عندما تختفي الجيوش و تترك بلادها للنهيبة
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن
-
العدد: 8189 - 2024 / 12 / 12 - 04:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ 1967 وأنا أعاني من مرض نفسي يقال له ((عصاب جرب مزمن شديد )) يتزايد و يعكنن علي عيشتي ..و يجعلني غير متوافق مع العالم .. عندما أسمع أن ضباط و جنود جيش تركوا اسلحتهم و خلعوا ملابسهم و هربوا .. تكرر هذا .. عدة مرات خلال حياتي .. 67 في سيناء هرب القادة و تركونا فريسة سهلة للعدو .. و2003 هرب ضباط صدام أمام جنود الغزو الأمريكي و تركوا الناس للخوف و ثروة البلد للنهب ..و 2011 تبخر جيش معمر القذافي بدون سبب ..و في ايامنا هذه ..يختفي الجيش السورى ..و يترك القرود و المعاتية ينهبون المكان ..و العدو الإسرائيلي يدمر أسلحته في البر و الجو و البحر .( إتفخص ) .
الجيوش لا يستثمر فيها الوطن لتخيف و ترهب المواطنين و تعذبهم في سجونها و معتقلاتها ..و لكن تقيمها الدول و تنفق عليها من قوتها وتشترى لها السلاح و يتمتع أفرادها بالطعام و الملابس و المرتبات ..و الإمتيازات ..و يتحمل الناس عنظزتهم ..و غرورهم ..و قراراتهم غير المنطقية .. من أجل يوم المعركة .. و الامل في الصمود ..و القتال ..و حماية الارض و الناس حتي أخر قطرة دم .
صباح اليوم .. لم أكن أعرف ماذا سأكتب ..و إن كان لدى حرص علي تجنب الحديث عن ما يجرى في سوريا و لبنان و غزة .. فموجات الدعاية الداعمة..
((عودة جماعة الخوذة البيضاء إلى سورية ، للعمل كأداة لإنتاج أفلام دعائية بتوجيه من دوائر المخابرات الغربية ، لا تمت للواقع بصلة تشويها و بثا للفتنة و إيقادا للعصبية الدينية والطائفية .)) من مقال لخليل قانصوه .
.و المضادة التي توجه لنا ... تغرقني في الأحزان و الحيرة و تجعلنا جميعا .. غير منطقيين في الحكم علي الأحداث .
و مع ذلك فخارج أطار التعقل.. لدى شعور بالالم .. والحزن علي هؤلاء الذين يعيشون في تلك الأماكن .. فلقد عاينا قبلهم .. حجم الخوف و القلق وعدم الثقة حتي في أقرب الناس ..خلال شهرى يناير و فبراير 2011 عندما ملك الشارع فتوات الحكومة المتخفيين في أزياء مدنية ..والمساجين المطلق سراحهم و الإخوان و السلفيين بتوع تورا بورا ..و جماعات السطو المسلح .. و السرقة ..و البلطجة ..بحيث أصبح المكان غابة لا نأمن السير فيها نهارا ونحرسة ليلا بمتطوعين من الشباب .
الفوضي ..و عدم الأمن .. و سيطرة حاملي السلاح علي الشارع .. سلوك مستوطن كامن ..يظهر دائما مع ضعف قبضة السلطة ..عاني منه أهل هذه المنطقة طول تاريخهم..
يحكون لنا أنه عندما كان ينهزم أمير مملوكي خلال صراعاتهم التي لم تتوقف .. كان يهاجمه أهل البلد (الرعاع و السوقة كما سماهم إبن إياس ) .. ينهبون ملابسة و أسلحتة و أمواله و خيله ومماليكه.. و يدمرون قصوره ..و يسرقون حتي رخام الأرضيات و الحوائط .. و فوانيس الإضاءة .. في نفس الوقت لا يأمن تاجر أو مواطن علي سكنه أو نفسة في المنطقة المنفلتة .
فترة ال300 سنة التي حكم المماليك فيها مصر(و الشام و الحجاز) تحتاج لدراسة متأنية ومستفيضة لقد كانت بداية حكم الأوليجاركية ( الاقليات المسلحة ) .. الذى شاع بعد ذلك في بلادنا ..
