جد حضرتك كان شيخ منسر
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن
-
العدد: 8109 - 2024 / 9 / 23 - 08:53
المحور:
الفساد الإداري والمالي
لا تفخر كثيرا بكونك غني أبا عن جد ..فهذا دليل علي أنك لص سليل لصوص .. حضرتك أو السيد الوالد أو حضرة الجد كان (غير أمينا ) .. و إتبع طرقا غير قانونية في مراكمة الثروة ..و قد يكون رئيس عصابة سرقة أموال الدولة ..أو عضوا في مافيا ما .. أو يضارب في البورصة ..أو يتاجر في العملة أو يستغل نفوذه .. أو لا سمح الله معرصا بيشغل نسوان في الدعارة و الكباريهات .. أو بيتاجر في الحشيش و الأثار .. أو مطبلاتي للسلطة ..أو علي الأقل متهرب من الضرائب و بيزور مستندات ..أومتسلق يعرف من أين يؤكل الكتف و متجوز بنت واحد حرامي كبير.
فى يوليو 1961 قضت ( الثورة ) نهائيا على آخر معاقل ( الرأسمالية ) فى مصر . بتأميم البنوك وشركات التأمين والتجارة الخارجية والمقاولات وحصرت هذه الأنشطة فى إدارة القطاع العام .
ثم قامت بإنشاء خط دفاعى صلب لمنع عودتها بإصدار القوانين المنظمة لدور القطاع الخاص( الرأسمالية الوطنية ) فى العملية الاقتصادية ... وبقوانين الضرائب والجمارك أصبح هناك سدا منيعا أمام أى تراكم رأسمالى للأفراد ... وبأجهزة الرقابة المختلفة كان من الواضح أن الرأسمالية ( المستغلة ) لن يقوم لها قائمة بعد ذلك التاريخ .
...
بعد ستين سنة فقط من إصدار هذه القوانين.. كيف يصبح لدينا كل هؤلاء المليارديرات والمليونيرا ت.. الذين يتبجحون علينا و يعايروننا بفقرنا ..رغم أن معظم هذه القوانين لا زال سائدا لم يتغير .
لقد ألزمت الدولة نفسها بإيجاد عمل لكل مواطن ومسكن وطعام وملبس وفرصة تعليم ووسيلة ثقافة ورعاية صحية له... وفى حمايته من قوى العدوان الداخلية والخارجية.
فى تلك الأيام بدأ الدعم للسلع الرئيسية وبناء مئات المدارس والوحدات الصحية والمشروعات الإنتاجية ... وتم إنشاء مسارح الحكيم والقومي والطليعة والعرائس والأوركسترا السيمفوني وفرق الرقص الشعبى والباليه والدار القومية للطباعة والنشر ... وتقرر منح جوائز الدولة فى العلوم والفنون والآداب .. وانعكس ذلك على الأغنية والفيلم والمسرحية والكتاب والشعارات التى تمجد العمل وتعتبره حق وواجب وحياه والتى تتغنى بالاشتراكية والديموقراطية وتعتبرهما جناحا الحرية .. وتدعو للبناء والتصنيع وزراعة الأرض البور والكفاية والعدل .
فكيف أصبح لدينا كل هؤلاء الفقراء ..و المرضي و المحتاجين ..و كيف تدهور التعليم و الثقافة .. و تدنت أجهزة الإعلام ..و ضاعت القيم ..و أضبحنا هذا الشعب التعس المغلوب علي أمره
لقد تم طرد الاستعمار مرتين وشمخ المصرى بدور بلده الرائد المؤيد للحريات ... و آمن المواطنون ( عدا أعداء الثورة ) على حياتهم ولقمة عيشهم وتعليمهم وصحتهم ومستقبلهم .
فكيف اصبحنا توابع .. نخاف أن نقترب من نقد أفعال العدو الإسرائيلي و نبيع أرضنا و مؤسساتنا للعربان ملاك البترو دولار .. و نخضع لتعليمات صندوق النقد لا نخرج قيد أنمله عن أوامره .
