث الجارية، وان هذا الامر سيوصل الانسان الى دوامة مشاكل في محاولة منه لمعالجة المشكلة الاساس لكون واقع الامر هو يصنع مشاكل صغيرة تتفاقم فيما بعد لتضاهي المشكلة الام.
فالقدرة التفكيرية متباينة لدى الناس فمنهم من يصمد تحت اعتى الظروف والضغوط والمشاكل ومنهم يصل لحد معين من الصمود وبعدها ينهار والبعض الاخر منذ بداية المشكلة يفقد زمام الامور، وهذا يعود لعدة عوامل بيئية واجتماعية كون المجتمع مقسم الى عدة طبقات اجتماعية وان كل طبقة لها عاداتها وتقاليدها التي تميزها عن الاخرى الامر الذي سيقدم ردود الافعال عن الاحداث والمواضيع بشكل مختلف ومتباين.
فالانسان يسعى في المجمل الى الاتبعاد عن الضغوط النفسية والامور التي تسبب له قلقاً وتوتراً وهذا يدعوه الى البحث عن بدائل مؤقتة للتملص من الاوضاع الراهنة اما لكسب وقتٍ كافي للتفكير بحلول جذرية و حلول امر واقع، واما للبحث عن اناس اخرين لمساعدته في ايجاد الحلول كون خبرته قليلة في امر ما وهو معتمد عليهم بالاساس كطوق نجاة عندما تسوء الامور.
فمن المعروف ان اغلب البشر يصاب بشللٍ فكري مؤقت عندما يقع في مشكلة او يحصل له امر طارئ كونه يحتاج لوقت لكي يستوعب ما حدث، لانه الان يفكر بسيناريوهات عدة نتيجة هذا الطارئ وما سيلحقه من تبعات مالية واجتماعية وكذلك قانونية الامر الذي سيجعله في حالة شتات فكري يبحث من خلاله عن افضل سيناريو لترتيب الاحداث وربطها مع بعضها للخروج من الازمة بأقل الخسائر، وكلما شارك مشكلته مع شخص اخر مقرب منه سواء كان صديقاً او يوجد بينهم رابط عائلي للتفكير سوياً -من منطلق الشخص من خارج المشكلة يرى الصورة اوضح وتفاصيل اكثر من الشخص المعني بالمشكلة من جهة، ومن جهة اخرى فهو محط ثقة- الامر الذي يقلل توتره ويزيد مدى استيعابه للامر للخروج بحلول واقعية تتماشى مع الحدث.
وهذا يدفعنا نحو اهمية معرفة نمط النضوج الفكري والعقلي لكل انسان مهما كانت بيئته او مجتمعه او حتى مكانته الروحية، لاجل العمل على تطويره، فالعملية طردية بحتة اذ كلما زاد نضوج الفكر الانساني كلما قلت مشاكله والتي اذا ما توقفنا عندها لوجدنا بان اغلبها قشور مشاكل وليست مشاكل اساساً والتي تتمحور في الغالب حول العرق او اللون او الديانة والتي بدورها ستخلق مشاكل بدون هدف حقيقي او مبرر وقد تستمر لقرون، اما اثارها فقد تنعكس على اقتصاد المجتمع والذي ينجم عنه بطالة وتفكك ومشاكل مجتمعية تراكمية اخرى مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببعضها على المدى الطويل.
جيل بعد جيل سيتملص من المسؤولية ليرمي الكرة بملعب الجيل القادم من منطلق هم اوفر حظاً ولعله ستتوفر لهم ظروف افضل من الان لحل المشاكل الامر الذي سيترك الجيل القادم امام معضلة وتعجيز في حل الامور كون اغلبها مرتبط بعادات وتقاليد وتعاليم قديمة والاهم هو مدى تقبل الاجيال القديمة للتغيير والذي سيعتبره البعض انسلاخ من الاطار التقليدي وهدم للمثل المجتمعية اذا ما قوبل بالرفض (التام!) اساساً.
هذه المعوقات واثارها على الاجيال خلقت نوع من عدم الاستقرار والتشويش الفكري لدى اغلب الناس الامر الذي يدفعهم الى الهروب من المشاكل مهما كانت بسيطة في محاولة لتناسي المشكلة لكي تسقط وتنتهي بتقادم الوقت على حد تفكيرهم حيث ان الحياة ومشاكلها لاتعطي فرصة للوقوف على مشكلة محددة دونما اخرى لانها تصدم الانسان كل لحظة بمشكلة اكبر او اعقعد. وعليه فان قلة قليلة من الناس ستقف وستواجه مشاكلها بناءً على نضوج فكرها وعقلها ومدى تدبرهم لامور الحياة ومشاكلها المختلفة، وهذا ما يدعو الى التركيز على التعلم من الاخطاء القديمة والبحث عن حلول منطقية وواقعية تكون جاهزة في عقلنا لتدبر امور الحياة المختلفة بدل الهروب الى المجهول لنجد انفسنا محاصرين وعاجزين عن التفكير بسبب موقف او حدث معين.