نصف قرن من التدهور


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 7996 - 2024 / 6 / 2 - 09:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

عندما سألني رئيس مجلس إدارة شركة كوجيمي الإيطالية التي تعمل في مصر عن المرتب الذى أطلبه .. و أجبت ظهر علي وجهه نفس الإندهاش الذى حدث لي عندما قال مندوب شركة العقارات أمس أن الشقة التي يروج لها ثمنها 25 مليون جنية ..
لقد طلبت مرتبا سنويا 18 الف جنية ( 1500 جنية شهرى ) لاقوم بتقديم دراسات للعطاءات و الجدوى ..و برامج التنفيذ والتمويل و أتابع العمل في ثلاث مشاريع كبرى لهم في مصر و العراق و أقدم عنها تقريرا كل إسبوعين ..
لقد كان أقراني في الحكومة و القطاع العام مرتباتهم تتراوح بين 50 و 70 جنية ..و في القطاع الخاص تدور حول 200 جنية .. و مع ذلك تعاقد معي المهندس أحمد عباس .. فلقد كان هذا النوع من الأعمال غير معروف بين شركات مقاولات مصر خصوصا قبل وصول الكمبيوترات و برامجهاالجاهزة .
سنة 1983 .. حدثت مشكلة لأخي في المانيا ..و أصرت أمي أن إذهب له و أدعوه للعودة
أرسلت الباسبورت مع أحد أفراد العلاقات العامة .. للسفارة .. فحصلت علي التأشيرة بعد أيام .. ثم حجزت في الطيران وحولت 1000 جنية مصرى إلي 1700 دولار .. وإشتريت بعض الهدايا لأخي و زوجته ..و مع ذلك لم أكن قد تجاوزت مرتب شهر .
في المانيا وجدت أن المشكلة قد حلها أخي..و أنه لا داعي لقلق أمي .. فاصبحت زيارتي هي لقاء به و فسحة و راحةلمدة إسبوع .
حولت ال 1700 دولار هناك إلي 5600 مارك الماني ( يعني الجنية يساوى 5.6 مارك ) .. وإشتريت (نصف البضائع المعروضة في سوق المدينة ) هدايا للأسرة
بمعني أن مرتب شهر لمهندس مصرى يعمل في شركة أجنبية كان يكفي لدفع نفقات الطيران لاوروبا ؤمصاريف السفر ..و الفسحة و العودة بهدايا تسد عين الشمس .
نفس الموضوع حدث عندما سافرت لأمريكا و فرنسا و اليونان و أيطاليا .. لم أجد صعوبة في الحصول علي الدولارات أو التأشيرات ..و كان الجنية المصرى (و صاحبه ) يحوز علي درجة من إحترام الناس في المطارات و الأسواق ..
قد لا يشعر أبناء اليوم بما كنت أشعر به عندما سافرت إلي بلاد الواق الواق .. في ثمانينيات القرن الماضي .. لقد كانوا يرحبون بنا في كل مكان ..و كانت عملتنا قد الدنيا .. قبل أن يفسدها علينا المحتالون .
قيمة الدولار إرتفعت من (0.6)جنيه في ثمانينيات القرن الماضى حتي أصبحت بالأمس (50) جنية بنسبة إرتفاع مهولة 8600% . .
لقد فقد الجنية أغلب قوته الشرائية و أصبح أقل من مليم زمن ما قبل 1952
لا أستطيع أن أتصور أن ورقة المائة جنية المصرى الشامخة خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي و التي كانت تكفي لإعالة أسرة مرفهه لمدة شهر و يفيض منها .. أصبحت اليوم تساوى 2 دولار.؟. في اللحظة التي لم تعد القوة الشرائية لهذا الدولار في بلاد الدنيا ذات قيمة
فنجان القهوة ب4.8 دولار في أمريكا و في ( بكين 4.4..موسكو 4.3 ..زيورخ 5.. كوبنهاجن 6 دبي 5.7) بمعني أن ورقة المائة جنية المسكينة لم تعد تكفي لشراء فنجان قهوة بكافتريا شعبية في معظم بلاد العالم ... و ال200 جنية تسمح بصعوبة لصاحبها بهذا الفنجان .
لقد تمت المؤامرة ببطء علي إسقاط الجنية. بعد هزيمة الجيش.. و أصبح عدم قيام مصر ثانبا هدفا إستراتيجيا للأعداء .