الزراعة التى كانت يسيطر عليها الإقطاع من خلال ملكيته لمعظم الأراضى الزراعية أصبحت الدولة بقوانين للإصلاح الزراعى 1952 وما تلاها وقوانين العلاقة بين المالك والمستأجر هى المسيطر الرئيسى عليها من خلال أجهزتها الممثلة فى وزارة الإصلاح الزراعى والجمعيات التعاونية التى تشرف على الملكيات الصغيرة المفتتة تحدد نوعية المحصول وطريقة تسويقه وسعره وتمويل زراعته .
والصناعة بعد تأميم ممتلكات الأجانب فى 1956 وتكوين بدايات القطاع العام ممثلة فى المؤسسة الاقتصادية سيطرت عليها الدولة فى محاولة لتحقيق حلمها الطموح ( من الإبرة الى الصاروخ ) فأنشأت شركات قطاع عام للسماد والأسمنت والحديد وصناعة السيارة والطائرة والصاروخ ... وطورت الشركات القائمة فى غزل ونسج القطن وصناعة القماش والسكر والزيت تاركة هامشا ضيقا للقطاع الخاص يتمثل فى مجموعة من الورش الصغيرة التى يشرف على منتجاتها ويحدد أسعارها أجهزة الرقابة الحكومية .
والمقاولات التى كان عليها عبء إنشاء مبانى خطة الصناعة الطموحة ومبانى الخدمات والدور الحكومية والإسكان وشبكات الطرق والمياه والمجارى والكهرباء بالإضافة الى السد العالى والوادى الجديد تم تجميعها بعد تأميمها فى مؤسسات حكومية رقابية تشرف عليها ... توجهها ... توزع الأعمال بينها ... كذلك تم إنشاء جهاز رقابى يتبع وزارة الإسكان مهمته السماح لمقاولى التخصص بالعمل ضمن إطار خطة الإنشاء ويتأكد من أن كل شركة لم يتجاوز حجم عملها كمقاول باطن لشركات القطاع العام أو الحكومة الحد الأقصى وهو خمسون ألف جنيه سنويا .
والتجارة الخارجية تم حصر نشاطها بالكامل فى شركات القطاع العام والجمعيات التعاونية فيما عدا بعض فروعها فتركت للقطاع الخاص تحت إشراف أجهزة مراقبة الأسعار ووزارة التموين .
والخدمات كانت الحكومة تقدم أغلبها ... جميع أنواع النقل... نقل المياه .. المجارى الكهرباء – الطاقة – التليفونات التعليم.. الصحة.. الثقافة... الإسكان.. مع السماح بهامش ضيق للقطاع الخاص تشرف عليه لجان حكومية لتحديد الإيجارات .
فكيف اصبحنا لا ننتج إلا عمارات و أبراج فاخرة ..و مدن الحجرة فيها قيمتها ملايين الجنيهات ..و تقلصت الزراعة و توقفت الصناعة .. و أصبحنا نستوردكل إحتياجاتنا ليكون الميزان التجارى دائما .. ساقطا في إتجاه العجز .
فإذا أضفنا لذلك قوانين الضرائب التصاعدية والرسوم الجمركية العالية الخاصة بحماية الصناعة المحلية وقيود تحويل العملة.. وعضوية مجالس إدارة الشركات لمثلى العمال ... و إقرارات الثروة وتحديد الحد الأقصى لمكافآت ورواتب أعضاء مجالس الإدارات بخمسة آلاف جنيه ... فكيف قام للرأسمالية (المستغلة )قائمة بعد ذلك !!
الأمر بسيط ..
