corruption.. الفساد


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 8147 - 2024 / 10 / 31 - 07:27
المحور: سيرة ذاتية     

بدأت العمل كمهندس حديث التخرج بالمكتب العربي للتصميمات في (أول سبتمبر 1962).. و بمكتب الفرماوى و يحي الزيني و عبد الباقي إبراهيم لفترة مسائية .في نفس الوقت . لقد كان العمل متيسرا و للمهندس قيمة.في مجتمعه ..و دخل يجعله مميزا .
ظللت أعمل دون توقف .. لمدة 60 سنة .. .. حتي (31 أكتوبر 2022) أى مثل هذا اليوم من سنتين.
.
لقد تأمر المسئولون عن إدارة محطة معالجة مياة الصرف الصحي بالجبل الاصفر المهندسون رجب و عبد الوهاب وعصام.. و عدد أخر من مهندسي الجهاز التنفيذي لمياه الشرب والصرف الصحى..و لم يوجهوا للمكتب الذى أعمل فية ( الإستشاريون العرب محرم - باخوم )الدعوة للمشاركة في عطاء محدود(مغلق ) بين عدد من المكاتب الإستشارية .. للإشراف علي إدارتها .
رغم أن هذا المكتب كان المشارك المحلي الرئيسي للمكتب الأمريكي البريطاني (أمبريك ) الذى عاصر إنشاء المحطة من 30 سنة و إستمر في الإشراف علي تشغيلها و صيانتها بعد .. أن غادر الأجانب الموقع .
السبب في عدم دعوة مكتبنا يعود لسببين .. أحدهما المعلن .. أنني ككبير المهندسين الإستشاريين لتشغيل و صيانة المرحلة الأولي .. طلبت من المالك عمل خطة تجديد للمحطة بعد أن جرى تشغيلها لمدة 25 سنة ..
و ذلك بتغيير بعض المعدات المتداعية ..أو المستهلكة الخطرة التي تحتوى علي عبوات الغاز ..و إحلال بعض الأنظمة القديمة التي لم تعد المصانع تنتج قطع غيارها بأنظمة أخرى مستحدثة..و إضافة وحدات لم تكن معروفة عند تصميم المحطة .في تسعينيات القرن الماضي ..
المالك طلب أن يقوم بهذا المكتب الأجنبي الكندى المشارك لنا.. و كان من المفترض أن يقدم خططة و برامجة خلال السنة الأولي للتعاقد ..
و لكن .. عندما جاء صاحب المكتب لترتيب حضور كوادره .. إكتشف أن المالك لا يدفع مستحقات المقاولين و الإستشاريين في موعدها بإنتظام .. بسبب عجز(مزمن ) في السيولة النقدية ..ناتج من عدم وفاء الحكومة بخططها وتأخرها في صرف مبالغ التمويل
.
فخاف أن يحضر رجاله و يؤخر مستحقاتهم لشهور عديدة كما يفعل مكتبنا معنا .. لانهم (كما قال لي ) أكثر شراسة منا.. و مؤسسات مجتمعهم المدني لن تصمت علي التأخير و سيتسبب هذا في غرامات و جزاءات قد تصل لإغلاق مؤسسته ..
عندما صحبته لرئيس مجلس إدارة الجهاز حسن بك ..و عده بان يضمن له إنتظام صرف مستحقاته .. و لكن الأخر لم يأمن لهذا الوعد ..
في نفس الوقت .. خاف بهاء عفيفي مسئول الإتصال بالكنديين أن يحضروا و يضطر المكتب لدفع تأمينات عنهم و هي مبالغ كبيرة دون أن يحصل علي قيمة المستخلصات ..
فلم يسرع الجميع في إحضارالخبراء متحججين بالكرونا ..و أن الحكومة الكندية منعت مواطنيها من الذهاب للاقطار الموبوئة.
السبب الأخرغير المعلن أنني ارسلت للمالك لمدة سنة تقاريركل شهر مرفق بها صور تشرح مشاكل المحطة .. و أنها ستتوقف عن العمل ما لم يبدأ بخطة الإحلال .
.و بالفعل .. طرح توريد نصف ماكينات التجفيف الميكانيكي للحمأة ..أكثر المعدات تاثرا و عيوبا .. و تم توريدها من السويد أو النرويج .. بعد أن فتش عليها في بلد التصنيع قبل تسفيرها .. لجنة مكونه من أحد لواءات الجهاز و مهندس أخر .
