الإنتِحار.. خِيارٌ أم إجبار؟
بكر محي طه
الحوار المتمدن
-
العدد: 7304 - 2022 / 7 / 9 - 23:49
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
تشهد الصحف والمحطات المتلفزة يوميا على الكثير من حالات الانتحار فبعضها يكتب له النجاح للاسف والاخر يفشل لحسن الحظ، ودائما مايتم التركيز على هامش الاسباب وليس على جوهرها اي ان تؤخذ قشور المواضيع وتصبح مادة للسخرية و النقد الغير بناء وكأن المنتحر كان مشاركاً في مرثون للركض وخسره وليس كمن خسر حياته والتي لن يستطيع اعادتها مطلقا او حتى محاولته الفاشلة في انهاء حياته وكأن الامر للبعض مجرد قرار اتخذ بدافع التسلية والمرح وليس بدافع التخلص من مشكلة اعمق واكبر.
الانتحار اصبح يمثل ظاهرة اجتماعية خطيرة تطغى على المجتمعات الفقيرة وخاصة بعض مجتمعات الشرق الاوسط التي تعاني سلفاً من مشاكل اقتصادية واجتماعية بسبب الحروب والنزاعات السياسية مما يدفع نسبة كبيرة من سكانها الى التفكير بالانتحار للخلاص من العذاب النفسي والمشقة الحياتية التي لحقت بهم حيث لا توجد حلول جذرية او حتى محاولات حقيقية من اصحاب القرار في السلطة للحيلولة دون وضع الناس في مثل هكذا قرار صعب ومهين للانسانية والاكتفاء بالتصريحات الرنانة والوعود الزائفة مما يدفع البعض الى الهجرة الى بلدان اخرى للبحث عن حياة كريمة او الموت -وهم يحاولون على الاقل- في البحار والغابات او بسبب عصابات التهريب المُتاجرة بالبشر.
ان اليأس هو العامل الاساس للانتحار لانه يعتبر الملجأ الاخير لبعض الناس كونه سبيل اخر للخروج من ازمة نفسية حادة تجعل عقل الانسان ضعيف ومشلول غير قادر على التفكير بحلول منطقية متجهاً نحو العاطفة السوداء والمشاعر الصم ومثال ذلك فتاة او امرأة وقعت ضحية ابتزاز من قبل احد ضعاف النفوس ممن وجد فيها لقمة هينة بعد ان اوقعها في شباك الارتباط الرسمي في الوقت المناسب!. فأي فرصة امامها وخاصة انها تعيش في مجتمع سيكون ضدها بالدرجة الاساس وبدون ادنى شك فبالتأكيد انها ستذهب صوب الانتحار تفادياً للفضيحة والعار الاجتماعي، كذلك ضغط العائلة على ابنائهم بسبب الزواج من شخص لايرغبون به او حتى نيل علامات دراسية مرتفعة -للتباهي- في مرحلة دراسية ما سيضعهم في حالة اكتئاب حاد يدفعهم الى الانتحار.
اما السبب الاكثر روجاً الذي يدفع للانتحار هو نشر خصوصيات الناس كمادة للتنمر والضحك والاستهزاء، سواءً على مواقع التواصل الاجتماعي كونها اكثر خصوبة في الانتشار او في بيئة معينة مثلا بيئة العمل او ضمن حدود المنطقة السكنية والشارع الذي يقطنه الضحية.
ان الانتحار لم يعد ظاهرة او حالة مرضية مجردة بقدر ما هو مشكلة تهدد البشرية مستقبلاً لذلك تحتاج الى فهم وتعمق اكثر من ذي قبل لان العالم تغيرت ملامحه ولم يعد يهتم بالمشاعر والاحاسيس البشرية بقدر اهتمامه بالموضة و الربح الوفير و حياة الرفاهية من منطلق الحياة قصيرة ولا تستحق ان نضيع وقتنا بأمور لم تعد تغني او تسمن.. فالمظهر الخارجي المنمق والسطحية الفكرية هو ما يميز عصرنا الحالي فلم يعد الناس يهتمون بالانتاج او الزراعة او اي منجز يذكر ولا حتى القائمين عليه بقدر اهتمامهم بالاستهلاك الاستنزافي للموارد غير مكترثين بالاجيال القادمة وما الذي سينتظرهم من صعوبات ومعوقات اقتصادية واجتماعية وحتى جغرافية وبيئة وهي الاهم.