فكما ذكر كتاب السير المعاصرين لهم ستجد أنه كان منهم العاقل و المدرب و الذكى و الشجاع الذى حرص علي العدل ودافع عن الوطن و بني الوكالات و الأربع و الجوامع و القصور ...و في نفس الوقت كان منهم الخائن والغبي و الدموى..و الطماع الذى لا يشبع من جمع الأموال بكل الطرق فيسجن ويعذب و يغتال و ينهب الضعفاء ..(( قراءة حديثة في كتاب قديم ))
كل المماليك ( القدامي و المستجدين ) بلا إستثناء ..حتي الأطفال منهم و المعاتية لم يجدوا أى مشاكل في حكم مصر و الشام ..
لان النظام (بما يطلق علية اليوم الدولة العميقة ).. كان دائما مسيطرا .. يغطي العجز و قلة الخبرة .. و في حالات الخطر يصحح المسار ويغير الوجوه التي لم تعد قادرة علي الإستمرار .
هذا لا نراة اليوم فقط بل تكرر عدة مرات في فترات مختلفة من تاريخنا .. مع ملكات و ملوك البطالسة ، إبن طولون و أسرته ،الإخشيد و عائلته ، الفاطميين و نسلهم، أبناء صلاح الدين الأيوبي .، أبناء محمد علي و أحفاده..و جماعة الضباط الأحرار .
الحاكم الفرد في هذه الأنظمة رغم ديكتاتوريته لم يكن المشكلة.. لان النظام هو في النهاية من يدير ويسيطر وفي بعض الأحيان يتخلص منه أو يغيره للمحافظة علي الوجود و الإستمرارية .
أنظمة الحكم التي عاش المصريون و الشوام تحت مظلتها ..تصنف بما يسمي (الطغيان الشرقي ). إسلوب فاشيستي (بلغتنا الحديثة )..له ثلاثة قنوات (الشرعية الدينية أو القومية ..و سلطة العسكرجيش و أمن .. ثم العمالة للإستعمار الإستيطاني او الكولوني ).. تتبادل الكراسي و قد تتكامل و تتحد في بعض الأحيان ..
خبرها الأجداد .. و سيعيش في ظلها الأبناء و الأحفاد ..حتي نتعلم كيف نضع العقد الإجتماعي والقواعد و القوانين التي تضمن حرية الإنسان وحقوقة و عدالة النظام.. نحافظ عليها في مواجه الطغاة ..و الاشرار
مع بدايات القرن الحالي تبدى وجه أخر لم يختبر من قبل ..و هو سلطة المليارديرات المحليين المرتبط مصالحهم بالسوق العالمي والتي تحتمي خلف واجهه مصطنعة براسها كومبرادور هي خليط من عناصر التيارات الثلاثة..
.سلطة أصبحت أكثر ذكاء ..و خبثا..وخداعا تعرف طبيعة الشعوب معرفة جيدة ..و تستخدم نقط ضعفها بمهارة ..لتستنزفها
رايناها في العراق بعد الغزو..و في الخليج و السعودية و مصر ..و ها هي تمتد لتضم سوريا و ليبيا وتونس والسودان هذا النظام أصبح يسيطر علي اغلب شعوب العالم الثالث..يطارد التعليم و الدراسات و الأبحات و تطوير طرق الإنتاج ..و يهتم بأن يبق الناس في درجة متدنية من المعرفة المعاصرة تحولهم إلي طوابير من الأقنان يعانون البطالة .. و يحصلون علي أجور منخفضة ..و يستهلكون .. ما يصدرونه لهم من زبالة السوق العالمي .بأغلي الاسعار .
حزين انني كلما طرقت موضوعا أصل لما يحدث في بلادنا و أنتهي بانه ليس لدى أمل أن نتغير قريبا.. أو حتي يفهم ناسنا .. و يفرقوا بين العدو و الصديق ... الم أبدأ حديثي بانني أعاني من عدم الثقة و القلق من الفقد و الهزيمة منذ 67 .. إنه مرض فإحذروا من العدوى .