هل مر القطار فلم نلحق به


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 8131 - 2024 / 10 / 15 - 08:14
المحور: المجتمع المدني     

منذ مائة سنة فقط .. لم نكن نعرف (كبشر ) كل هذه المعلومات عن الكون و الحياة و أنفسنا ..لقد كانت الناس عندما ولدت أثناء الحرب العالمية الثانية .. غيرهم و أنا أخطو الخطوات الأخيرة للمغادرة..
الفارق رهيب .. لقد حققت البشرية في سنوات تقدما في أدوات الإستكشاف و العلم يفوق بمراحل كل ما حققته خلال تاريخها منذ أن نطق الهوموسابين و إستخدم الأحجار
في ستينيات القرن الماضي كان (علي أمين) يحكي عن التلفزيون و نحن .. لا نصدق ..و في بداية السبعينيات كان (الفن توفلر) في كتابه ( صدمة المستقبل ) يتكلم عن التليفون المحمول والإنترنيت والأقمار الصناعية و وسائل الإتصال الإجتماعي .. فنقول أنه متأثر بهربرت جورج ويلز و الة الزمن
و كانوا في هوليوود يصورون أفلاما عن الذهاب للقمر و المريخ و التجول في الفضاء ..كمغامرة خيالية . فنشاهد ((2001 A Space Odyssey )) و نحن مبهورين .. بذلك الكومبيوتر الذى يناقش رواد الفضاء و يلعب معهم شطرنج ...متنبأ بالذكاء الصناعي الذى يدهشنا بإنجازاته اليوم .
في ذلك الزمن الذى لم يتجاوز نصف قرن كان الناس في كل مكان يتقدمون بواسطة الفلسفة والعلم و التكنولوجيا .. و يتغيرون يوميا ..إلا نحن فكنا علي خصام معها حفاظا علي الأصالة .. تخلو مكتباتنا من مراجع العلم الحديثة والمجلات المتخصصة..و معاملنا من الباحثين ..و مدارسنا من المتعلمين .. متراجعين لعشرات السنين .. سائرين في إتجاه معاكس للزمن .. منكبين علي تحصيل ما فاتنا من سيرة السلف الصالح ..
كنا مدهولين في مصيبتنا ..و هزائمنا ..و جهل ناسنا .. و تخلف مصانعنا ..و سطحية مثقفينا .. وإستيلاء السلفية الوهابية علي عقول الناس ..و ديكتاتورية حكامنا و فشلهم في إحداث تنمية تضع المصريين علي أول الطريق .
هل فاتنا قطار الحداثة ..خلال مدة سكونا في كهف الجهالة ..( رغم كل ما تنفقه الدولة علي تحسين صورتها بمشاريع لا أهمية لها أو قيمة )
من بعد 1973 و حتي 2024 .. تغير كل شيء .. خصوصا ظهور ذلك الفارق الواسع بين عقولنا المحنطة من الف سنة .. و عقولهم التي تتجدد كل دقيقة تبتكر و تطور .في العلم ،الفلسفة ،الأديان ،الأدوات ، الفن ،الملابس ، علاقات الجنسين ، طرق الإنتاج ،وسائل المواصلات أو الإتصالات .. بما في ذلك إختراع تلك الاسلحة التي نهلل لها عندما اصبحت بيد المقاومين بلبنان و غزة في مواجهة الجيش الإسرائيلي ..
بكلمات أخرى العالم كان يتقدم خلال نصف القرن الماضي بسرعة رهيبة وصلت به إلي نقطة التغير النوعي ليعيش في حقبة مستجدة من تاريخ البشر
و نحن مشغولون بالشكوى و الولوة..و دفع اذى متلاحق لموجات قادم من جميع الإتجاهات لا نعرف كيف نقدر حجمها أو كيفية مواجهتها
.
