تدمير الاثار ليس خبرا جديدا


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 8139 - 2024 / 10 / 23 - 12:05
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

هل من المعقول (كما هو موثق في الرسومات ) ان يقتحم (ضابط صغير من تحت السلاح ) القصر مصحوبا بالجنود و الناس ..و يتحدث (من فوق حصانه ) بتعالي مع الخديوى توفيق و المندوبين الساميين الفرنسي و الانجليزي ..الذين يقفون منصتين له وهو يقول (( لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم.)) هذه التخاريف عن عرابي التي يزودوننا بها منذ الصغر علي أساس أنها تاريخ . لا يصدقها إلا معتوة
إذا سألت أحدهم ماذا أكلت أمس ؟.. فسيسرد عليك أنواع الطعام التى تناولها.. ثم يراجع نفسة و ينفي بعضها و يضيف أصناف أخرى .. و قد يعود ليقول أن هذا الذى أضافه تناوله أمس الاول .. أو أنه لا يتذكر جيدا إلا كذا و كذا و كذا .
أما إذا كان السؤال عن الطعام التي قدمها مضيفة في الوليمة .. فسيكون الامر أكثر صعوبة ..و الخطأ من حيث الإضافة أو النقص أكبر .
فإذا ما كان عن بوفية مفتوح تم تقديمه منذ شهر في فندق معين خلال العشاء لعدد من الرواد فبالتأكيد ستحصل علي إجابات متفاوته .
إنها الذاكرة البشرية .. تهمل بعض من أجزاء الصورة .. و تبدى ملامح أخرى .. وفقا لأسباب عدة .. منها الخوف أو الرغبة أو التركيز أو محو تجربة سيئة .. أو إظهار إنتصار مبالغ فيه .. أو التملص من المسئولية ..عشرات العوامل و الاعتبارات تتداخل عندما يروى أحدهم أحداث شاهدها بنفسه.
و قد يدهشك .. ما إنتهي إليه حديث أدليت به شخصيا لاحدهم ثم تناقلته الالسن مضيفة أو منقصة فتجد أن ما قلته قد أصبح بعد تداوله شيئا مختلفا أو تحول إلي أسطوره بطولية أو أصبح سبا علنيا .. أو جالبا للكوارث المحققة .
إنه نفس ما حدث لاصول ما نرويه من أحداث الماضي أو التاريخ ...يتم تناقلة .. و تعديله و تغيير معانيه بل تشويهه في بعض الاحيان خصوصا لو كان التداول شفهيا أو لو كان منقوش علي الجدران و الحجارة بلغة غير مقرؤة أومدون في كتب و صحف مضي عليها زمن و لم يعد محددا من الذى كتب و من الذى نقل و من الذى عدل .
المجتمعات أيضا تعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها العقل البشرى .. تخفي المواجع و السقطات و الهزائم و تظهر الانتصارات و النجاحات و التغيرات التي تتصورها ايجابية ترددها مرات و مرات حتي يقر في ذهن البعض أنها حقائق لا جدال فيها ، حتي تجيء اللحظه الفارقةعندما يكتشف فيها أخرون أن العقل الجمعي (عمدا أو دون وعي ) أخفي تدمير فرقة دبابات مصرية و أحل محلها نجاح عبور خط بارليف في 6 أكتوبر 1973.
أشهر هذه الاساطير التي حولت الهزيمة نصرا كتبت علي جدران معابد الاقصر
لقد كنا نذهب للرامسيوم أو أى من المعابد التي خلد فيها الكهنة معركة قادش (الرامسيوم والكرنك والاقصر وابوسمبل) .. و نقف أمام جداريات إنتصار الملك رمسيس الثاني نردد ما أراد الكهنة لنا أن نتداوله .. بأنه هزم جيش للحيثين منفردا ..ثم نقص الاساطيرالمكتوبة عن الخوف الذى شعر به الأعداء عند ظهوره علي عربته الحربية .
المؤرخون أيضا قدموا هذا العبث علي أساس أنه حقائق .. قد يعدل فيها البعض بحيث يمكن للعقلية المتسامحه مع المنطق أن تقبله ..و لكن يظل معرضا لان يصل أغلب المتداولين له لكشف مدى زيف الرواية .
و مع ذلك ومع إنتفاء المنطق في كون رمسيس الثاني منفردا يفك الحصار عن جيشة إلا أن هذا لا يمنعنا من أن نظل نتحدث عن إنتصارات الملك .. بنفس الحماس الذى يتولد عندما نروى فتوحات تحتمس الثالث الذى بسبب ما قدمه من منح و عطايا و تميز لكهنة أمن ..زاولوا إسلوبا تعارف عليه القدماء بمحو كل ما يتصل بأخبارمن سبقه من الحكام و نسبوا نجاحاتهم إليه بما في ذلك حملات عمته حتشبسوت لبلاد البنط ومحو إسمها من علي جدران المعابد رغم أنها شاركته الحكم صبيا حتي نضج .
