الأن تنتهي مرحلة الستينيات في مصر


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 8104 - 2024 / 9 / 18 - 09:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الماركسيون يقولون أنه صراع طبقي يستقوى فيه أصحاب السلطة ..و الأموال و أدوات الإنتاج .. علي باقي الطيقات .. يستخدمون فيه القوانين ..و السجون و المعتقلات .. والسيطرةعلي لقمة العيش .. و نشر الخوف بواسطة أجهزة إعلام كاذبة مرتشية ..و لكن التراكمات الكمية البطيئة سوف تتحول إلي تغير نوعي سريع .. لتتغير القوانين التي تحكم المجتمع .
و الرأسماليون .. يبتسمون بخبث .. و يقولون أنها طبيعة التحول ..أن يتحمل ملايين البشر كل صنوف المعاناة .. بما في ذلك الجهل و المرض و الموت ..و أن بناء مجتمع جديد يقوم علي قدرة الغلابة علي التحمل ..و قدرة الأغنياء علي السيطرة . ..و هم يرون أن الرشوة و العمولات ..و الفساد ..و ظلم الناس يجب ألا ينظر لها من الناحية الأخلاقية .. بقدر ما تعتبر وسيلة شرعية للتراكم الراسمالي الذى سيخلق مجتمع الوفرة الجديد
رجال الدين المسيحي و الإسلامي .. يرون أنها إرادة السماء في توزيع الأرزاق ..و أنها (أى السماء )لا تظلم .. إذا أخذنا في الإعتبار نتيجة مجموع الحياتين الدنيا و الاخرة ..و أن الصبر في الأولي سيؤدى لنعيم الأخرة .
و أنا ارى أن من سوء الحظ أن تعيش في هذا المكان التعس في هذا الزمن النحس خائفا و عاجزا .. بعد أن إرتفعت موجات طوفان التحول الإقتصادى تغرق كل ما هو إنساني .. فيتخلي الناس عن التعاطف مع الأخر ليدور الحديث يوميا بينهم حول ((أنك لن تحمي من أحببت )) .فإنجو بنفسك .
ما يحدث حولي و أراه كل يوم .. أنه لا يوجد بين اصحاب السلطة من يشغل باله بالناس .. تعليمهم صحتهم منازلهم أكلهم .. حياتهم الإجتماعية والثقافية ..و الترفيهية
أن الكل يغرق ..الكل يستغيث ... حتي الذين يجلسون فوق تلال من الاموال التي لا تعرف كيف كسبوها في هذا الزمن القصير .. يعيشون في قلق أن تختفي بين غمضة عين و إنتباهتها ...فالغابة بها ضوارى أقوى منهم .
الرعب لا يفارق من يسقطون طبقيا .. اراقبهم فاجدهم في البداية يندهشون ثم يخافون ثم يستسلمون و هم يتسألون ماذا إرتكبنا من أخطاء .. لقد كنا مواطنين صالحين مطيعين
كنت اقرأ في كتب التحليل السياسي ..و الروايات عن زمن الجوع في الصين و روسيا القيصرية ..و اوروبا ..و مع الأزمة الإقتصادية في أمريكا ..وكنت أعجب عندما يصفون أيام الشدة المستنصرية حتي رأيت هذا الكم الهائل من الإحباط و الحزن و الصراع في الايام الغبرة التي نعيشها ..
الناس في حالة قلق و ترقب و بؤس .. لا تأمن علي حياتها و أكلها و سكنها ....في أى لحظة يهدم المنزل و ترمي في السجن لفترات غير محددة ....و تفصل من العمل ..و يسرقون ما تدخر و يخفضون قيمة العملة ..وتصبح فاقد الأهلية غير قادر علي المعارضة ..و كله بالقانون
الراسماليةالمتوحشة البدائية تسلحت بقوة السلطة و التحكم في لقمة العيش وبقوانين تم صياغتها بهدف إذلال معارضيها ..و السيطرة عليهم ..و تناست كل الإجراءات التي تحمي الطرف الاضعف التي تعيش عليها الدول ألأكثر تقدما تضمن بها حقوق الإنسان و حريته و قدرته علي العيش السعيد و الإنتاج ..