.
المعدات عند تركيبها . لم تعمل. لاسباب فنية .. لا داعي لمناقشتها الأن ..فأوقفت صرف باقي مستحقات المورد و اوصيت بتسييل خطاب ضمانه ..إذا لم يصلح عيوب التصنيع في ظرف شهر
و لان الأمر كان صعب التحقق لان مهندسي الإستشارى قدموا أكثر من تقرير فني بعيوب الماكينات المستجدة .. و وصل الأمر للرقابة الإدارية و لانه كان له أكثر من ضهر .. و نفوذ في الجهاز .. لذا وجدوا أن الاسهل التخلص من طاقم الإستشارى الفاهم ..عن إجبار المورد علي تعديل معداته
و هكذا
في مثل هذا اليوم من سنتين إنتهي عقد الإستشارى.. فسلمت مندوب المالك جميع المستندات ..و المعدات ..و رجعت بعربة العمل للمنزل لاخر مرة ..و لدى شعور بالهزيمة ..أنا و الزملاء الذين كانوا يعملون معي.
مقاول التشغيل و المالك و مورد المعدات كسروا (قلة )خلفنا ..و هذا مفهوم و مبرر .. فقد كنا طاقم غير متفاهم و لا يمكن إرهابة أو رشوته .. .
.و لكن الغريب أن المكتب الذى قضيت فيه 30 سنة صمت تماما ..كاننا كنا طاقم من العمالةالمؤقته إستأجرة من علي الرصيف .. شال كام غلق رمل علي كام شيكارة أسمنت و طلعهم للدور الخامس .. و عندما إنتهت مهمته .. أغلق صاحب المكان الباب و نسي حتي محاسبتهم علي جهدهم .
.
عملت يهذا المكان عندما كان أكبر مؤسسة هندسية في مصر ..و كانت الشركات الأجنبية تتسابق لمشاركته أو الحصول علي خدماته .بسبب كفاءة مهندسية ..و إلتزامهم بالدقة و المواصفات ..و الصدق .
ثم ..مات الدينمو المسئول عن الإدارة ( المهندس حلمي الشرقوى ..) و إبتعد صاحب المؤسسة لكبر سنة .. و بدأ الدور المشرف للإستشاريون العرب يتقلص تدريجيا في السوق لسوء إنتاجهم ..
إما بسبب منافسة مكاتب جديدة أنشأها ناس لهم ضهر و نفوذ ..أو لان الإدارة أصبحت محودة الخبرة ..و تؤجر مهندسين بكفاءة منخفضة يرضون بالمرتبات القليلة التي يعرضونها
و هكذا أصبح المكتب العلامة .. يتبع سياسات القطاع الخاص في بلدنا.. يتخلص من كل إلتزاماته المالية تجاه العاملين لا يدفعها إلا باحكام قضائية .. يخفض الأجور .و يؤجلها لشهور . و هو طالما يستفيد منك ..تجد الإبتسامة و الترحيب ..و عندما تنتهي مهمتك .. تجد وجه خشب لا تعبير فيه .
اليوم بعد سنتين دون عمل .. أشعر أنني أخطأت .. بكوني لم أغادر هذا المكان مع رحيل الإنجليز و تغير أساليب العمل للطريقة المصرية ..
لقد عرضوا علي أكثر من مكان مع مكاتب و شركات أخرى ..ولم أوافق متصورا أن شروط العمل في مكتبي ستتحسن في يوم ما ..
ولكن علي العكس ساء ت بالتدريج .. ليتحول المكان إلي طابونة .. يديرها (مالك ، مقاول ، إستشارى ) معلمين علي درجة..من الضحالة الفكرية ..والفنية .. مرتفعي الإنتهازية .
فعلا .. مصر من البلاد اللي ماضيها أفضل من حاضرها..و الأباء المؤسسين خير من الأبناء و الأحفاد
الله يرحم الأساتذة .. الدكتور ميشيل باخوم ..و الدكتور أحمد محرم .. وكبار العاملين الذين بنوا بالجهد و الصدق و الكفاءة سمعة طيبة للمكان مثل المهندس حلمي الشرقاوى ..و كانوا نجوما.. في مجتمعهم عندما كان مكتبهم .. أفضل المكاتب إنتاجا في المنطقة .