إن التاريخ المصرى القديم كما نعرفه في أغلبه غير دقيق و يحتمل التأويل .. خصوصا عندما يكون الحديث عن فترات الاضمحلال كما حدث في زمن الإنتقال .. الأول (2181 – 2155 ) ق.م و الثاني ( 1650 – 1550 ) ق.م ..أو الثالث ( 1069 - 747 ) ق.م أو مع حكم الكهنة حتي تاريخ الاحتلال الفارسي أو عند التغيرات الكبرى مثل ذلك الذى زاوله إخناتون ضد إرادة كهنة باقي الديانات .
وفي الحق قد يكون ما نتداوله علي أساس أنه أحداث حقيقية هو تاريخ ملفق عبر الاف السنين تدعمه مئات الروايات التي لا يمكن لعاقل تصديقها مثل أن يكون (رع بنفسه) والدا لملوك الاهرامات الثلاثة أو (امون ) والدا لحتشبسوت ..
الفقد و التلفيق و التزوير سمة تصبغ تاريخ مصر خصوصا بعدما إنتهت علاقة المصرى بلغة العصافير و بعد أن جرى دمار بردياته و كتاباته التي دونها علي جدران المقابر وأسطح التوابيت.. طول الزمن و حتي اليوم الذى يبكي فيه المصريون و هم يشاهدون صور الأثار المصرية بالغة الجمال في قرافات السيدة نفيسة و الامام الشافعى و سيدى جلال و هي تدمر ..من أجل أسباب غبية مجهولة لنا .
ما وصل إلينا من أخبار خلال فترة الجهالة أى ما بين فقد اللغة المصرية القديمة و إكتشاف معني لرموزها (حوالي تسعة عشر قرنا ).. قد يشتط راوية أو ناقله بحيث يصل بحديثه في بعض الاحيان الي مستوى الخرافة .. مثل قدرات ملوك مخترع أسماء لهم أو ملكات مثل (دلوكة) علي السحر و التغلب علي الاعداء بفضل طلسمات الكهان و كتاباتهم علي جدران البرابي .
التاريخ المصرى الطويل و الممتد لالاف السنين يتعرف علية أبناء الجيل الحالي عن طريقين .
أحدهما كتب التراث ..والقص الديني الذى يحكي عن لمحات من عصور غير محددة الزمن و أماكن غير معروفة و أحداث غير مرويه في مصادر أخرى.
و الطريق الاخر هو مجهودات علماء الاثار .. و المصريولوجي .. الذين بذلوا جهودا مشكوره في فك طلاسم اللغة باشكالها المختلفة ثم الحركة بين النصوص التي وصلت إليهم بالصدفة و شكلوا منها أطر قصة الحضارة علي أرضنا..
كل من المصدرين.. لا يصلح لان يكون أساسا منطقيا لإعادة تشكيل الماضي و تمثله كما حدث .
السير ولاس بدج كتب عام 1903 في مقدمة كتابه الهة المصريين
((منذ زمن بعيد توقف علماء المصريات عن عادة الاعتماد المطلق علي المعلومات التي كتبها الرحالة الاغريق إنهم جميعا عجزوا عن إستخلاص الحقائق الكاملة)).
التاريخ المصرى بعد أن عرف البشر التدوين بلغة لازالت متداولة .. (اليوناني القديم أو اللاتيني أو العربي أو التركي أو الانجليزى) تاريخ غير مدقق أيضا .. فما وصل إلينا هو روايات المنتصرين أما الشعب الذى إفتقد إلي وسيلة تعبير مكتوبه يشكو فيها ظلم الحكام و الجباه و الكهنه و العسكر .. فلم يكن له صوت إلا في ما توارثته الاجيال من عادات و تقاليد أو الامثال والحواديت والمووايل والاغاني الشعبية او التراتيل الكنسية .. أو ما يمكن أن يطلق عليه الخصوصية الملتصقة بالمصريين .
التاريخ المصرى المكتوب باليونانية أو اللاتينية .. يركز علي ما تم منذ زمن البطالسة حتي سقوط الاحتلال الروماني ..عندما كانت مصر جزء من قصص صعود و سقوط الامبراطوريات الاغريقية و الرومانية و البيزنطية .. و هو تاريخ يبعد كثيرا عن الدقة و الحيادية حيال دور مصرىو ذلك الزمن المهمل إلا في كونه وسيلة إنتاج تزود أوروبا برغيفها و نبيذها و زيوتها .
