أساطير خلق الكون و البشر


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 8003 - 2024 / 6 / 9 - 07:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

لم أكن في مصر يوم 9 و 10 يونيو 1967 .. كنت مأسورا لدى العدو ..و لكن عندما عدت ..و سمعت من الذين خرجوا للشارع يرفضون تنحي عبد الناصر بعد الهزيمة .. صدقتهم .. لقد كان سلوكي أنا المهزوم ..المهدد حياته ..المحبط .. الحزين .. لا يختلف عنهم .. لقد دافعت بحماس عنه أمام العدو عندما سألني أحد ضباطهم .. في اول يوم للأسر .. هل تحبه الأن .
عبد الناصر لم يكن حاكما أو رئيس جمهورية مثل الذين تبعوه ..لقد كان (طوطم ).. علم ..كائن غير عادى يحمل له الناس قدرا كبيرا من الإحترام.. إلتفوا حوله.. مؤمنين بمعجزاته كما لو كان (شامان ) سيحميهم و سيمنحهم الخير..و سيدافع عنهم ضد الأغراب .
.(طوطم ) مهتم بفقيرهم و مريضهم و بالصغير و الكبير و المسن .قادم من ذاكرة الاف السنين .. عندما كان لكل قرية من يحميها من الكائنات المقدسة ... يجرى الإنتصار بإسمة .. و يلتف حوله الناس عند هزيمتهم . طلبا للتعافي و الثأر .
ناس 9 و10 يونيو ..و الإلتفاف حول نعشة أثناء جنازته ..و تذكره بالخير في هذا الزمن الأغبر الذى نعيشة .. لا يعني شيئا غير أن المصريين تعاملوا معه كما يتعاملون مع أولياء الله الذين بنوا لهم المقامات في طول البلاد و عرضها يزورونها عند الضيق ..و الحزن ..و لا يطيقون أن يمسها أحدهم بضرر أو يستهين بها كائن مهما كان .
هذه هي مصر .. علي مر السنين .. لا تنسي أوزيريس أو أمحتب أو هيباتيا أو مار جرجس او السيد البدوى أو عبد الناصر
يقول العارفون منا .. أنه خلال عشرة الاف سنة سابقة ( عمر حضارة البشر العاقل علي الأرض ) كان الناس يتداولون فيما بينهم بإيمان و إقتناع ..أن هناك كائنا مقدسا (لديهم ) أوجد نفسة بنفسه ثم خلق الكون من الفراغ أو المياة أومن جسد كائن أسطورى .... و كان تصورهم عن هذا الكون الذى أوجده أنه محدود في الأرض التي يعيشون عليها و مايحيطها من بلاد.. و بحار متصلة بالبحر العلوى (السماء ) الذى تبحر فيه يوميا الشمس و القمر و النجوم ..تشرق في ميلاد جديد و تغرب مع نهاية وجودها
الشعوب التي عاشت علي الأرض في ذلك الوقت .. لم تكن بدون حضارة .. لقد كان لديها فنا جميلا تجدة مرسوما علي جدران الكهوف والأواني الفخار و أدوات الإستخدام اليومي و الحلي ..فنا إستهوى عند إكتشافه فنانين مثل جوجان..و موندلياني و بيكاسو و نحاتين مثل زاداكين و هنرى مور فقلدوه ..و أبدعوا فنا مماثلا
قارن بينهما مستر (شارل و نتينك) بكتاب ((Modern and Primitive Art))..
تلك الشعوب كان لديها أيضا اساطير لا تعد و لا تحصي يتداولوها بينهم..هي قطع فنية بديعة من الأدب السريالي بمقاييس اليوم إذا ما أسقطت عنها أثواب القداسة تجدها لا تبعد كثيرا عن الأداب الكلاسيكية و الأساطير الإغريقية و الرومانية و المصرية ..
إخترت مجموعة منها لخصتها ..وأرجو ألا أكون قد أضعت سحرها فلنعتبرها برومو(Promo ) لدراسة طويلة .. قد يقوم بها البعض لمعرفة أفضل
في البدء ، لم يكن هناك من شيء سوى العدم ، لا الإنسان ولا الحيوان ولا النبات ولا السماء ، لا شيء .. عدا الرب .الثلاثة الذين يكونون الرب ندعوهم زيم وميبر و كوا ( Nzame وmebere وNkwa )
ولقد خلق زيم في البداية الأرض والسماء وحجز السماء لنفسه ثم نفخ على الأرض فخلق الماء واليابسة بعضاً إلى جانب بعض.
خلق زيم السماء ، والأرض ، الشمس ،القمر ، النجوم ، الحيوانات. وعندما انتهى من كل شيء نراه اليوم استدعى ميبر وكوا Mebere وNkwa وأراهما عمله،
قال ((هذا هو عملي ، أتريانه جيداً ؟))..فكان الرد (( نعم، لقد جئت بصنيع حسن))
فقال ((هل تبقى من شيء يمكن عمله ؟)).. فأجاب ميبر وكوا ((نرى حيوانات عديدة دون أن نرى قائداً لها ونباتات كثيرة دون أن نرى سيداً لها... ثم أشارا إلى الفيل والفهد والقرد كسادة لتلك الأشياء ، الفيل لانه يمتلك الحكمة ، و الفهد لأنه يمتلك القوة والمكر ، والقرد لانه يمتلك الخبث والليونة.))
