ثقة الإنسان بقدراتهِ الكامنة تحقق إنجازهُ العملي


بكر محي طه
الحوار المتمدن - العدد: 6932 - 2021 / 6 / 18 - 17:23
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

لطالما كان الاعتقاد السائد بان العمل لا يتم الا بتظافر جهود الفريق او حتى مجموعة اشخاصٍ بدل الاعمال الفردية والتي غالباً ما تنتهي بالفشل، فالحاجات البشرية هي تلك الرغبة والإحساس الذي يشعر به الفرد من أجل إشباعها وتتصف الحاجة البشرية بأنها متعددة ومتنوعة ومتزايدة ولانهائية ويترتب على عدم إشباعها إحساس الفرد بالألم والحرمان.
وتختلف أنماط توزيع الموارد من شخص لأخر كلا حسب ميوله ورغباته الشخصية وامكانياته والموارد المتاحة لديه والاهمية النسبية لتفضيلاته المختلفة كونها تبرز جوانب بشرية متعددة، فقد يفضل بعض الاشخاص تخصيص نسبة أكبر من دخله للانفاق على الغذاء ونسبة أقل للانفاق على الملابس مثلا، بينما يفضل البعض الاخر الانفاق على الكتب العلمية بنسبة أكبر من انفاقه على الملابس وكذلك يختلف نمط توزيع الموارد على الحاجات الإنسانية في المجتمعات الغنية عنه في المجتمعات أو الشعوب الفقيرة.
اما عن اهم العوامل المحددة للحاجات الإنسانية فهي (الغريزة البشرية- التطور التقني- العادات الاجتماعية والمستوى الثقافي)
فالحاجات الإنسانية نوعين الاول الحاجات الأساسية كالمأكل والمشرب والمسكن والملبس والامن، اما النوع الثاني الحاجات المكتسبة وهي التي تظهر نتيجة للتطور الفكري والاجتماعي والحضاري للفرد مثل؛ حاجته إلى اقتناء السلع الاستهلاكية وحاجته إلى التعليم والثقافة ورغبته في الاستمتاع بأوقات الفراغ، وبرغم ذلك لا زال ما نـعـرفـه الـيـوم عـن الإنـسـان مـحـدوداً جداً كونه يحتاج الى وقت وجهد اكبر لتحليل انماطه وافكارة المتجددة بفضل العقلية الفكرية التي يملكها والتي تتمتع بالبحث المستمر عن التطور وأليات تنفيذه على ارض الواقع.
ففي الماضي، جرت عدة محاولات لمعرفة الشخصية بالنظر إلى محيط العمل، ومن بين هذه الاختبارات ما يعرف بمقياس "مايرز-بريغز" للشخصية، الذي يصنف الأشخاص على أساس أنماط التفكير، ما بين الانطوائي والانبساطي والعقلاني والوجداني إلا ان خبراء نفسيون كثر يعتقدون أن النظرية التي يقوم عليها هذا الاختبار لم تعد صالحة، ولا تتماشى بالضرورة مع القياسات الفعلية للنجاح، كونها تفتقر الى المستوى الأوسع في رصد النجاح والتعرف على الشخصيات عالية الأداء.
ويُشار إلى أنه لتحقيق نجاح معين لابد من توافر سمات فكرية بدرجة معينة دون زيادة أو نقصان، كما وان توافر بعضها أهم لبعض الوظائف مقارنة بأخرى، فالعمل في المجالات التقنية مثلا يتطلب توافر بعضها بدرجة أعلى من الاخرى لانها تتطلب مجهوداً فكري اكبر تؤهل صاحبها للنجاح.
فهنالك سمات ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالنجاح على صعيد العمل، اهمها:
1- القدرة على التكيف:
أن الشخوص ذو القدرة الأفضل على التكيف يمكنهم التعامل أفضل مع القلق، والتصرف بسهولة تحت الضغوط دون أن يؤثر ذلك على قدرتهم على اتخاذ القرار، في حين يجعل الافتقار للتكيف المرء بأسوأ أداء في العمل، فالنظر للصعاب كفرص للتقدم بدلا من النظر إليها كمعضلات يساعد المرء في تحقيق نتائج أفضل.