لم تذكر تلك المراجع كيف إنهارت اللغة المصرية و توارت .. و لم تذكر كيف إستسلم (أمون )وإختفي .. و لم تذكر مدى الفقر و الجهل السائد بين العامة و الرعب من إنحسار مياة النيل أو فيضانها الزائد أو كيف قاوم المصرى إنتشار الاوبئة و الامراض .. أوكيف ثار علي تحكم الغرباء و المستعمرون.
تاريخ مصر في تلك الازمان كان يدور حول مدرسة الاسكندرية الفلسفية .. وكيف تعلم الاغريق من نبع الثقافة و الحضارة المصرية.. و كلها قصص لا تتحدث عن مصر بقدر حديثها عن حكامها من الاغريق .. أو الرومان .
الدين المسيحي الذى إنتشر بين المصريين كما لو كان بمعجزة .. قصة مسكوت عنها .. فالبعض يتصور أن العقيدة المسيحية عندما بدأت رحلتها علي أرضنا جاءت بنفس الصيغة التي أصبح عليها الخطاب الاورثوزكسي اليوم ...
و منهم من يرددون ما جاء علي لسان البطارقة الاوائل علي أساس أنه المقال الوحيد ..
في نفس الوقت موجود العديد من الوثائق و الكتب التي تحكي قصص مختلفة .. غير معروفة لأغلب سكان هذا المكان .. لقد كانت هناك في البداية عشرات الملل و التوجهات يتوزع عليها المصريون .. و كل منها ترى أن حديثها هو الحق و الباقي باطل .. وإستمر هذا الوضع قبل تحول الامبراطور الروماني للدين الجديد
بعد هذا التحول زاد الشقاق و النزاع بين الطوائف المختلفة تصلنا لمحات عنه من شذرات جاءت خارج سياق خطاب الكنيسة الرسمية .
تاريخ إنتشار الدين المسيحي بين المصريين يحتاج لدراسة موثقة .. بعيدا عن ما هو سائد من خطابات رسمية عبر الزمن خصوصا بعد الغزو العربي لمصر
فتحويل كفاح الشعب المصرى .. ضد الجباة و المستعمرين و جعله صراعا دينيا .. علي مستوى ( الاسكندرية ضد روما) .. أو (القبط ضد المسلمين) هو هيلوله فكرية و نوع من التبسيط المخل .. وإهدار لكفاح المصرى عبر الزمن للتخلص من نير غاصبيه .
الاكثر غموضا رغم أنه الاقرب زمنيا .. هو تاريخ إنتشار الاسلام في مصر ..وما صاحبه من قصص تتردد عن ترحيب المصريين بالغزاة للتخلص من المستعمرين البيزنطيين و إغفال ما تم من صراعات و إنتفاضات و مقاومة للجباة الجشعين الذين أتوا لفرض ضرائب متجاوزة حتي ثورة البشموريين ضد الإفشين
تاريخ حكم العرب في مصر بصوره الثلاثة ( الخلفاء الراشدين ، الامويون ، العباسيون ) هو تاريخ إستنزاف ثروات المصريين و التعامل معهم علي أساس أنهم موالي أو ذميين ليست لهم حقوق أبناء الجزيرة العربية المهاجرين في إحتلال إستيطاني مستمر قبل و بعد إحتلالهم للاسكندرية و الفتك بسكانها وحضارتها.
موقف الولاة المختلفين و الخلفاء المتتالين من مصر و المصريين .. يتراوح بين الذكرى الحسنة للخليفة عمر بن الخطاب الذى قال ( إضرب إبن الاكرمين ) و هي قصة قد تكون حقيقية و لكنها ليست بين إبن القائد عمرو بن العاص و مصرى من الموالي أو الذميين .. و لكن بين إبن الاكرمين و إبن أحد العربان المهاجرين أو المحتلين و الذين كانوا يطلقون عليهم أهل مصر .
و بين ذكرى ظلم القائد المنتصر عندما جمع من القبط أموالهم و قال من سيخفي علي كنز ساقطع رقبته .. و نفذ هذا في (بطرس ) أحدهم .
إنها في النهاية كلها قصص و ليست تاريخا موثقا يحدد حجم النهب الذى زاولة الولاة علي الشعب المصرى .. بحيث تحكي الحواديت عن حفيدة إبن طولون (قطر الندى ) بنت خماروية و جهازها الذى كانت قافلته أولها بمصر و أخرها ببغداد .
