الرؤيا


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 8107 - 2024 / 9 / 21 - 08:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

في اربعينيات و خمسينيات القرن الماضي .. كانت سيدات و شابات الجيران يتجمعن صباحا عند والدتي يشربن القهوة التركي .. و تقلب كل منهن فنجانها .. ليصفي الباقي من البن في الطبق ..و كانت طنط عيشة (رغم كونها أمية ).. تقرأ لهن الفنجان ..كنت أستمع بإهتمام زائد و أظل لعدة أيام أراقبهن لأعرف كيف ستتحقق النبوءات .. حتي تبينت أنها لعبة غير جادة يشترك فيها الجميع من أجل التسلية و هم يعرفون أنه كلام لا أساس له و في الغالب لن يتحقق .
في نفس الوقت لم أنجو من سلوك كان سائدا فقد كنت مثل الجميع أطالع ما كتب عن (برج الحوت) في باب حظك اليوم بجريدة الأخبار أو الأهرام ..و أخطط يومي علي أساس ما جاء به..
هذا الولع بمعرفة المستقبل .. لم يكن حكرا علي المصريين ..فلقد لاحظت أن العديد من الاجانب قبل مناقشة أى شخص جديد عليهم يسألون عن البرج الذى ينتمي إليه ..و يحددون مسبقا شخصيتة... قد يتم هذا في إطار المرح أو كسر برودة التعارف ..و لكن البعض يأخذونه بجدية .
و عليه لم أندهش عندما وجدت في فندق بامريكا ماكينة موضوعة بصالة الإستقبال لقراءة الطالع .. تكتب فيها إسمك و تاريخ ميلادك .. فتخرج لك تقريرا عن يومك المقبل من جميع الوجوه .
عندما أزاحت الفلسفة .. معطيات الميتافيزيقيا .. أصبحت علي يقين بأنه لايمكن معرفة الغيب .. فهناك ملايين العوامل التي تؤثر علي الحدث يصعب حصرها حتي بواسطة الذكاء الصناعي أو الكومبيوترات عالية الكفاءة .. كل ما يمكننا أن نراه من أحداث قادمة .. هو بعض الإستنتاجات .. التي قد تصدق جزئيا لو ملكنا قدر مناسب من المعلومات الصحيحة .
و مع ذلك لم أمنع نفسي من النظر بإهتمام لما كان يعتبرة الأقدمون رؤيا ..
سواء ما جاء في برديات كهنة أون القدماء عن المستقبل ..أو توقعات البابليين فبل المعاركعن نتائجها بعد أن يقرأون ما تقوله النجوم ..أوالأحاديث غير المفهومة لعرافة دلفي لدى الإغريق ..أو الغاز نوستراداموس.. أو ما كتبه أنبياء بني إسرائيل في أسفارهم ..
فأجد أنها ليست أضغاث أحلام و كوابيس بقدر ما تحمل بعض من المنطق و الحكمة و معرفة عميقة بطبيعة البشر .
واحدة من أشهر هذة النبوءات .... و التي يشاع أن الجيل الحالي سوف يشهد أحداثها ..هي معركة هرمجدون.. التي ستدور حول مدينة القدس و ((تاريخ الإنسانية ينتهي بها وهي سوف تتوج بعودة المسيح فيحكم الأحياء والأموات ))..
هذه النبوءة مدونة في سفر الرؤيا بالتوراة حيث يحكي النبي اليهودى أشعياء الرأى( أى الذى يرى ) .. عن أيام سوداء ستمر بها البشرية في المستقبل ..
النبي لم يحلم بها بل رأها متفرقة (أثناء إستيقاظه ) ثم جرى تجميعها بواسطة كتبة التوراة خلال قرنين و تضمينها للنصوص المقدسة حول منتصف القرن السادس ق.م
النبي أشعياء له في هذا السفر نبوءات كثيرة في واحدة منها ..يتحدث عن أربعة فرسان سيتوالي ورودهم علي القدس .. فارس أبيض ..و أخر أسود ..و ثالث رمادى و رابع أحمر .
الفارس الأبيض ( المسيح الدجال ) سيأتي بحلو الكلام .. يصدقه الناس و يلتفون حوله .. علي اساس أنه مخلصهم .. يحل مشاكل من التي يعانون منها ( وقد يكون هو السبب في وجودها ) .. يجمع البشرتحت حكم و لغة و إقتصاد موحد ..يعدهم بالرخاء و الايام السعيدة التي تنتظرهم ..
بعد ثلاث سنين و نصف حكم و تمكنه من عقول و قلوب الناس .. ينقلب الحال و يصبح ديكتاتورا.. طاغية.. عنيفا قاسيا .. يسوقهم بالحديد و النار.. و تتبخر كل الوعود ..و لا يبق بينهم إلا أكاذيب و خوف بائس مكتوم ..و محاولة البعض للنجاة من المصير .
المسيج الدجال .. عدو للناس .. بل هوعند البعض تجسيدا للشيطان .. ماكر خبيث .. يتلاعب بالضعفاء محدودى الفكر و الإدراك .. وهونموذج متكرر عبر التاريخ بحيث قد يتجسد امامك (خلال القراءة ).. في شخص مضي أو باق بيننا .
