كتاب أسود عن الزمن الاسود

كتب عديدة قراتها في حجم موسوعة جمال حمدان و إبن إياس و سليم حسن . .. تركت بصماتها علي شخصيتي ..و فهمي ... و عرفت منها مقدار البؤس الذى عاش فيه الأجداد.
و لكن كان هناك دائما كتاب (لم يدون بعد) لدى الأمل أن أقرأه في يوم ما بعدما يكتبه جماعة من المفكرين الشرفاء .. الذين يشعرون بالمسئولية تجاه أهل هذا المكان .. و مقتنعين بأننا بشر يهمنا معرفة حقيقة الأحداث ..كما جرت .. و أن الأجيال القادمة من حقها علينا أن تجده في مكتبتها .. كما وجدنا نحن..(( الكتاب الأسود فى العهد الأسود)) لمكرم عبيد .
كتاب يضم أسماء كل من أضر بهذا المكان خلال سبعين سنة ماضية و جعل حياتنا لا تطاق و غرر بنا و سرقنا و نهبنا سواء كان من أعضاء الحكومة أوالبرلمان أوأجهزة الإعلام و التعليم و الإنتاج ..
من تسببوا في ألم الناس وأحزانهم ..و إحباط تطويرهم .. وفي غلاء الاسعار وضياع ثرواتنا ..و إستيلاء البلطجية عليها .. و بيعها أو رهنها دون أى تأنيب للضمير .
كتاب يحكي عن كيف ننحدر بسرعة ..و نفقد خصائص إكتسباناها في الفترة الليبرالية من 1923 إلي 1952 ..و كيف تدهور مكاننا بين الأمم لنصبح تابع ( مجرد تابع ) لحكومة الولايات المتحدة ..و مشايخ الخليج و السعودية يتلاعبون بنا بالتعاون من الصهاينة كيفما شاءوا..
من الذى فعل هذا .. من تسبب في الخسائر ..و وقع إتفاقيات كامب دافيد .. و وضع النيل في خطر التوقف عن السريان ... ناس تاهوا في الزحام ..و لم تعد ذاكرة الفيس بوك و نشرات الأخبار تحتفظ لهم بمكان .
الكتاب ..الحلم الكاشف .. لن يستطيع تدوينة .. فرد أو جماعة.. بقدر ما يحتاج لمؤسسة ( حزبية مستفلة عن الدولة ) قادرة علي الولوج إلي عش الدبابير .. و إستخراج المعلومات و تبويبها ..و تقديمها بصورة بسيطة يستطيع الفرد العادى إستيعابها و تداولها .
كتاب يبدأ بذكر أسماء بكباشية و صاغات 1952 ذوى النظرة ضيقة الافق ..و كيف تسبب كل منهم .. لاهل هذا المكان .. في كارثة إقتصادية أو سياسية أو سلوكية.
المشير عبد الحكيم عامر سيحتل الصدارة مع صلاح نصر و زبانية السجن الحربي حمزة البسيوني و عبد العال سلومة و صفوت الروبي..
سيضم الكتاب ذكر أسماء من تسببوا في خسارتنا لجميع الحروب التي خضناها .. بما في ذلك تحرير رهائن طائرة قبرص ..أو طردنا من سوريا الوحدة .
وكل من ساهم في تدمير الأمل و أسقط بلدنا سياسيا و إقتصاديا بالقانون أو بالفتونة و فرد الصدر ..(( وهوكدة اللي مش عاجبة يجي يغيرني )) .. منتهيا بالكارثة العظمي التي ستؤثر علي الأجيال القادمة لخمسميت سنة السادة الذين جعلوا تطبيق سياسة البنك الدولي ممكنه و أحالوا حياة المصريين لنمط لا تطاق . ((مصطفي مدبولي و علي عبد العال ..و محمد معيط .. و كامل الوزيرى)).
مكرم عبيد الذى سمي بإسمة شارع هام في مدينة نصر بجوار شارعي العقاد و مصطفي النحاس ..لا يعرفه الكثيرون لقد كان سكرتير حزب الوفد و وزيرا للمالية في حكومتة و عاصر أثناء عمله مخالفات سياسية و إقتصادية..ضمنها عريضة موجهه للملك فاروق .. وقدم بها إستجوابا للحكومة في البرلمان ((يوم 23 مايو 1943 )) و نشرها في جريدة الأهرام .
الدكتور يونان لبيب رزق، فى كتابه ((الوفد والكتاب الأسود)).. يحكي عن هذه العريضة و يذكر بعض ما تم تدوينة فيها و(( كيف استشرى الفساد والمحسوبية، إلى جانب وقائع استغلال شخصى لرئيس الوفد منها قيام السفارة المصرية بلندن بشراء معطف فراء و قبعات للرأس ..لقرينة رئيس حزب الوفد،.. ووجه الكتاب الأسود الاتهام إلى النحاس باشا بثلاثين واقعة منها بيع منزل كان استأجره بالإسكندرية بمبلغ ٥٠٠ جنيه ..وشراؤه 80 فدانا من فؤاد سراج الدين وزير داخليته باسم حرمه بثمن أقل من الثمن الحقيقى، هذا إلى جانب شراء سيارة موديل كوتسيكا بمبلغ 1500 جنيه فى حين أنها كانت معروضة بـ3000 جنيه، ))...