لقد بدأ استخدام الأموال المكتسبة من تجارة المخدرات والدعارة والبوتيكات والمضاربة بالعملة والأراضى ... فى إنشاء مجمعات زراعية ضخمة لتسمين العجول والدواجن وزراعة الزهور والنباتات الطبية ...وحدائق الفواكه واحتكرت عائلة أو اثنان هذه المنتجات فارتفعت أسعارها بشكل جنونى واستخدمت هذه الأموال فى الصناعات التجميعية والاستهلاكية كمصانع المياه الغازية والمربات والأثاث والأدوات الصحية والملابس والشامبو وكل ما تشاهد إعلاناته فى التليفزيون ...
واستخدمت هذه الأموال فى إقامة الإسكان الفاخر والمتوسط ... و أصبح تملك شقة هو السائد بعد أن كان الإيجار ... وشاهدنا المجمعات التجارية الضخمة ( السوبر ماركت ) والسلع المعمرة كالسيارات و أجهزة التكييف و أحدث موديلات وماركات الملابس والعطور ومهمات التزين والحلى ... واستخدمت هذه الأموال فى إنشاء المدارس الخاصة والمستشفيات السياحية بأسعار فوق طاقة غالبية الشعب .
لقد أصبح العصر الذهبى لكبار موظفى القطاع العام ... فالانفتاح جعلهم يستبدلون ماكيناتهم ويشترون قطع غيار جديدة ويشاركون شركات أجنبية وينشئون شبكات مياه ومجارى وكهرباء وتليفونات ... ويحصلون على عمولات ورشاوى ضخمة ... لقد أصبح العصر الذهبى لموردى هذه الآلات والمعدات من أقارب السلطويين ..
.
لقد أصبح العصر الذهبى للمضاربين على أسعار الأراضى المعدة للبناء . و لأصحاب الأعمال الاستشارية وللسماسرة ومكاتب التخديم ولبنوك الانفتاح ... والبلطجية والخارجون على القانون .
ومن الطبيعى أن تكون جميع هذه الأنشطة معفاة من الضرائب والا كيف أمكن لهؤلاء أن يراكموا ملايين الجنيهات .
وزادت سرعة التراكم ... لقد استنفذت الرأسمالية كل ما قدمته أمريكا وأوروبا و الخلايجة من معونات و قروض .. وكل ناتج البترول وقناة السويس وناتج العمل بالخارج
وهكذا استطاعت الرأسمالية أن تعدل نمط السلوك الى سلوك استهلاكى سلعى والقيم الى قيم الربح السريع والخطف والفردية ... والفن الى فن رخيص تجارى ساقط .. والمنافسة الى منافسة همجية وحشية .
..
واستطاعت الرأسمالية العالمية تصدير أزمتها الاقتصادية الى مصر بعد أن كانت محمية بأسوار عالية من قوانين الاشتراكية ...
وانخفضت قيمة الجنيه أكثر من مرة و أصبح له أكثر من سعر وارتفعت الأسعار مئات المرات .
لقد إستوردنا مرضا عضالا إسمه الراسمالية ..بدون ترياقه الحرية و الديموقراطية ..و ربطنا مقطورتنا بالقاطرة الأمريكية دون كوابح أو حماية للركاب .. فتكاثرت لدينا عصابات مافيا ..تنهب ..وتسرق و تسترزق و تتكسب و تسمسر .. في كل المجالات .. بالإضافة إلي من إختصروا الطريق و قاموا بطرق سبل الكسب السريع كبيع الأثار و المخدرات و الدعارة و العمل في الدكاكين السياسية المشبوهه أو التجارة في الدين و إستغلال النفوذ و أخذ الرشاوى .
مافيا بلدنا منتشرة في كل مفاصل حياتنا .. في حدها الأدني تتمثل في منادى السيارات بمنطقة مزدحمة الذى يفرض فئات مبالغ فيها علي المستخدمين .. أو الكاتب الجالس أمام الشهر العقارى أو قسم التراخيص يتصيد من يريدون إنهاء معاملاتهم بسرعة للنجاة من التزاحم و البطء .. والمهندس الذى يقدم مستندات البناء للجهات المختصة رغم كل المخالفات التي بها و يسعي لأخذ الموافقة عليها.بالرشووة أو إستغلال النفوذ . بالإضافة الي السماسرة المرافقين لحملات البلدية و النظافة و يقومون بإعادة البضائع المصادرة لاصحابها لقاء نسبة معينة والبلطجية الميرى داخل الأقسام و قطاع الطريق .