ولكن زيم أراد أن يفعل ما هو أحسن من ذلك ، لذلك فقد عمد الثلاثة هو و ميبر و كوا إلى خلق كائن يشبههم إلى حد كبير أعطوه القوة و الحكمة و الجمال . ثم قال الثلاثة ..(( خذ الأرض . فأنت من الآن وصاعداً سيد كل الموجودات . وستكون لك مثلنا الحياة. وكل الأشياء تعود إليك .أنت السيد.))
أساطير إفريقيا السوداء عديدة ، جميلة و مسلية ما قدمته اعلاه جزء من واحدة تحكي في (الجابون )
حضارة الأزتيك و الأنكا والمايا في أمريكا ..أساطيرها عديدة أيضا و متنوعة إخترت منها .. أسطورة للمايا
((عندما كان العالم مجرد بحر وسماء فقط، التقت الآلهة السبعة، وعقدوا جلسة، بثوا من خلالها نورًأ ساطعا في الظلام الدامس. )) ثم توصلت الآلهة الى اتفاق جماعي .. عندها ((أرسل هوركان البرق وأنزل الرعد وقال كلمة ( الأرض) وعلى الفور ظهرت الأرض على سطح المياه.))..بمعني خلقت بالكلمات ( كن فيكون)
(( فكرت الآلهة أيضا بالجبال والسهول والمروج وبالمزروعات والتباتات، فانتصبت الجبال وبسطت المروج وغطت المزروعات الخضراء وجه الأرض. وقرر الجميع أنهم بحاجة الى كائنات حيّة من شتى الأنواع, كي تمجدهم وتقدرهم.)) .... (( في البداية خلقت العصافير، ثم الأفاعي والحيوانات الضارية.)) .. و((وضعت الآلهة لكل نوع من المخلوقات الحية لغة خاصة بها، وقررت أن تكون مسؤوليات الحيوانات حراسة النباتات والمزروعات.)).... (( بعد ذلك توجهت الآلهة الى الكائنات الحية وطالبتها بتمجيد وتسبيح خالقيهم مع ذكر أسمائهم... واستطاعت الحيوانات أن تزأر وتنعب وتسجع وتهدل، وأن تسقسق وتغرد وتنبح وتخور وتموء وتنعر.. فكان ضجيج الحيوانات مريعًا مما حدا (بتفاو) و(غوسومتس ) أن يطلبا منهم الهدوء وايقاف هذا الضجيج.))
لم تقر عيون الآلهة بفشلهم الذريع هذا وقررت خلق الإنسان الذي يعرف كيف يحترم الذين خلقوه. ((أخذت الآلهة بعض الطين وخلقت منه الإنسان. صحيح أن البشر استطاعوا التحرك والتنقل والتكلم والنظر إلى الأمام فقط, ولكن الآلهة لم ترض عن البشر لأنهم كانوا عديمي الإحساس والفهم, ولأنهم انحلّوا وتقوضوا بعد وقت وجيز من خلقهم.)) إستكمال الأسطورة أن الألهة أبادتهم و خلقوا خلقا جديد ا
تروي ملحمة «الإينوما إليش» قصة الخلق البابلية، (( تبدأ بامتزاج (أبسو)، الذي يمثل المياه العذبة، بـ(تيامات) التي تمثل المحيطات، ..ليخلقا آلهة شديدة الصخب، منهم (أيا) وإخوته، فينزعج أبسو ويهمُّ بقتلهم.. لكن تيامات ترفض وتحذره من نواياه ..
ثم يحدث العكس إذ يقتل (أيا) والدة و يصبح هو كبير الألهه ..و يتزوج أيا من (دامكينا) وينجبا (مردوخ)، الذي يوهَب الريح كي يلعب بها، فيستعملها لصنع عواصف ترابية وزوابع، ما يعكر صفو تيامات والآلهة المحيطة بها ويمنعها من النوم،
فتقنع تيامات الآلهة بالانتقام لزوجها أبسو، فيما ترجو ألهة الأخرى مردوخ بمواجهة تيامات فيتغلب عليها ويقتلها، ثم يشطر جسدها إلى قسمين، يصنع السماء من أحدهما والأرض من الآخر، ويخلق الإنسان من دماء (كنغو)، الزوج الثاني لتيامات.
