المرأة والحياة وجهان لعملة واحدة


بكر محي طه
الحوار المتمدن - العدد: 6833 - 2021 / 3 / 6 - 18:27
المحور: ملف يوم المرأة العالمي 2021: التصاعد المرعب في جرائم العنف الأسري في ظل تداعيات وباء كورونا وسبل مواجهتها     

لطالما كانت المرأة محط جدلٍ في المجتمعات وعلى مر التأريخ فبعضهم نصفها وان كان صورياً والبعض الاخر نكل بها وهم الابرز حضوراً، وفي الوقت الحاضر السينما والمسلسلات التجارية أخذت دوراً مهماً في عرض المرأة ضمن شرائح المجتمع المختلفة، لتعم الصورة النمطية للمرأة كونها اما لعوب أو مهمشة وهي الاكثر إنتشاراً واختزالاً لتبقى كذلك حتى في الحياة الواقعية لتبدأ مرحلة جديدة وهي التطبع بما تم مشاهدته وكأنه واقع حال وليس كأنه حالات فردية، مثلاً الخيانة تبرر بالاهمال والسرقة تبرر بالاحتياج ..الخ، والرادع هو العنف حتى يتوقف الامر ليكون عبرة للاخرين من مبدأ ثواب وعقاب ليكون واقعاً مقبولاً بشدة لدى الاغلب في زمن ضاعت فيه الاخلاق والقيم.
وان هذا التنميط المتعمد في الحياة والذي يمارس من قبل الرجال او حتى النساء ضد النساء انفسهم صار يمثل واقعاً مخيفاً كان موجود سابقاً لكن ازمة كورونا جعلته يظهر للعلن بكامل قوته وتفاصيله الخفية المتراكمة منذ سنوات طوال ولم يحرك احد ساكناً للحيلولة دون تفاقم الامور من منطلق العادات والتقاليد فالعنف اليوم بات يمثل اسهل الوسائل وافضلها في حل المشاكل وخاصة الاجتماعية منها، وبالتأكيد فان المرأة هي الخاسر الاكبر وخاصة في مجتمعنا الشرقي كون اغلب النساء ربات بيوت ولا تستطيع اعالة نفسها فكيف بأسرة واطفال ناهيك عن العيب والعار من مسألة الطلاق وما بعده حيث ستكون لقمة سائغة بنظر المجتمع، الامر الذي يحتم عليها الصبر على المعاملة السيئة والضرب والتعنيف وغيره كون لا يوجد مفر وهو امر مفرغ منه وعليها التحمل لأجل الاولاد وحتى لا تهدم بيتها بيدها!.
اي ان الامر كله مرتبط بالمرأة من اسرة واطفال وعناية واستقرار وهو اعتراف اجتماعي بذلك لكن للاسف من ناحية الحقوق فهي حبر على ورق وان اغلب القوانيين لاتخدم موقفها على العكس تكون ضدها فمثلا الحضانة بمجرد الطلاق 80 % تذهب للرجل وهو امر صعب على المرأة بان تترك اطفالها وهم بأشد الحاجة اليها، كذلك النفقة حتى وان قضت المحكمة لصالحها فمن يقول بان الرجل سيلتزم بالدفع متحججاً بعدم توفر الاموال.. الخ، وما فاقم الامور خلال السنوات الاخيرة هي الحروب والنزوح والعنف المتعمد ضد فئات محددة من النساء والتي لم تأخذ حقوقها الى الان.
اما اليوم فقد جاء فايروس كورونا ليكون سبباً اخر للعنف الاسري وخاصة من الشريك في ظل الحجر المنزلي وغالباً ما يتزايد العنف ضد المرأة أثناء حالات الطوارئ الصحية مثل جائحة كورونا بحسب تقارير رسمية، كما وتشير تقارير أخرى إلى انخفاض عدد الناجيات اللاتي يلتمسن الخدمات الصحية بسبب تدابير حظر الخروج، وعدم الرغبة في الذهاب خوفاً من العدوى.