2- تقبل الأمور المبهمة:
أن القادرين على التعامل بشكل أفضل مع نقص المعطيات يكونون أكثر قدرة على استيعاب وجهات نظر أكثر قبل اتخاذ القرارات، ما يجعلهم أقل تصلباً وأكثر قبولاً لاختلاف الرأي، أما الشخص الأكثر تقبلا لعدم وضوح الصورة بالكامل، فيسهل عليه التجاوب مع التغيير، من قبيل تغير المناخ الاقتصادي، أو ظهور تقنية جديدة، ويسهل عليه كذلك تناول القضايا المعقدة ذات الأوجه المتعددة.
ومن جانب اخر فان الافتقار إلى تلك السمة لا يعيق الشخص مهنياً فبعض الوظائف - كالمجالات التنظيمية - تتطلب توجها أكثر صرامة، والعمل على توحيد الاختلافات.
3- دقة التفاصيل:
يتسم من يتحلون بتلك الصفة بالالتزام بالخطط والعمل على تطبيقها تطبيقا حرفيا، فهم غير مندفعين، ويقيِّمون بدقة القرارات لمعرفة الصائب منها على المدى البعيد.
وناهيك عن مستوى الذكاء المرتفع، فعادة ما تعتبر صفة الدقة من أفضل المحددات للنجاح الأكاديمي. أما في سوق العمل، فتعد الدقة والتقيد بالتفاصيل أمرا أساسيا للتخطيط الاستراتيجي الجيد. لكن الإفراط في تلك الصفة يجعل صاحبها متصلبا، ومفتقرا إلى المرونة.
4- الشغف بالمعرفة:
ويكون الشخص أكثر إبداعاً ومرونة فيها فيما يتعلق بالوسائل التي يتبناها لاستقاء المعرفة، ما يُشعِره برضا أكثر بالإنجاز، ويحميه من خطر استنفاد الطاقة والتوقف عن العمل.
5- الاستعداد للمجازفة:
أن القدرة على التعامل مع المواقف الصعبة أمر حيوي لنجاح الإدارة، فكثيراً ما يتطلب الأمر القيام بخطوة ما برغم مجابهة الرفض أو المعارضة لتلك الخطوة.
6- المنافسة سعياً وراء الأفضل:
الرغبة في المنافسة في صورتها الحسنة تدفع بصاحبها بقوة نحو المقدمة، لكن المنافسة في صورتها السيئة تدمر العمل بالكامل، اذ ان هناك خيطاً رفيع بين السعي الحثيث وراء النجاح، والغيرة من منجزات الآخرين ومحاولة التقليل من شأنها او تخريبها.
وعليه فان تلك السمات او الخصائص تشكل مفهوم النجاح في العمل، وتساعد على اختيار الأفضل للعمل، و هناك صفات أخرى كالانبساط والانطواء كونها تساعد أيضا على تحديد الشخص الأفضل للتعامل مع مواقف اجتماعية معينة، كون ذلك يعزز الأداء الوظيفي.
فقد وجد أن سمتي المنافسة وتقبل الأمور المبهمة كانتا الأقرب لأصحاب الدخول الأعلى، بينما من يتمتعون بالأمانة والتدقيق أكثر رضا عن أنفسهم من رضاهم بقيمة الدخل، وهنالك مساحة مشتركة بين الاثنين من خلال العلاقة ما بين تلك السمات ومقياس الذكاء والذي يعد أيضاً مؤشراً مهماً على النجاح في العمل، وقد تكون أيضا دافعا لتطوير الانسان لقدراته من خلال معرفة مواطن قوته وضعفه، وتطويعها بأفضل صورة.
ومن النادر ان يحقق أحد السمات الست دون أن يميل لجهة أخرى، وهنا تكمن الفائدة في وجود زملاء العمل حتى يساعدون على إحداث التوازن. ورغم أن المرء يتهيب العمل مع شخص كهذا، إلا أنه لا يمكن إغفال الفائدة الجمة لوجود هؤلاء الأشخاص بيننا، إذ يمكن معهم توقع النتائج توقعا دقيقا، والثقة بهم وبقدراتهم الجديرة بالاحترام فمثلا العلماء او المخترعين يعملون اغلب الوقت بمفردهم ليدهشوا العالم بمنتج أو ألة معينة.
وفي المحصلة النهائية فأن تلك السمات هي سمات أساسية للشخصية صاحبة الإنجاز، لكن الإفراط في تلك الخصال قد يأتي بأثر عكسي. والسر وراء النجاح يكمن في معرفة الإنسان بقدراته قياساً على تلك الصفات، والاستفادة من قوته، وتلافي نقاط ضعفه، عندها يمكن أن يخطو واثقا بنجاحه في حياته العملية.