امور بمُجملها تصب بمصلحة ازدياد حالات الانتحار بسبب المستقبل المجهول وعدم الاستقرار الاقتصادي لبعض الناس، الامر الذي يدفعنا الى التمعن بجدية اكثر للتعامل مع الانتحار كونه مشكلة اجتماعية لابد من الوقوف بوجهها وهذا الامر يتطلب تظافر الجهود البشرية والعلمية والطبية على حدٍ سواء.
وفيما يلي بعضٍ من المقترحات الواجب اتباعها للحد من ظاهرة الانتحار مع الاخذ بعين الاعتبار امكانية تغييرها او التعديل عليها وفق ما يتماشى مع البيئة والمجتمع المستهدف:
1- التفاهم / وهو العنصر الاساس ومفتاح لكل المشاكل.. كونه يمسك اول طرف من المشكلة لغرض الخوض فيها ومعرفة اسبابها لوضع الحلول المناسبة لها.
2- عدم المقارنة / اكثر ما يدمر الانسان هو مقارنته مع اخر وان عليه ان يكون نسخة كوبي طبق الاصل عنه على اعتبار انه ناجح ومجتهد وخاصة في مجال الدراسة والشهادة، اما الاجدر فهو ان يكون لكل انسان بصمة ومنجز خاص به يفخر به.
3- عدم الاجبار / من الامور الشائعة هو اجبار النساء على الزواج سواء من قريب لها او من يملك اعلى سعر مع عدم الاكتراث هل هي جاهزة لهذه المسؤولية؟ هل هناك توافق فكري او حتى عمري بينهم؟ فالكثير من النساء أما تنتحر و أما تهرب الى مصير مجهول، فمن المفترض ان يكون الزواج والارتباط قائم على تفاهم الطرفان كونه يربط مصيرهما معاً ولايمكن بناء سعادة احدهم على الاخر وهذا الامر يتطلب قوانين وتشريعات اكثر ردعاً وخاصة في زواج القاصرات.
4- التوعية السليمة / لابد من التوجه نحو توعية شاملة للمجتمع بأهمية مواجهة خطر الانتحار على انه واجب انساني - وطني يخص الجميع وان تكاتف الجهود سيعمل على اندثارها بدل انتشارها، وهنا الامر لايقتصر على الدولة فحسب بل حتى منظمات المجتمع المدني وهي الاهم كونها ستكون اقرب بايصال الافكار الموجزة للناس من خلال الندوات التثقيفية والورش والاهم فتح عيادات تخصصية تعمل 24 ساعة وفق نظام الشفتات الغاية منها الاستماع للناس وفق حلقات حضورية ومحاولة التهوين عنهم بسبب ضغوط الحياة المختلفة عليهم والاستماع الى اكبر قدر من المقترحات النابعة منهم كونها اكثر ملامسة لواقعهم اليومي.
5- قوانين رادعة / البعض يذهب باتجاه الانتحار بسبب التنمر او الفضيحة من جراء نشر صور ومواضيع خاصة من قبل اشخاص اخرين بهدف الاذلال والاستهزاء الامر الذي يتطلب وجود قوانيين وتشريعات رادعة ضد من يقوم بمثل هكذا امور لانصاف الضحية كونها تتسبب بحالات انتحار كثيرة وخاصة في مجتمعنا الشرقي الذي تعد مسألة الانتحار سمة ملاصقة له كونه مازال يعتمد التقاليد والعادات القديمة في حل امور عصرية ابرزها ( القتل بدافع غسل العار) بدل التوجه للقانون ليكون الفيصل الاخير بمثل هكذا مواضيع.
6- نشر ثقافة الاهتمام / من المهم جدا التأكيد على التواصل الاجتماعي الايجابي بين الناس والذي يهدف بالدرجة الاولى الى نشر المشاعر والاحاسيس الايجابية كونها اللبنة الاساس في تقوية العلاقات الانسانية ومعرفة الاخرين وافكارهم وتطلعاتهم بشكل اقرب والاهم تقبلهم بكل عيوبهم ومحاسنهم إذ لا يخلو البشر من العيوب والنواقص وهو ما يجعلنا نكمل بعضنا البعض لا ننتقص ونستهزء ببعضنا.. ليكون الانتحار محصوراً بحالات فردية بحتة لا ثفافة مجتمعية مغلوطة قائمة على انه خيار.