لا أؤيد الإنقلابات العسكرية (72 سنة ) فشل


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 8047 - 2024 / 7 / 23 - 10:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لا أؤيد الإنقلابات العسكرية ..و أعتبرها شكلا من أشكال الفتونة..و فرض إرادة عدد من الناس .. بالقوة علي الأمنين العزل ..
و في كل الأحوال .. ارى أن الضباط و الجنود لم يعدوا لكي يحكموا .. و يديروا أمورا سياسية و إقتصادية و حقوقية للبشر .. إنه بلاء .. تصاب به الأوطان و تظل لفترة طويله تعاني من أثاره .
في بلدنا تصارع علي كراسي الحكم الكثير من الضباط في إنقلابات بعضها كان فاشلا و تم القبض علي من قاموا به و محاكمتهم .. و بعضها تم في صمت .. حتي أننا لم ندرى به ..و البعض صاحبة ضجة ..و حشد للقوات ..و إستعراض للقوة .. كان أكثرها تأثيرا .. ما حدث قبل 72 سنة في 23 يوليو 1952 .
اليوم أستطيع أن أقول .من خلال ما شاهدت وعاصرت . أنه بدون وجود البكباشي جمال عبد الناصر بين الضباط المتمردين و قليل من الحظ مع سوء تقدير القيادة السياسية و العسكرية .. كانت حركة يوليو .. ستصبح إحتجاجا محدود التأثير ..يحقق أهدافا مهنية خاصة بهم ثم يعودوا للقشلاقات .
رجال الحركة المباركة .. كانوا من صغار الضباط حديثي السن .. قليلي الخبرة .. بعضهم كان درويشا.. أو فتوة أو خبيثا ملاوعا..له أكثر من وجه ...
و هم في الغالب لم ينجحوا في المهام التي أوكلت لهم ..عدا عبد الناصر الذى تميزبينهم من اليوم الأول بانه صاحب فكر قادر علي قراءة تختة الرمل بصورة جيدة ..وله رؤية تساعده في تقديم خططا إستراتيجية.. غير مملاه عليه أو ملقنة .. تعكس الواقع وتغيره تغييرا راديكاليا ...لم نشهد مثله خلالة القرن الماضي
عندما تمكن عبد الناصر من السلطة بعد صراع داخلي بين الضباط .. إبتعد عن المسار التقليدى المطروح في الشارع السياسي .. تجاهل الديموقراطية .. و تداول السلطة السلمي ..و عادى اليات تحكم السوق العالمي في السوق المحلي ..و لم يهتم بالنيوليبراليزم التي تطورت بعد الحرب.. و أصبحت المصيدة التي تجعل المستعمرات السابقة دولا تابعة للكبار .
لقد كان له قناعاته الخاصة المعبرة عن أحلام البؤساء المغروسة أرجلهم في الطين المصرى و تسعي إلي النهوض بمجتمع يخرج لتوه من أسر الإستعمار ( فقر ،جهل ،تخلف أساليب عمل و عجز في وسائل الإنتاج )
لذلك لجأ للإشتراكية التي كانت سائدة بين بلاد المعسكر الشرقي ..والتي صعدت بمجتمعاتها في سنوات محدودة.. بعد الحرب العالمية الثانية إلي القمة
في يوليو 1961 قضت (الثورة ) نهائيا علي أخر معاقل (الرأسمالية ) في مصر بتأميم البنوك وشركات التأمين و التجارة الخارجية و أعمال المقاولات و حصرت هذة الانشطة في إدارة ما يسمي (بالقطاع العام ).
ثم أن الناصرية قامت بإنشاء خط دفاعي صلب يمنع عودة (الاستغلال الرأسمالي ) بإصدار القوانين المنظمة لدور القطاع الخاص (الرأسمالية الوطنية ) ، وفرض الضرائب المتصاعدة و الجمارك والحد الاقصي للاجور.... بحيث أصبح من المستحيل عمل تراكما راسماليا للافراد .
بكلمات أخرى كان من الواضح أن الراسمالية المستغلة لن يقوم لها قائمة بعد هذا التاريخ .