و المافيا في حدها الأعلي من يحتكر لسبب أو أخر السيطرة علي مؤسسات.. مثل البورصة .. و الصناديق المالية القديمة و الجديدة و يبيع وحدات القطاع الحكومي و العام .. أواراضي مصر المميزة .. أو توريد المواد ، العمالة ، المعدات ،الخدمات الفنية ، قطع الغيار أو الزيوت و الوقود لمؤسسات الحكومة .. يجرون مناقصات أو مزايدات شكلية ..تؤدى لحصوله ( بالقانون ) ظاهريا علي عقود بالملايين و قد تصل للمليارات .
بينهما .. نجد مورد الأنفار و جامعي الخردة و القمامة ومقاول الباطن الذى ينفذ بإستمرار أعمال تخصصية لجهه حكومية أو لمقاول قطاع عام بالأمر المباشر ..ومن يرشح الفنانين للمنتجين او لاعبي كرة القدم للاندية ..و مكاتب عمل دراسات الجدوى وتسهيل تمويل البنوك للمشاريع .. و مكاتب المحامين التي لها حيلها لتبرئة موكليها .. و مراجعين الحسابات الذين يعرفون كيف يتعاملون مع جهات الجباية .. و مخلص البضائع المستوردة من الجمارك ..و ما يشبهها من شركات توظيف الأموال العلنية و السرية و تجار العملة أوالأعضاء البشرية .. وكل من يبحث عن المكسب بطرق غير تقليدية
هذه المافيا تتداخل في نسيج الإنتاج والعمل للمجتمع و تنظم تعاون ( أو تتأمر ) مع المسئولين عن النشاط لضمان الإستمرار سواء بإتفاق واضح يقسم المحصول بينهم .. أو بإسلوب شيلني و أشيللك .. بحيث يستفيد كل من أعضاءها حسب درجته المفياوية .. وياخذ حسنته من يسمحون لهم بالتواجد حسب أهميتهم .
المافيا كما تحرص علي علاقات طيبة بالمسئولين تحرص في نفس الوقت .. ليخلو لها الجو تعربد كيفما شاءت ..علي إرهاب أو نفي أو تلويث سمعة أى عنصرجاد يعارضها أو يقف عقبة في تحقيق أهدافها ..أويتساءل أو يقوم بفضحها أو يطالب بالتصحيح و تطبيق القانون و اللوائح .
المافيا متواجدة بكثافة في بلدنا منذ إنفتاح السادات .. و لكنها في الزمن الحديث .. إزدهرت و توسعت .. و قويت .. و سيطرت ..و أخرجت العديد من المليارديرات .. و المليونيرات .. قد تعرفهم لو جمعت قطع (البازل) لترى الصورة كاملة إنهم يشبهون من تقبض عليهم الحكومة و تحاكمهم و تسجنهم بتهم الرشوة و التربح و إستغلال النفوذ .
نساء ورجال ملو بدلهم يسعون بيننا .. ينفقون ببذخ في الساحل و حفلات لوكاندات النجوم الخمسة ..و يركبون أفضل السيارات و يقومون بأغلي سفريات الحج ....وفي نفس الوقت يقتلون بسهولة حتي زوجاتهم أو عشيقاتهم .. و لا يهمهم غير مصلحتهم .. ففي النهاية عندما يقعوا.. و هم لن يقعوا ..فسيعيشون في سجون مجهزة فاخرة .. يديرون منها أعمالهم .. ثم يفرج عنهم بعفو أو أسباب صحية ..
. هل بعد ذلك يمكن أن يفخر أحدهم بأنه إبن فلان الفلاني الغني ..لا أعرف .. فالبجاحة أصبحت صفة سائدة مع هذا التدهور الإقتصادى و القيمي و الإنساني