لقد إجتمعت علينا .. ديكتاتورية الأوليجاركية الحاكمة ..مع مشاكل التحول الرأسمالي فبركنا دون قيام
الناس تخاف عندما تذهب للطبيب أو المعمل أو المستشفي أو المدرسة أو السنتر .. أو عندما تشترى الملابس و الطعام أو أى وسيلة من وسائل الترفية فالفاتورة في الغالب خارج إمكانياتهم .
تخاف علي ما تملك من أدوات خسارة أى منها لا يمكن تعويضة أو عندما يدق جرس الباب فهناك دائما من يطلب نقودا ..و هناك من يحمل خلف ظهرة .. سلاح قتل و تصفية .
لم نعد نحن الموالي بمقدورنا أن نعيش في بلد الحاكم الأعظم فيه هو الأموال و السلطة و الفساد وإستغلال النفوذ ..و (( إنت مش عارف أنا مين ))
لقد اصبحنا بغابة نحن فيها الضحايا و الطرف الاضعف الذى لم يتعلم بعد كيف يقاوم ..إما لاسباب تاريخية .. تخص تكوين منظومتة القيمية المستسلمة و أولويات حياته المتمحورة حول نجاته شخصيا من الطوفان
و إما لان من ينصحونه من رجال الدين و الإعلام .. يعرفون كيف ينشرون بين الناس .. أن هذا قدرهم الذى عليهم تحملة .. دون شكوى أو أنين . ..
إنتهي الامر.. لقد نجحت الخطط أخيرا ..و البلد تتحول بثبات إلي النظام الرأسمالي .. متخلصة من أخر معالم الستينيات ..( القطاع العام ..و الدعم للسلع الاساسية ..و تنظيم القوى العاملة ) .. بمعني لن يسمح للحكومة ان تدير أى عمل إقتصادى أو تعاوني ..و مجبرة علي التخلص من الإنفاق المتزايد علي الأجور
الأنشطة الإنتاجية ستتولاها شركات قطاع خاص ( محلي أو أجنبي خليجي ) ..و ستبيع الحكومةعن طريق صناديقها السيادية .. الشركات الناجحة في البداية.. باسعار متهاودة .. ثم الخاسرة أو الفاشلة (خردة ) بتراب الفلوس .
هذه هي إقتراحات صندوق الدين التي عرضها من قبل علي حكومات السادات و مبارك فلم يتحمسا لها..و يقوم النظام الحالي يتنفيذها .. بهمة ونشاط واضح .
بكلمات أخرى كل الأنشطة الإقتصادية في مصر .. لن تكون ملكية عامة .. ستخفض الدولة عبء الأجورالتي كانت في الموازنة ( 24- 25 ) الحالية 575 مليار جنية أى حوالي 15%من إجمالي الإيرادات .
لتصبح في حدود من 3-5% النسبة العالمية لتغطي أجور أجهزة السيطرة فقط ( الجيش ، الشرطة ،المخابرات ،العدل ،المالية ،الحكم المحلي ) بالإضافة إلي مؤسسة الرياسة و الحكومة و البرلمان و ذلك.بتمويل من مصدر دخل ثابت مثل ريع قناة السويس و البترول و المناجم التي سيتم تأجيرها لقاء حصة أو مبلغ مقطوع .
يتزامن هذا مع رفع الدعم .. تماما .الذى يقدر بمبلغ 635 مليار جنية أى حوالي (16 % ) م إجمالي إيرادات الموازنة و ذلك بتحميلة للمواطنين بزيادة تعريفة الكهرباء والوقود و الغاز و المواصلات و الرغيف و الغاء بطاقات التموين ..و خفض إلتزامات التعليم و الصحة و الثقافة و الإعلام و الرياضة و البحث العلمي تدريجيا لتحويلها إلي شركات غير حكومية ..مع عدم الإهتمام بتوفير السلع الأساسية بواسطة وزارة التموين و تركها للسوق الحر .
هذه هي الخطة التي تنفذ الأن بهدف تخفيض عجز الموازنة ..(يساوى هذا العام 1.244.999 مليون جنية ).. أى حوالي 47% من إجمالي الإيرادات البالغ (2.625.166 )مليون جنية .. و ضمان توفير ما يكفي لتغطية خدمة الدين .