اليوم بعد 62 سنة من صدور تلك القوانين سقطت جميع المتاريس و الحصون و الدفاعات كما لو كانت خط ماجينو ..و تحولت مصر إلي شكل راسمالي بدائي متوحش ..يقود المسيرة فيه مليارديرات أغلبهم من الضباط .
إذهب للعاصمة الجديدة أو العلمين أو الكومباوندات المغلقة أو قرى الساحل الشمالي ..لتراهم يديرون من هناك السياسة والإقتصاد....ثم أنظر إلي قرى الصعيد و الأحياء المزدحمة في المدن لترى الجوع والجريمة و سوء الأحوال كما لو كنا قد عدنا إلي زمن حكم الإنجليز .
كيف حدث هذا .... .
لم تصل مصر الي ((إشتراكيتها )) عبر تنظيرات فلسفية او نضالات حزبية او علاقات ثورية فرضها الشعب ..و إنما من خلال تجارب ضباط يوليو لتحقيق اهداف الثورة الستة وإرساء أسس مجتمع جديد ((يتناسب مع الواقع المتغير للقرن العشرين )).أو هكذا ذكروا في وثائقهم
من هذا المدخل تطورت ..الأحداث
فعندما حاولوا تحرير المواطن من (عبودية العوز ) بإيجاد عمل كريم لكل قادر أو معاش كاف لغير القادر و عندما كان عليهم مقاومة تلاعب تجار الجملة و القطاعي بأقوات الشعب وضمان توفر السلع الضرورية باسعار في متناول اليد و عندما حاولوا حماية الجنية المصرى من تقلبات بورصة السوق العالمي ..إصطدموا بقوى الثورة المضادة التي لم تستسلم أبدا .
الصراع بين القوتين .. (البازغة ..وتلك المستوطنة من سنين ).. أدى لتغيرات أساسية في السياسة الداخلية و الخارجية ..تبدو لنا من موقعنا غريبة ..و لكنها في زمنها كانت منطقية و ضرورية .
بمعني أن الحكام الجدد لم يكن لديهم إستراتيجية أو خطط مضادة لمناورات العدو .
لقد وجدوا أنهم من أجل ضمان حرية وطنهم و عدم سقوطة في دوائر التبعية .. فإن عليهم الانضمام الي (مجموعة عدم الانحياز) و خلق علاقات متوازنة مع (قوى السلام العالمي) و مقاومة الاستعمار و تشجيع و مساندة الثورات و الانقلابات الوليدة و إحياء (القومية العربية )النافقة و (الوحدة الافريقية)العبثية و(الجامعة الاسلامية )المستكينة لقهر قوى الاستعمار و التخلف...
كل هذا لم يكن ضمن مخططهم عندما إنقلبوا علي الملك ..و كل ذلك لم يعد الأن فكر يهتم به قادة الأمم و شعوبها
وكان لصعود ستالين بالاتحاد السوفيتي نموذجا لما تستطيعة (الاشتراكية ) في صورتها المطبقة هناك من قدرة علي النمو و التطوير مما اثر علي توجهات الضباط معدومي الخبرة فأصدروا فرمانا بأن علي مصر إتباع (المنهج الاشتراكي) المعدل ليناسب بلدنا و ثقافة ناسها المتدينين .. كأساس لادارة الدولة ..
هذا كان طبيعيا .. في الستينيات و لكنه لم يعد أمر جاذب لثوار زمننا هذا مع إنهيار الإتحاد السوفيتي
و جاء ميثاق العمل موضحا و مفسرا و دليلا قابلة المثقفون بالصمت و التوقير ولم يجروء جهابزة المفكرين علي توضيح أن سيطرة الدولة علي مداخل ومخارج إقتصاد المجتمع هوصورة من صور(رأسمالية الدولة النازية) ... لا (الاشتراكية)..
الميثاق و بيان 30 مارس .. عندما تفراهما اليوم تجد أن شخصا حالما كان يتكلم عن يوتوبيا غير قابلة للتحقق .. و لكن في الستينيات كانت هدفا يسعي المجتمع نحوه .
لم تكن قوانين يوليو 61 هي البداية بل كانت اللحن الختامي لسيمفونية سيطرة أجهزة الدولة علي مجمل الاقتصاد القومي و توجيهه ..