تضم النظرية الهندوسية لبدء الخلق أساطير عدة، فيحكي أول نصوص (الريغ فيدا) عن وجود كائن ضخم يسمى (بوروشا)، له ألف رأس وعين وقدم. كان بوروشا يكتنف الأرض، ويمتد خارجها بما يعادل مسافة عشرة أصابع. وعندما ضحت الآلهة به، أنتج جسده زبدة نقية انبثقت منها الطيور والحيوانات...تحول بعض أجزاءه إلى عناصر العالم، وبعضها الآخر إلى الآلهة من بينها اكتسب الثالوث المكون من براهما (الخالق)، وفيشنو (الحافظ)، وشيفا (المدمرة) مكانة بارزة.
يولد براهما من زهرة لوتس نبتت من سُرَّة فيشنو في أثناء نومه، ويخلق الكون كي يستمر 4.32 مليار سنة، المدة التي تعادل يومًا واحدًا من أيام براهما، ثم يدمر شيفا الكون وتُعاد الدورة من جديد.
من بين قصص الخلق المختلفة التي انتشرت في الصين، كان أكثرها لفتًا للنظر قصة (بان كو)، الذي خُلق من بيضة كونية، شكلت نصف قشرتها العلوية السماء من فوقه ونصفها السفلي الأرض، وكان طوله يزداد كل يوم لمدة 18 ألف سنة، فإذا به يدفع القشرتين تدريجيًّا بعيدًا عن بعضهما حتى وصل كلاهما إلى مكانه. لكن بان كو، بعد أن بذل كل هذا الجهد، انهار إلى أجزاء صغيرة، لتصبح أطرافه جبالًا، ودمه أنهارًا، وأنفاسه رياحًا، وصوته رعدًا، وشكلت عيناه الشمس والقمر، فيما خُلق البشر من الطفيليات على جسده.ِ
أما في الزراديشتية ..ففي البداية، حاربت قوى الخير والحقيقة قوى الشر والأكاذيب حتى أنهكتها، ثم خلقت قوى الخير العالم من بيضة كونية، لكن قوى الشر استيقظت وحاولت تدمير الخلق، ونجحت في ذلك إلى حد كبير، حتى هربت البذرة التي نشأ منها الإنسان وأصبحت أكثر نقاءً، ثم عادت إلى الأرض في هيئة نبتة ، خالقةً أول رجل وامرأة، وفي الوقت نفسه، حُبست قوى الشر داخل كبسولة الخلق.
الديانة الإسكندنافية في البدء كان العدم، ثم بدأ هذا الفراغ في الامتلاء بالماء تدريجيًّا، الذي يتجمد بدوره ثم يذوب جزئيًّا.
ومن قطرات الماء المنصهر انبثق عملاق في هيئة إنسان يُدعى (يمير)، ومن إبطه وُلد عملاقان مثله، رجل وامرأة قادران على التكاثر بطرق تقليدية..
.في أثناء ذلك، تلعق إحدى البقرات الجليد المنصهر وتكشف عن عملاق آخر انحدر منه الإله (أودين)، ثم يقتل أودين وإخوته يمير العجوز، ومن لحم جسده يخلقون الأرض، ومن جمجمته السماوات، ومن دمه البحر، ومن عظامه الجبال، ومن شعره الأشجار...
يبني أودين مكانًا لنفسه وللآلهة الأخرى ليسكنوا فيه، ويصله بالأرض بجسر من قوس قزح، ويرتب الأمور بصورة تسمح لليرقات (المتمثلين في هيئة أقزام) بالبقاء في جثة يمير تحت سطح الأرض. أما فوق الأرض، فينفث أودين وزملاؤه الحياة في جذعي شجرة، ويخلقون منها (آسك) و(إمبلا)، أول زوجين من البشر
وضع الشعراء اليونانيون الأوائل روايات مختلفة لبداية الخلق، أشهرها قصيدة لـ(هيسيود). يقول فيها إن أول الآلهة خُلق من الفوضى،(العماء ) بما في ذلك غايا (الأم الأرض)، وخلقت غايا أورانوس، أي السماء، لتغطي نفسها، ثم خلقا معًا مجموعة غريبة من الآلهة والوحوش
كان للمصريين القدماءأيضا العديد من أساطير الخلق التي تبدأ جميعها بالمياه الأزلية (نو).. ثم جاء (أتوم) أول الأرباب الذي يقال إنه خلق نفسه بإرادته وقوة أفكاره. ومن نو انبثق تل ليقف عليه أتوم، ومن هناك خلق (شو) نتر الهواء، و زوجته (تنفوت) نترت الرطوبة اللذان أنجبا (جب) نتر الأرض، و(نوت) نترت السماء.و اللذان أنجبا (أوزريس و إيزيس و ست و نفتيس ) الألهه البشرية
لا اريد أن أطيل عليكم أكثر من هذا بذكر ما يؤمن به ناسنا من (اليهود والمسيحيين والمسلمين).. عن رواية. مذكورة في سِفر التكوين .. لانكم تعرفونها تفصيلا
و هكذا... فالإنسان المعاصر يصبح امامة معضلة ..إذا كانت تلك رؤية الأجداد فماذا سيحكي الأحفاد ردا علي الأسئلة الخالدة التي سبق و تداولها البشر.. عبر سنوات وعيهم