المتتبع للاموال التي كنزها الولاة أو أرسلت للخلفاء سيعرف بوضوح أن جنود عمرو بن العاص لم يأتوا لنشر الاسلام فقد كان القرآن لم يكتب بعد .. و كان المصريون يجهلون لغته ..و لا يفهمون ما يقوله العرب إلا عن طريق المترجمين فلم يبدأ الغزاة بتعليمهم إياه و تغيير دينهم بقدر ما بدأوا بتأمين الحصول علي أموالهم .
تاريخ إنتشار الدين الاسلامي في مصر بشقية ..أى إستنزاف عرق الشعب لصالح الخلفاء في المدينة أو دمشق أو الشام .. و الشق الاخر العقائدى و الفكرى .. يحتاج لدراسة مستفيضة .. بعيدا عن كتب فقهاء المماليك ..و حواديت المؤرخين الذين دونوا فيها وجهات نظر و إنطباعات لا ترقي لمستوى التأريخ عن جزء من الصورة و ليس مجملها .
علي الجانب الاخر و بعيدا عن كتب التراث يوجد تصور لعملية الغزو العربي لمصر يبانها أمر طبيعي ..يقرنها أصحابها بسلسلة طويلة من غزوات البدو المحيطين بدأها عبدة حورس قبل عصر الاسرات أو الهكسوس في الدولة المتوسطة أو الاغريق في نهاية الدولة الحديثة ..
.
فالسيناريو الذى تكرر مع البدو يفتتح بتسللات وهجرات هربا من سوء الاحوال الاقتصادية في بلدان مجاورة لتكون مجتمعات من الهكسوس في دلتا مصر الشرقية أو الاغريق علي شواطيء المتوسط او بدو الجزيرة في صعيد مصر و كانت هذه التجمعات عونا للغزاة و تمثل وسطا مناسبا لإستقبال الجنود .
الغزو سواء كان هجرات و إستيطان .. ثم تبعها جيوش و جنود .. أو كان جنود و إنتصارات تبعها هجرات إستيطانية .. يحتاج لدراسة مدققه يتغافل عنها من يعتبرون غزو العرب لمصر نعمة فقد هدانا الغزاة للإسلام رغم فظائعهم المبررة لديهم بأنها كانت سمة العصر .
تاريخ مصر منذ 600 ميلادى حتي اليوم كتبه بشكل مستمر المنتصرون .. ولم يشارك الشعب المقهور دوما إلا في إنتاج القوت للجبارين من الجباة و العسكرتارية المحتلة.
المنتصرون يقصون علينا صراعات الخلفاء علي حيازة ثروات مصر ..و عن إستقلال البعض بها مثل أحمد بن طولون و الإخشيد ..أو الفاطميون والايوبيون ..و عن أنه قد حكمها في زمن ما خصي .. أو عبيد يباعوا و يشتروا في الاسواق .. و أطفال .. و مجانين .. و شواذ .. وغريبي الاطوار ..
و كانت في يوم سنية المذهب و في أخر شيعية .. ثم عادت مع صلاح الدين لتصبح شافعية .. و في كل الاحوال كان يتبدى في صدر الصورة حامل سلاح (في الغالب أجنبي) و بجواره مفتي من الموالي يبرر ظلمه بواسطة فتاوى متعارضة .
قراءة التاريخ قبل وبعد مقتل طومان باى و تعليق جثته علي بوابات القاهرة يتخذ طريقين ..
أحدهما يعتبر المماليك مصريون قاموا بعمل إنشاءات و بنوا الجوامع و الوكالات و الاربع و المواني .. وشقوا الطرق و أمنوا التجارة بين الشرق و الغرب .. و حاربوا و إنتصروا علي المغول والتتار .. و أن كل هذه الانجازات هي إنجازات مصرية ..
و البعض يرى أن حكام مصر من 600 حتي 1800كانوا مستعمرين و أوليجاركية من الظلمة ..قاموا بنزح ثروات مصر تحت تهديد السلاح .. و لم يقدموا أى إنجاز حضارى خصوصا في زمن الاحتلال العثماني ..و لم يهتموا بترقية و تعليم المصريين .. و تركوهم يعانون المجاعات (مثل الشدة المستنصرية ) و يأكلون بعضهم بعضا .. و يقمعون ثوراتهم التي لم تتوقف . .
تاريخ هذه الفترة يحتاج لبحث و دراسة و تدقيق .. يتخذ آليات حديثة لتوثيق المعلومة .. و يدرس التطورات التي حدثت علي المصريين و جعلتهم بالشكل الذى كانوا عليه ووصفة في مدخل القرن التاسع عشر علماء الحملة الفرنسية المصاحبين لنابليون أثناء إستعمارة لبلدنا .
