أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن
-
العدد: 8197 - 2024 / 12 / 20 - 08:12
المحور:
المجتمع المدني
كنت أحاول إسترجاع مشاهد فيلم رايته عام 1969 لجين فوندا مأخوذ من قصة (هوراس ماكوى )..تحكي عن مارثون رقص جرى خلال فترة الكساد الكبرى بأمريكا بعنوان (( إنهم يقتلون الجياد اليس كذلك ))..و صراع بطلة الفيلم لكسب الجائزة بالرقص لساعات طويلة دون إنقطاع ..و كيف كادت أن تموت من الإرهاق و التعب ..و لكن حاجتها للمال تحولت إلي سوط يلهب جسدها ..و يضنيها .و يجعلها تستمر
و كنت أحاول ربط هذا العذاب بما يحدث في بلدنا بعد أن سيطر المليارديرات والكرتيلات الأمريكية علي السوق.. و أصبحنا ندور في عجلتهم الإقتصادية ..و معاناة المصريين من كساد قاتل .. عندما رأيت بالصدفة .علي صفحات الفيس بوك . صور إجتماع قادة دول إسلامية في قصر هارون الرشيد بالعاصمة الإدارية
الناس تركت الحدث و ما يدور فية ..و نشرت عشرات الصور للقصر الجديد .المجهول تماما لأغلبنا
الصور بالنسبة لمهندس معمارى .. درس بالتفصيل تطور البناء من عصر ما قبل التاريخ حتي يومنا .. ويستطيع التمييز بين الحقب المعمارية المختلفة ..و مطلع علي مدارس الفنون القديمة والحديثة رسم و نحت و باراليف و ديكور داخلي وأثاثات و لاند سكيب ..مثلت صدمة ..من الذى صمم هذا .. من الذى وافق علي هذة السلطة من الطرز .. من الذى نفذ هذا الحجم الضخم من الأعمال ..من الذى أنفق. كل هذه الأموال و أنتج هذا الخليط غير المتجانس .
أسئلة شغلتني للحظات .. إن الأمر يبدو كما لو كنا قد صورنا منزل لغني حرب من بتوع زمان لدية مال وفير ..و ذوق فج غير مثقف .. فجمع قطع من الاثاث و التحف مرتفعة الثمن ..و لكنها متنافرة و وضعها بصورة عشوائية .. في مكان ملأه بالنقوش و الحليات .. فاصبح مضحكا أكثر منه مبهرا
بصراحة من صمم هذا المكان ..شخص محدود الموهبة لايعرف تاريخ مصر و معمارها .. قرر أن يقلد قصور افلام الف ليلة و ليلة التي شاهدها في السينما الأمريكية .. .فجاءت هذه الطبخة التي لا شخصية لها
أساتذة العمارة زمان كانوا يقفون علي لوحة طالب ما .. و يجمعون الدفعة .. يحكون عن الأخطاء المعمارية التي .. إرتكبها المسكين .. و كان هو يستمع ساكنا في هدوء .. و باقي الزملاء يضحكون ..
ما رايته .. علي الفيس بوك لصور مكان يجمع ما بين .. القصر ، الجامع ، الكنيسة ، المعبد المصرى .. طريق الكباش ،صالة العرش الأموى ، الإيوان الفارسي ، الإستقبال العثماني ، نوافير غرناطة الأندلسية وحدائق الفرساى .... يصلح لهذه المهمة .. أخطاء لا حصر لها تجعل من المكان درس حي ..ونموذج تعليم الطلبة .. لما يجب عليهم تجنبه .
بحيرات صناعية علي جانبيها طريق كباش ..يا مفترى ..في وسط الصحراء و العجز المائي الذى نعاني منه .
القارق أن علي الاستاذ أن يقف ساكنا .. و الذين يضحكون هم من أصبحوا مليارديرات من العمل في هذا الصرح الهوليودى الكئيب .
كان الله في عون جين فوندا المصرية التي تهلك رقصا ليبني الحكام أعمال مركبة ستصير خرابات لو لم ينفق علي صيانتها اليومية ثروة ..كي تبق صالحة لإستعمال غيرالحرس و الخدم و الحشم .
لقد توقفت عن قراءةة الصحف المصرية أومشاهدة قنوات التلفزيون .. حتي أتجنب رؤية مثل هذه المنشئات ( البرلمان و مقر رئاسة الوزراء .. و باقي المصالح و الخدمات ) ..و لكنها تحضر لي عبر الفيس بوك ..
هل أقاطع هذه الوسيلة المستفزة ايضا .. الا يوجد طريقة تجعلني لا اقرأ اخبار فريق كرة القدم للنادى الأهلي ..و أخبار و صور العاصمة الإدارية الجديدة ..و ما يحدث في سوريا و ليبيا و السودان .. و تعليمات صندوق النقد ..و أفلام السينما و الأغاني المستجدة .
شباب المعماريين .. لقد أصبحت .. حفرية .. لا أعي ما يحدث حولي ..مثل ذلك الراهب الذى وجدوه بجبال التبت في حالة سبات من مئات السنين ..فما رايكم ..هل هذا طراز معمارى جديد أم أنه جرى إهدار الفرصة .للوصول إلي عمارة قومية تجمع بين الاصالة و المعاصرة .. كما راينا في العراق ..و تركيا .