ومن جانب آخر فقد انتشر بالاونة الاخير مشاركة الاخبار الاجتماعية - الاسرية كونها ذات صدى واسع على مواقع التواصل الاجتماعي والتي من شأنها تتناول على وجه الخصوص العنف الاسري سواء تعنيف الاطفال او النساء وهو امر بديهي روتيني في مجتمعنا الشرقي ولكن الاكثر تداولاً هو تعنيف الرجال!، فلا يكاد يمر يوماً الا وانتشر خبراً مفاده "امرأة ضربت زوجها بفأس" او "امرأة حرقت زوجها وهو نائم" او "امرأة ضربت زوجها بسكين" وغيرها من الاخبار والتي تنتشر كما تنتشر النار في الهشيم، وكالعادة التنمر والاستهزاء سيدا الموقف من المجتمع، ابرزها الدعوات الى حماية الرجل لنفسه مع صورة لاحدهم وهو يرتدي أواني فافون منزلي لحماية نفسه.
وبالتأكيد ليس هنالك مايدفع المرأة الى فعل هكذا امور من فراغ، وانما من الضغط والاهانة والتهميش والاهم هو الخيانة الغير مبررة وخاصة ان كانت غير مقصرة بشيء مع الشريك، فجائحة كورونا برغم سلبياتها الا انها سلطت الاضواء اكثر على ما تعانيه الاسر في مجتمعنا في الخفاء ولا يتم الكلام عنه من منطلق البيوت اسرار، ليكشف الزيف والسطحية المقيتة في التعامل مع المرأة والاسرة على حدٍ سواء في مجتمع يدعي المثالية والكمال وتكريم المرأة بوصفها نصف المجتمع صورياً طبعاً، ليبقى التصاعد في جرائم العنف الاسري مستمراً حتى بعد زوال الجائحة كونه لا توجد حلول جذرية تتلخص بتحمل المسؤولية من قبل المعنيين بالامر وانما مجرد اصدار تصريحات ومؤتمرات وقوانيين لاتقدم ولا تؤخر.
اما عن سبل مواجهة جرائم العنف الأسري المرعبة في ظل تداعيات وباء كورونا كجهد شخصي ومسؤولية فردية للحد من الاضرار والخسائر الجسدية والنفسية، فبالامكان اتباع مايأتي:
1- المفيد التواصل مع عائلتك وأصدقائك لطلب الدعم منهم عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية، وما إلى ذلك.
2- وضع خطة تضمن السلامة في حال تصاعد العنف ضدك أو ضد أطفالك. ويتضمن ذلك تحديد جار، أو صديق، أو قريب، أو زميل.
3- وضع خطة لكيفية الخروج من المنزل بأمان في حال احتجتِ إلى مغادرته على الفور الى مأوى للحفاظ على سلامتك.
4- الحرص على توافر بعض الأشياء الأساسية مثل وثائق الهوية والهاتف والأموال والأدوية والملابس.
5- الاحتفاظ بقائمة أرقام هواتف في حالة الطوارئ. وإن أمكن الاتفاق مع أحد الجيران الموثوق بهم بحيث يمكنه الوصول إليكِ لمد يد العون في حالة الطوارئ.
6- الحرص على الحد من مصادر الإجهاد والتوتر قدر الإمكان.
7- تخصيص وقت للنشاط البدني وممارسة تمارين الاسترخاء مثل التنفس البطيء، والتأمُّل، والاسترخاء التدريجي للعضلات لتخفيف حدة الأفكار والمشاعر المجهِدة.
8- المشاركة في الأنشطة التي ساعدتكِ في الماضي على التعامل مع الشدائد.
9- إلتماس المعلومات المتعلقة بمرض كوفيد-19 من مصادر موثوق بها، مع تقليل الوقت المستغرَق في متابعة الأخبار على سبيل المثال، مرة إلى مرتين في اليوم، بدلاً من المتابعة كل ساعة.
ومن خلال ما تقدم يمكن القول بأنه مجرد رد فعل شخصي لتجنب الاضرار الكبيرة والحفاظ على مايمكن الحفاظ عليه، لكن يبقى الجهد المجتمعي هو الاساس لدرء المشكلة المتعلقة بالعنف الاسري وليس الاكتفاء بسن القوانيين وانما الحرص على تنفيذها وتشكيل لجانٍ وتنسيقيات لمتابعة ما بعد التنفيذ لضمان سلامة المعنفين وسير حياتهم بأمان، وكذلك التوعية بضرورة ايقاف العنف الاسري والحد منه والبحث عن طرق اخرى لحل المشاكل الاسرية بعيداً عن التزمت والتعند.
وفي المحصلة النهائية يمكن القول بان المرأة ليست مجرد نصف المجتمع وانما هي روحه واساسه، فالمرأة والحياة وجهان لعملة واحدة.