الفارس الثاني الأسود يأتي و معه الأوبئة ..و الأمراض التي لا علاج لها .. فتموت الملايين و تعاني البشرية الرعب من إنتشار العدوى و تغلغل المرض بين الناس ..و عدم قدرتهم علي مقاومته .
راينا هذا كثيرا و سمعنا عن حدوثه في جميع مناطث العالم أكثر من مرة لقد حضرت خلال حياتي ثلاثة أو أربعة أوبئة.. الكوليرا ..و إنفلونزا الخنازير أو الطيور و الكورونا ..و لم تفني البشرية .. فقدت بعض من أفرادها .. و لكنها قاومت و إستمرت ..
أوبئة الفارس الثاني يخاف البعض أن تصبح مصنعة في المعامل تستخدمها القوات لتدمير جنود العدو ضمن حرب بيولوجية شاملة .
الفارس الثالث الأغبر أو الرمادى .. يصحب معه الجوع والعطش .. فيقل إنتاج الناس للمنتجات الزراعية .. و تموت الحيوانات التي تؤكل و يرتفع ثمن الطعام ..و يتضرورالناس جوعا .. فيعم الأرض الإنتفاضات ..و المظاهرات و السرقات ..و يصعب علي الحكومات مقاومة .. الجماهير الغاضبة..
و تفشل كل محاولات الزراعة من جديد.بعد تلف التربة .و تعيش البشرية فوضي عجز توفير الطعام .و الأمن و الإنضباط
جوع الفارس الثالث اصبح محتملا بعد التزايد غير المحكوم لأعداد البشر و التخفيض المستمر لحجم الأشجار و الغابات و المناطق الزراعية و إقامة المنشئات الخرسانية عليها ..و التنازع علي مصادر المياة .. كما يحث بين إسرائيل و جيرانها أو تركيا ضد سوريا و العراق أو الحبشة مع دول المصب السودان و مصر .
الفارس الرابع الأحمر .. يأتي و معه سيفة .. ينشر الحروب بين الأمم .. فيتقاتل الناس و يفني بعضهم بعضا ..و تنتهي هذه المعارك بالمعركة الكبرى هرمجدون التي تقوم بين المسيح الدجال القادم بجنوده من الشرق .. و سكان القدس بقيادة المسيح المرتقب .. بحيث تصبح الإنسانية علي حدود الفناء .و لكنها تنعم بعد ذلك بحكم مسيحي رشيد
خلال الفترة من منتصف القرن السادس قبل الميلاد و اليهود يحكون .. عن أنهم يعيشون هذا الزمن الأسود الذى رأه النبي أشعياء .. و ينتظرون المخلص
قالوا هذا مع حكم الرومان ونابليون ..و مع هتلر و ستالين .. وأباطرة الشرق من مغول و تتار و ترك و ملالي إيران..و الحكام الذين يسحرون الناس بحلو الكلام .. ثم يظهرون الوجه البغيض .. بعد تمكنهم .
لقد تحقق الجزء الاكبر من النبوءة لاكثر من مرة لانها تحكي عن طبيعة العلاقة غير المسالمة بين البشر التي لم تتغير عبر القرون
فقد مر علي البشرية العديد من الطغاة ..و الكثير من الأوبئة .. و عانت أمم كامله من الجوع و العطش .. وخاض الناس حروبا قاتلة .. إستخدمت فيها القنابل النووية و الصواريخ العابرة للقارت ..
و لم تكن مصر إستثناءا لهذا المصير ..لقد تحكم فيها أكثر من مسيح دجال ..يحكي و يتجمل و يصورللناس أنه ملاك جاء ليحقق العدل و الإستقامة .. ثم بعد تمكنه .. يسقيهم الكثير من ويلات حكمة ..لا أريد أن أعدد لكم الأسماء لانكم تعرفونها جيدا و عشتوا الأحداث مع القديم منها و الحديث .
.
و عانت مصرمن القحط و نقص الماء كثيرا .. منها الشدة المستنصرية الاشهر ..و كان الطاعون و الكوليرا ..أوبئة شبه مستوطنه في بلادنا .... و لم تتوقف جيوش الغزاة عن إحتلال ارضنا و كسرنا ..و إنقرضنا في بعض العصور حتي اصبح سكان مصر مليونان
و مع ذلك لازلنا نتكاثرو.نعيش في كسل و تغييب نأمل في باكر خال من الفرسان الأربعة .
وهكذا رغم أن البشرية تقدمت بصورة غير متوقعة خلال ال 27 قرن الماضية .. إلا أن البعض يقول أن النبوئة لم تتحقق بعد فكل هؤلاء البغاة الذين حكموا العالم كانوا توطئة لقدوم الساحر الأعظم الذى سيقود الناس للدمار الشامل و يشيرون ناحية الشرق حيث الصين و روسيا و إيران و باكستان .. .ويحكون أننا أصبحنا نعيش الزمن الذى رأة النبي ..و أن المسيح الدجال قادم من بينهم إن لم يكن متواجدا فعلا..
وأن المعركة الكبرى التي ستدور حول القدس علي الأبواب و لكن ليست بالسيوف و الرماح بل بأسلحة الدمار الشامل التي لن تبقي علي شيء و سوف تطول كل الأطراف بالضرر .. بما في ذلك المستكينون خلف حدودهم يرقبون الام جيرانهم دون حراك منتظرين بأمل وصول المخلص و معه العدل و السلام .