ثم زادت الوتيرة عندما تم إيكال أمر إقتصاد و سياسة بلدنا للقوات المسلحة بعد 2011 ..و إتخاذهم قرارا بأن يستحوزوا علي أغلب أعمال المدنيين ..
فالضابط المصرى أغني الشعب عن العمل ..و تولي بدلا منهم ..زراعة الصحارى والصوب في الوديان و بني مدن جديدة بها ناطحات سحاب .. و شق طرق و أقام كبارى و أدار الشركات ووزارة النقل والحدائق و البلاجات ..
و هو يربي سمك و دواجن و فلفل رومي الوان ويشغل المفاعل النووى.و يشرف علي الرياضة و السينما و الإعلام .. و يورد نواب للبرلمان ..ويراقب برامج التلفزيون و أفلام السينما ..
و إنسحب من السوق شركات عدبدة ليحل محلها أخرى إماراتية و سعودية تشترى بأسعار رخيصة مؤسسات الدولة و أراضيها و تشارك أولي الأمر منا فتشق طريقها كالسكين في الزبدة ..ليصعب علي الشعب منافسة رجال قواته المسلحة و يتوقف تقريبا عن الإنتاج .
سعر الدولار بالنسبة للجنية خلال أخر سنوات القرن الماضي زاد بالتتالي من 0.6 - 0.8 - 1.5 - 3 -3.5.. ثم تضاعف التدهور و أصبح الدولار 3.7 -.4 مع بداية الألفية .. و في يناير 2011 كان يساوى 6.5 جنية .. وفي أخر نفس السنة أصبح 13.5 جنية ..
ثم تسارعت خطوات تدمير الإقتصاد المصرى و حدث زلزال تخفيض قيمة الجنيه بعد 2014.. مع خروج الناس يفوضون قادة القوات المسلحة بأداء مهام وظيفتهم و محاربة الإرهاب.
في 2016 إنقلب السحر علي الساحر ..وبدأت الناس تعاني .. لقد أصبحت العملة المصرية تنحدر بسرعة لهذا الوضع الحزين (الدولار بخمسين جنبه ) ..يا باشاوات
مدخراتنا إتهبش 90 % من قوتها الشرائية و أصبحت قروشا .. قدراتنا ألإقصادية أهدرت تماما .. في مشاريع غير مجدية و في إقامة حفلات مترفة وإنشاء مباني قبيحة مكلفة .و طيارات و سيارات مضادة للرصاص .
المهندس الذى كان في الصفوف الاولي من طبقته حتي 2016 أصبح غير قادر علي تكاليف الترحال بعملتة المنهارة و باسبورته شديد الضعف .
.و أصبح من الذبن يطلقون عليهم ((عزيز قوم ذل )) البرنس شوكت حلمي( أحمد مظهر ) في فيلم الأيدى الناعنة..
لم يعد المهندس و الطبيب و الصيدلي قادر علي شراء تذكرة السفر حتي لأقرب مكان .. و دفع الضرائب و الدمغات و التحميلات التي فرضت عليها ...
فضلا عن تأمين الفيزا و توفير ثمن السكن و الطعام و المواصلات ...في بلاد الخواجات .. فقعدوا ينظرون عبر البحر المتوسط و يحلمون ... بل لم يعد بإستطاعة من يرجون زيارة الأماكن المقدسة النظر عبر البحر الأحمر ..و قيمة الريال اصبحت 12 جنية .. بعدما كان الجنية 3.7 ريال
حزين من أجل شباب اليوم الذى لم ىيعد يجد وظيفة أو دخل ..ويائس أن يتغير الموقف لقد سقطنا ..في الحفرة كما أرادوا لنا ..
و لا أمل في الخروج .... أغالب رغبة ملحة في إطلاق سلسلة من السباب..و الدعاء بأذية .. من كانوا السبب .. ولكن أرجع و الوم ناسنا .. فنحن الذين سلمنا للقط مفتاح الكرار ..و لم نحفظ رقابنا بعيدا عن لسعات حية تخرج من نفس الجحر مرات و تلدغنا .. و هللنا للكارهين و المغتصبين و الأعداء ..و..و وضعنا أحذيتهم فوق رؤوسنا .. نستاهل