خلال سنوات محدودة تحولنا من مجتمع ( الكفاية و العدل الستيني ) الي راسمالية بدائية دينها الصراع حتي الموت .. تجعل الناس يدورون في سواقي العمل لتغطية مصاريفهم المتزايدة .. يدفعون ضرائب مباشرة و غير مباشرة و قيمة خدمات مبالغ فيها دعما لموازنة خربة و مشاريع مكلفة غير إقتصادية
خطة إغراق البلد في الديون .. و تخلص الحكومة من التزاماتها .. بدأت من اليوم الأول للتمكين من السلطة في 8 يونيو 2014 ..(( مفيش حاجة ببلاش )) و يبدو .. أنها كانت خطة طويلة المدى قد تمتد حتي ما قبل 2030 .. بحيث عندما تنتهي فترة حكم الرئيس .. تأتي حكومة جديدة لا تحمل أوزار مرحلة التغيير .و لا تلتزم بتحالف قوى الشعب العامل .. بقدر ما تستنزفة بهدوء
هذه الخطة رغم أنها صيغت بأكثر العقول خبرة في إسلوب إجراء التحويلات الاساسية للنظم التابعة .. إلا أن في الغالب عوامل فشلها لم تذلل بعد .. لثلاثة أسباب
السبب الأول تحكم البنك المركزى في حركة العملة الحرة و الذى يخضع صرفها للأهواء و أوامر ذوى الشأن و التي لا تتبع خطة واضحة متكاملة ..و هذا في حد ذاته يتسبب في هروب الإستثمارات أو قلقها أو طلب ضمانات سياسية عالمية ..بالإضافة إلي تخفيض قيمة الجنية و إرتباك السوق .
العامل الثاني أن البيروقراطية المصرية المتحجرة لا تتطور رغم كل التغييرات الإلكترونية التي تحاولها الحكومة ف ( garbage in, garbage out) يعني أنها تطبق لوائح و قوانين متضاربة خصوصا في التأمينات و الضرائب و الأمن الصناعي تبرزها كلما وجدت أن نشاطاإقتصاديا يتقدم بشكل أو أخر دون حماية أبوية من السلطويين .. فتقف حجر عثرة أمامه
العامل الثالث ان الرأسمالية الجديدة طفيلية .. غير رشيدة تتصف بغباء خاص و لديها عدم الشعور بالأمان لنقص الديموقراطية و الحريات الأساسية ..بحيث تهرب أموالها للخارج ..و تزاول هناك أنشطة عديدة ..أما إذا عملت في مصر فتطمع في أرباح مبالغ فيها لمقابلة مخاطر فقد البزينيس و تغيير القوانين و سعر العملة في نفس الوقت أغلب إنفاقها يجرى علي بنود إستهلاكية مظهرية
يضاف لهذا عامل قد يبدو ثانويا .. و هو تحول شعار ((أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة )) ليصبح أمة يستغل الأغنياء فيها ضعق و عدم قدرة الفقراء لمضاعفة ثرواتهم . .
نواجه بإقتصاد مشوه (رأسمالية مصرية ) خليط بين إشراف و تعقيدات الحكومة المركزية ذات السلطات الواسعة ..مع التخلي عن إلتزماتها الأساسية تجاه الجماهير رغم إستنزافهم بإسلوب فظ لتوفير سداد فوائد القروض ..
و إقتصاد سوق ينفيه نمو مشاريع الجيش و المخابرات و الشرطة .. وهو أمر يكسر المنافسة ويحد من قدرة نمو الراسمالية الوطنية و يسقط ما إستقر في الذاكرة الجمعية عن أن (( العمل حق العمل واجب العمل حياة ) ) ليتحول إلي (( إجرى يا إبن أدم جرى الوحوش )) ثم لا يذكر باقي المثل .
.
في الظروف الطبيعية .. كان من الممكن أن تقوم اليات المنافسة بتخفيض الاسعار و تحسين الجودة ..و لكن مع هذه الفوضي يصبح لدينا سوقا مجهول الهوية.. المعلم الوحيد الحقيقي فية .. هو تصعيد دفع فوائد القروض بإنتظام .و إستمرارها كأداة نزح لثروة الأمة ..و إستغلال فقراءها