أصبحنا نوعين من البشر .. نوع متقدم ..و يستمر .. يطور و يتغير .. يفشل و ينجح لكن المحصلة إيجابية
و نوع مستهلك لأدوات و إنتاج الأخرين دون أن يدرى كيف جرى تصميمها أو تصنيعها و ما الفكر الذى خلفها ,
هذا ليس تفوقا إثنيا .. بقدر ما هو فشل مجتمعي
فسلوك الإنسان في زمننا .. هو محصلة العلاقة بين تكوينه الجيني الذى يحمل صفات وراثية ممتدة من الخلية الأولي النابضة علي بعد ثلاثة مليارات سنة .. حتي صفات الوالدين و الأجداد ... و تفاعل هذا التكوين مع البيئة ..تغير و تطور مفرداته .. بعضها ينمو و يتحسن.حتي مستوى الطفرة . والأخرى تخفت و تتضاءل حتي درجة الإختفاء
في بلدنا الأف المدارس و الجامعات ..يذهب إليها البنين و البنات ..و لكنها كلها .. تعيش علي ثقافة القرن الثامن عشر أو التاسع عشر في أحسن الأحوال
فلا تغير منا .. لا تنمي قدراتنا لا تنتج معاصرين بقدر ما يتخرج منها أشباه المتعلمين ..من يقرأ و يكتب ..ولكنه لا يفهم ..و يبعد كثيرا عن التفكيرالعلمي المنطقي ..
الحفظ و الإسترحاع خصوصا .. في التعليم الديني المنتشر بكثافة حرم الناس من تشغيل عقولهم ..و من الإطلال علي فلسفات و علوم العصر .. .
نحن في مأزق..أننا لا ندرى حجم تخلفنا عن ركب التحضر ..و نعيش نرعي في ما يقدمونه لنا ..من غثاء أحوى بأمان القطيع .
الأغلبية من الأميين أو اشباه الأميين يفكرون بنفس إسلوب الأجداد في القرون الوسطي لم يتغيروا كثيرا .. و جماعات متفرقة ..طرقت بشكل فردى علي أبواب المعاصرة .. لتحصل علي نتف من علوم العصر تتراكم في حالة فوضي لا تصلح لتكوين تيارا أو وجهة نظر ..أو قوة دافعة لتطوير المجتمع .
و قيادة لا يهمها أن يتغير الوضع .. بقدر تأمين حياة رخية لأنفسهم و الاضيشهم . و ضمان أن تكون حصيلة الجباية كافية لتسديد فوائد الديون .
لتصبح مشكلتنا ألأساسية غياب الوعي و المعرفة ..أن عددا مؤثرا من المصريين يمكن أن يجمعهم سمسار اصوات ..و يذهب بهم إلي صناديق الإقتراع .. يوافقون علي أشياء ضد مصالحهم .. لقاء دولار أو دولارين ...و هكذا ضرب الفساد اسس الديموقراطية في مقتل .
لن أزيد و أعيد في التأثير السلبي للحكم الفاشيستي المؤمن بان الناس في هذا المكان كانوا لقرون متخلفين.. فما يضيرهم أن تزيد المعاناة عشر سنوات أو عشرين نبني فيها قصورنا و قلاعنا .و نقلد بتوع التكنولوجيا نستوردها فإذا عجزنا عن تشغيلها و إدارتها يديرونها هم لنا لأربعين سنة قادمة..نكون بعدها في قبورنا بعيدا عن المحاسبة و العقاب .
كلما رايت المشاريع المستجدة ( مثل محطة قطارات بشتيل أو مطار سفينكس بالجيزة ) المنفق عليها مليارات الجنيهات ..و التي لن تعمل بسبب سوء تخطيطها أو عدم جدواها ..أو بعدها عن قدرات تشغيل العمالة المصرية أعرف أنه لا يوجد لنا مخرجا
لن أزيد ايضا فيما يقوم به الخطاب الوهابي السلفي المحتل لجميع وسائل الإعلام ..من تسطيح عقول الناس .وتوجيهها علي طريق التجهيز لما بعد الموت .. وتأكيد ان عليهم تحمل ضيق حياتهم التي يعيشونها ويعتبرونها معبرا وقدرا مكتوبا لا قدرة لهم علي تغييره .
المصريون .. في أغلبهم حتي المتعلمين رغم إستخدامهم لأدوات الغرب ..لا يعلمون أن الدنيا تغيرت .. .وأن القطار مر من أمامنا فلم نلحقة ..و أن الابناء و الأحفاد سيدفعون الثمن .. قبل أن يتسبب التطور العالمي في إندثار هذا النوع من الوجود.