بلا ضغائن فالامر لايستحق
بكر محي طه
الحوار المتمدن
-
العدد: 7243 - 2022 / 5 / 9 - 15:21
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
ان عدم المبالاة ونكران الذات في التواصل مع الاخرين اصبحت امرا رائجا اليوم فبعض البشر اصبحوا يتباهون بكثرة الناس التي يكرهونها او حتى يكرهوهم في اشارة الى الافضلية منهم او بسبب مشاكل عائلية قديمة انتقلت من الاجداد الى الابناء وثم الى الاحفاد وكانه مرض او ارث ينتقل بينهم وكالعادة الاسباب غير مقنعة للغاية وليست منطقية لان الاهم هو الكره حتى وان لم يعرف لماذا يكره ولماذا لم يتم اصلاح الامر على مدار كل هذه السنوات؟ فهل هو من العادات والتقاليد ونحن مجبرون على التعاطي معها دون النظر او حتى مجرد التفكير منطقيا فيها وطرح سؤال مهم لماذا نكره فلان او المجموعة الفلانية و العكس صحيح. ماذا لو كان الخطأ من طرفنا قديما او حتى من قبلنا اليوم او من الممكن من قبلهم، ولكن هذا ليس مهما بقدر من يبادر اولا في طوي الصفحة القديمة والبدء من جديد.
الحقد هو من يقتل الانسانية داخلنا، مهما بلغت الاسباب والدوافع فنحن نعيش اليوم موجة من التباعد الاجتماعي ليس بسبب الامراض وعلى راسها كورونا وانما بسبب انانية الحياة التي صنعاها بانفسنا حول العيش مع اناس لا نكن لهم سوى الكره وهم كذلك بالنسبة الينا فهم ليسوا غرباء ولانحن وانما افعالنا وتصرفاتنا هي الاغرب كونها ابعدتنا عن غريزة الانسان في حياة الجماعة الحديثة واعادتنا الى حياة الانسان القديم من جمع والصيد والاهم الخزن لاكبر كمية من المنافع متناسيا شبيهه الانسان لان الامر متعلق ببقاءه على قيد الحياة ورغبته بالعيش لاطول مدة ممكنة من منطلق البقاء للاقوى وان قتل واذى او البقاء للاذكى وان احتال وزيف. وهو مختصر ما نعيشه اليوم.
ومن لم يقبل بطوي صفحة الماضي فهو حر بالتاكيد لكن ليس حرا في اذيتنا او الانتقاص من انجازاتنا او من عوائلنا كونها خطا احمر غير مسموح بتجاوزه مهما بلغ الامر فكلنا نخطئ ولكن يجب ان نتعلم من اخطأنا لتجاوز المواقف والصعاب بحكمة اكبر وعقلانية اكثر بعيدا عن العواطف المزيفة او كما اسميها العواطف السوداء والتي تتلخص بكونها افكار صم حتى وان طبقت على ارض الواقع فهي لا تغني وتسمن والغرض منها ارضاء عقد قديمة بنيت من تراكمات شوائب وافكار مغلوطة سوداوية لاتؤدي الى اي نتيجة سوى اذى اكبر وتشويه للانسانية التي بداخلنا.
ان تاثير الكره والحقد بات لايشمل الافراد والاقرباء فقط داخل المجتمع الواحد فحسب بل حتى المجتمعات البشرية الكبيرة كالدول مثلا فهو لا ياتي بلحظة بل هو وليد من عدة تراكمات تجاه موضوع او فئة مجتمعية معينة ومثال ذلك ماشهده العالم قبل الحرب العالمية الثانية واثنائها من تحشيد للراي العام عرقيا ودينيا وجغرافيا (الحلفاء و المحور) اما بعد انتهاءها وما لحقها من اثار فهو كارثي اذ ظل الكره ساري المفعول ولم يرتحل بل تطور ليظهر لنا بشكل اخر الا وهو التعصب (الشرقي-الغربي) و (الديني- العقائدي) والذي اخذ يضرب في كل ارجاء العالم فنسي البشر بانهم يتنفسون الهواء عينه.
وما ساعد اكثر هو التنشئة الحديثة المغلوطة المبنية على توريث الحقد والكره من جيل الى اخر مع الاخذ بعين الاعتبار اجراء تغييرات بسيطة الهدف منها اجندة معينة سواء كانت دينية -وهي الاشهر والاكثر مقبولية- او سياسية او اجتماعية ففي النهاية هدفها واحد هو خلق حالة عدم استقرار داخل النفس البشرية تجاه قضية او حدث معين وهو ما يغذي التعصب والكره لكل ما هو خارج الاطار الموضوع والمعد مسبقا على اعتبار انه تشويه للقضية او قد يذهب البعض الى ابعد من ذلك بكثير و يتهم بالعمالة والتجسس والنهاية هنا معروفة (الموت!).
لذلك لابد من الاشارة الى ان المصالحة مع نفسك امر مهم جدا وتقبل عيوبك اياً كانت وتعمل على دراستها وتحويلها الى نقاط قوة بدل الهروب منها وكذلك التعامل بواقعية مع الظروف فلا شي يستحق كل هذا العداء والحقد سواء تجاه اشخاص او مجتمع او حتى دولة فالكل خاسر في نهاية المطاف وان الحياة قصيرة وليست جنة كما يصورها البعض فلا تقسوا على انفسكم، وعيشوا انسانيتكم كبشر متحضرين بلا ضغائن فالامر لا يستحق.