ورغم ان هذا الكتاب الأسود كان مبررا لإتهام قادة الحزب .. والمرجع الأساسي لمحاكمات الثورة .. إلا أن الثوار أنفسهم لم يكونوا أكثر طهارة لقد إرتكبوا جرائم مالية و سياسية و أخلافية ..تفوق في تأثيرها ما دونه مكرم عبيد بالالف المرات ..
نهبوا القصور الملكية .. و ممتلكات الأمراء و الباشوات و كبتوا الحريات .. و زاولوا التعذيب في المعتقلات .. و تربحوا من وظائفهم بحيث أصبحوا هم و أبناؤهم و أحفادهم مليارديرات .
ضاربوا في البورصة.. وتاجروا في إذون الإستيراد ..و سمسروا من أغلب الصفقات ..و غالوا في الضرائب ..وفي أصدار قوانين معيوبة أفلست الناس .. و من جلس علي كرسي العرش تمسك به بكل الحيل حتي يخلع خلعا أو يموت ..
نريد أن نعرف الأسماء و الوظائف و الأفعال . من الذى تسبب في غرق العبارة ( السلام ) بالبحر الأحمر و تصادم القطارات ..و سقوط العمارات .. و حرق الكنائس و تفجيرها .. و هدم المنازل و المقابر و تهجير الناس ..و خوض معارك شوارع في رابعة و جزيرة الوراق و ماسبيرو و محمد محمود..و تشويه عيون الثوار بالخرطوش و تجريد النساء من ملابسهن و فضحهن في ميدان التحرير .
عندما يستعرض شخص مثلي عاصر الزمنين ..بعض مما ذكر في العريضة المكرمية علي أساس أنه فساد جعل مؤلفها يقول ((عهد أسود )).. يضحك ..
ففساد الأوضاع السياسية وفساد حكومة النحاس المشار إلية ، و الاختلاسات التى كانت فى الوزارة الوفديه.. أوانتشار الرشوة والمحسوبية كانت أعمال محدودة قام بها هواة ..لعب عيال ..و دليل علي نزاهه و أنضباط حكومة الوفد أكثر منها إدانة لذلك العهد .إذا ما قورنت بفساد و رشوة و محسوبية المحترفين التي يقوم بها رجال الأعمال المحدثين و التي إستمرت و دامت طول سبعين سنة ماضية ..
ما جرى في مصر.يجب أن يرصد في كتاب أسود جديد يحكي كيف تم تدمير الديموقراطية تحت ستار كثيف من الغموض و تجاهل الشفافية والتأمر و عدم ذكر الحقيقة .... بكل المجالات .. بكل ما يطلقون عليه أجهزة سيادية .. في البرلمان و أجهزة السلطة التنفيذية و القضائية و مؤسسة الرئاسة ..
من المسئول عن عشرات الوزارات التى لا قيمة لها ولا فائدة التي تستهلك ميزانية الدولة ، و عن برلمان صورى لا عمل له ، حكم محلى غير مفيد إلا فى تشغيل مئات اللواءات وقطاع إنتاج لا يعمل ولا يبتكر فضلا عن إعلام متغلغل يسبح بحمد الكراسى وينفق مليارات الجنيهات من قوت الشعب خسائر فى الاذاعة والتليفزيون ومدينة الانتاج والجرائد والمجلات الحكومية ومشاريع طبع كتب تبقى فى المخازن تنعي عدم التداول أو البيع.
من الذى أعفي ميزانيات الجيش والأمن والقصر الجمهورى والإعلام ومجلس الشورى والشعب والمخابرات من رقابة جهاز المحاسبة ، فتتحولت الى قطاع خاص يتصرف صاحبها فيها وفقا لإرادته يجزل العطاء لمن يشاء ويقطر على من يشاء .
من الذى زور الإنتخابات و الإستفتاءات .. وشفافية لعبة كرة القدم ..و كيف تم تشوية مباني الجامع الأزهر و قصر البارون و المنتزه و الميريلاند و حديقة الاسماك ..و الزمالك و منطقة الهرم ..بدعوى التطوير
وكيف حصلنا علي صفر المونديال .. وكيف جرى مسخ الناس و جعلهم جبناء .. فعلي الرغم من كل البلاوى التي إرتكبها الحكم المطلق.. لم نر رئيس وزراء سابق أو حتي سكرتيره يفعل مثل المنصف المرزوقي التونسي الذى طبع عام 2013 كتابا أسودا يفضح فيه حكم زين العابدين علي.
أو وزير مالية ينتقد بشجاعة علي الملأ ما حدث في زمنه .. أو لديه إهتماما ببلده يجعله يقتدى بمكرم عبيد.
في الواقع لا أتصور أن أى من أخونا .. ((بطرس غالي ،حسن عباس زكي ،عبد العزيز حجازى ، القيسوني أو معيط )).. كان لديه قدر من الوطنية و الإحساس بالواجب التي كانت لمكرم عبيد ليكتبوا لنا عن ذلك الزمن الأسود ألذى نعيشة و إرتفعت فيه قيمة الدولار من عشرين قرشا إلي خمسين جنية .
.