بدات مع مصادرة شركات و ممتلكات الأجانب و تأميم قناة السويس و تقليص نفوذ الاقطاع والمستثمرين و الراسمالية المحلية..ووضع العقبات امام إعادة نفوذها
لقد مر أكثر من نصف قرن تغيرت فيها المعايير .
فلا تحكموا علي أمس بقياسات اليوم .. لقد كانت تصرقات مقبولة و منطقية لحل أزمات الخمسينيات و الستينيات. ..و لم يكن عبد الناصر و من معه إشتراكيون منذ البداية .. و لكن كانوا إنسانيون يتضررون من بؤس و فاقة أبناء الترجيلة .
وتغير شكل المجتمع ..الدولة الزمت نفسها بأمان الناس و حمايتهم من قوى العدوان الخارجي قبل الداخلي وبدعم السلع الرئيسية ..وبإيجاد عمل لكل مواطن ومسكن وملبس وطعام وفرصة تعليم ووسيلة ترفيه ورعاية صحية .. و نجحت .. لم يكن هناك عاطل واحد ..و لا شابة تنتحر لضيق ذات اليد و لا ناس تبحث عن عشاءها في صناديق القمامة ..أو شخص يتذلل للعلاج علي حساب الدولة .
في تلك الايام تم إنشاء مسارح الحكيم والقومي و الطليعة و العرائس و الاوركيسترا السيمفوني و فرق الرقص الشعبي و البالية و الدار القومية للطباعة والنشر لاصدار الف كتاب كهدف اولي .
إنعكس هذا علي الاغنية و السينما و المسرح التي تغنت بالاشتراكية و الديموقراطية و إعتبرتهما جناحا الحرية .
المشكلة التي قابلت نمو هذه الإستراتيجية المنحازة للتاس
كانت تنحصر في عدم كفاءة الموظف المتحكم (بصفتة مندوبا عن الشعب و الدولة ) في الإنتاج الزراعي و الصناعي و الانشاء و التجارة و الخدمات ،في الفن ،الثقافة ،السينما ،المسرح ، الاذاعة و التلفزيون. فلم يكن قد تربي سياسيا و خلقيا بالقدر الكافي لتحمل هذه المسئولية .رغم الجهد المبذول من الإتحاد الإشتراكي و تحالف قوى الشعب العامل و التنظيم الطليعي . إلا أن الخطط كانت في واد ..و التنفيذ في مكان أخر . .
لقد سيطر موظفون رسميون ساد بينهم الفساد ..علي المجتمع ومجمل النشاط الاقتصادى و الانساني ..و تخوخ البناء بالإدارة السيئة الفاسدة .
هذا رغم كونهم محكومون بقوانين ولوائح الضرائب و الجمارك وقيود الاستيراد و تداول العملة الحرة وتعليمات حماية الصناعة المحلية وتشجيعها و عضوية مجلس الادارة للعمال وإقرارات الثروة و تحديد الحد الاقصي لمكافئات اعضاء مجالس الادارات بخمسة الاف جنية (سنويا ) خلي بالك سنويا.. إلا أن عددا منهم إستطاع تكوين ثروات .. وضعته في شريحة أفضل . بدأت تطالب بتغييرات في النظام تسمح لها بالنمو ..و و هو ما أدى لإنفتاح السادات الذى كان واحدا من المطالبين بل يقف علي رأس القائمة .
.
الصراحة لو كان عبد الناصر قائدا لحزب يؤمن بالاشتراكية وجدواها ثم تولي القيادة من خلال تداول سلمي للسلطة أو ثورة شعبية .. لنجح في تحقيق أهدافه الإنسانية بعيدا عن هؤلاء التعساء من اصحاب الثقة الذين وظفهم النظام ليطبقوا سياسته ..و يتسببوا في قتله
بكلمات أخرى أنا لست ضد ما قام به الرئيس جمال عبد الناصر .. في الستينيات .. ولكنني ضد ( الإنقلاب ) كوسيلة ا جاء بها إلي الحكم ..
ماذا حدث لتنهار متاريس إشتراكية عبد الناصر.. هذا موضوع أخر قد نناقشه في يوم ما بعيدا عن ذكرى 23 يوليو .