القرن التاسع عشرحمل لمصر هدايا لازلنا لم نلق لها بالا ..الهدية الاولي محمد علي و إبنه إبراهيم و محاولة الخروج من قمقم الاستعمار العثماني ..
و الثانية إكتشاف لغة العصافير و حل رموزها .. ليتخلص مثقفيها من طلسمات عصر النكوص الذى صاحب العرب و الاتراك .
القرن التاسع عشر حمل لمصر أيضا كارثتين .
.
أحدهما سقوط أبناء محمد علي في شراك سماسرة أوروبا .. و تطور الدين العام لدرجة عجز معها الحكام عن الوفاء بقيمة الفوائد المترتبة علي القروض .. ثم سيطرة صندوق الدين علي ميزانية مصر..
و الكارثة الاخرى الاحتلال البريطاني و فرض الحماية و الذى إستمر حتي منتصف القرن التالي .
لا أعرف بالضبط اسباب تجاهل أحداث هذا القرن و دراستها و التعلم من إحباطاتها ..
لقد وصل لنا نحن أبناء القرن العشرين تاريخا مزورا .. يجامل عائلة الملك .. ويبهرنا بالقاهرة الخديوية .. و القصور و الكبارى و الحدائق و السكك الحديدية .. و ينسي أو يتناسي إلي حين .. جهد الفلاحين الذين سخروهم و قتلوهم.. في أعمال إنشاء الطرق و المصارف و المجارى المائية و منها قناة السويس .
.
جنون عباس حلمي الاول .. و إسراف الباشاوات سعيد و إسماعيل و توفيق ..و إنتماء عباس حلمي الثاني للخلافة العثمانية و سخافات محمد فريد و مصطفي كامل بهذا الخصوص .. ويبرزحادثة دنشواى ليتكتم بها علي سيرة غير عطرة لاسرة من الملاحيس الذين إنتهوا مع صعود صغار ضباط مصر .
زوال حكم أسرة محمد علي لازال يختلف علي جدواه المصريون .. فمنهم من يراهم (اى ملوك مصر ) النعمة التي زالت بعودة العسكر و الكهان للحكم .. و منهم من يرى أنهم أغراب تولوا و هم يجهلون حتي لغة المصريين .
هذا التاريخ الموثق أحداثة في أكثر من مكان .. سواء محليا أو خارجيا .. يحتاج لباحث مدقق محايد .. غير حكومي .. ليعيد تقديمه بصورة أكثر علمية طبقا لقياسات البحث المعاصرة
في القرن العشرين و الجزء الذى مضي من الحادى و العشرين .. تحسنت أساليب حفظ المعلومة و تداولها و دراستها و تحليلها .. بحيث كنا نأمل أن نتعرف علي أحداث هذه الفترة بدرجة مناسبة من اليقين .. و لكن للاسف .. تدخل مستر (جوبلز ) بمقولته الشهيرة (( اكذب و أكذب و إكذب حتي تصدق نفسك )) فأصبحت شعار المرحلة .
تاريخ مصر خلال الفترة من 1952 حتي الان لم يجروء من كتبه أو دونه علي دراستة دراسة غير منحازة لقد كانوا مرددين إما لتعليمات المنقلبين يمجدون و يبررون .. أو يتداولون قصصا رومانسية تشبة .. (أحمد و إنجي) .. اللذين كنا نشاهد رومانسيتهما و نبكي تعاطفا .. أو حكايات عن( صلاح الدين) كلها إسقاطات و غير دقيقة فنتحمس ونهتف ..
أويقدمون لنا أحلاما طوباوية عن الاشتراكية والوحدة العربية ..و نستزف الدم فداء لها ..أو أحلاما أخرى عن الانفتاح علي العالم المعاصر و ندفع للمرتشين و السماسرة و مندوبي تحصيل الديون عرقنا و شقانا
لقد كان الاعلام دوما و الكتب المدرسية و الابحاث العلمية التاريخية في خدمة أهواء الجالس علي دكة الحكم .. و لم يتغير الموقف أبدا.. يكفي أن تقرأ عناوين جرائد الحكومة أو حتي الخاصة بأصحاب الاعمال ..أو اللجان الإلكترونية لتعرف كم الزيف و المغالطات .. التي يستخدمها محترفي الاعلام من أبناء جوبلز .
والان الا يوجد في نهاية هذا النفق ضوء ... يوجد بالتأكيد و إلا ما وصل لسيادتك هذا المقال ...