عيد الاستقلال: مسيرة مستمرة لتحقيق سيادة وتنمية المغرب
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8165 - 2024 / 11 / 18 - 00:51
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
يحتفل المغرب يوم غد الاثنين 18 نونبر بالذكرى 69 لعيد الاستقلال. سيكون لهذا الاحتفال طعم فريد هذه السنة، نظرا لسلسلة الانتصارات الدبلوماسية المسجلة هذه السنة مع اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، والتصويت على القرار 2756، وعودة ترامب إلى المكتب البيضاوي.
وفي 6 نونبر 1955، وقع وزير الخارجية الفرنسي أنطوان بيناي وسيدي محمد بن يوسف على اتفاقيات لا سيل-سان كلود، التي تنص على عودة السلطان محمد الخامس إلى عرشه، واستقلال المغرب. وبعد اثني عشر يوما، أعلن المغفور له جلالة الملك محمد الخامس تحرير المغرب من نير الاستعمار. من المؤكد أنه تم إعلان الاستقلال رسميًا فقط في 2 مارس 1956، لكن المملكة تنفست بالفعل هواء الحرية، واتجهت رأسها نحو المستقبل، مستقبل بناء الدولة الوطنية. "يسعدنا أن نتمكن من إعلان نهاية نظام الوصاية والحماية وقدوم عصر الحرية والاستقلال". بهذه الكلمات أعلن المغفور له محمد الخامس انتهاء فترة الاستعمار واستعادة المغرب لاستقلاله وسيادته، وكذا إطلاق مسيرة التنمية في كافة القطاعات. وأضاف العاهل: “بنهاية المفاوضات سينتهي نظام الحماية وسيعيش المغرب حقبة جديدة حيث سيختبر سيادته في إطار الاتفاقيات الجديدة وبروح التفاهم والتعاون المثمر مع الشعب الفرنسي”.
ومنذ ذلك التاريخ، كشف المغفور له محمد الخامس في خطاب العرش عن عناصر الإصلاح الدستوري القائم على إرساء دولة القانون، مؤكدا أن الهدف هو تشكيل حكومة مغربية مسؤولة، ممثلة ومعبرة عن إرادة الشعب . ثم حدد المغفور له محمد الخامس المبادئ التوجيهية المباشرة، داعيا إلى التحول الديمقراطي والتعددية الحزبية. وعلى الفور، انخرط المغرب في عملية تحديث إداري شاقة، احتلت فيها معايير اللامركزية واللاتمركز والجهوية مكانة رئيسية. وإدراكا منها لخطورة الإرث الذي خلفته الحماية، اضطرت السلطات المغربية إلى القطع مع الماضي لوضع أسس تنظيم إداري محلي جديد. إن هذا الاختيار الاستباقي والحازم للراحل محمد الخامس سمح للمغرب سنة 1959 بتدشين ممارسة حديثة للإدارة المحلية، مع إحداث 800 سلطة محلية أساسية، وتنفيذ نظام انتخابي وتعددي لتعيين المجالس الجماعية واعتماد الاقتراع العام المباشر.
- رسم حدود المغرب الكبير
احتلت المنطقة في وقت مبكر جدا مكانا بارزا في الوعي الجماعي للمغاربة، كما يتضح من نظرية المغرب الكبير التي قدمها ودافع عنها قبل سنوات قليلة من الاستقلال الزعيم الاستقلالي علال الفاسي. وفي يوليوز 1956، نشر الأخير في جريدة "العلم"، حال لسان حزب الاستقلال، خريطة أصبحت تدريجيا مرجعا في الخيال الترابي المغربي. وفقا لهذه الوثيقة، كان من المقرر أن يغطي المغرب الكبير كامل الأراضي التي يديرها الفرنسيون والإسبان، ولكن أيضا كامل الجزء الواقع غرب الصحراء الجزائرية، وشمال مالي، بالإضافة إلى موريتانيا بأكملها. وقد حدد القوميون المغاربة هذه المساحة بأنها الحدود التاريخية للمغرب. وتشهد أيضا على هذه المطالبات الترابية الرسالة التي وجهها المغفور له محمد الخامس إلى الرئيس الإسباني فرانكو في عام 1960. وأعلن عن رغبته في إجراء مسح واضح للتقسيم الترابي الاستعماري: "يجب على شعبينا حل خلافاتهما لمصلحة مستقبل أجيالهم... من خلال إقامة تبادلاتهم على أسس المساواة والاحترام المتبادل، ومن خلال التخلص من جميع الأفكار التي لم تعد تتماشى مع عصرنا، ومن خلال التخلي عن جميع الامتيازات والحقوق الممنوحة لهم بموجب اتفاقيات قديمة جرت مشاوراتها في ظروف استثنائية". ومن الواضح أن المغرب المستقل لم يكن ينوي التنازل عن جزء كبير من المغرب الكبير: فقد تم استعادة منطقة طرفاية في عام 1958؛ وقد تم التنازع على الحدود مع الجزائر في عام 1963، مما أدى إلى نشوب صراع مسلح عرف باسم "حرب الرمال"؛ تمت استعادة جيب سيدي إفني في عام 1969 بعد مفاوضات مع إسبانيا؛ ولم يعترف المغرب بموريتانيا إلا في عام 1970 (أي بعد مرور عشر سنوات على استقلالها)؛ وأخيراً، تم ضم الأقاليم الجنوبية إلى المغرب عام 1975 إثر المسيرة الخضراء واتفاقيات مدريد التي نتجت عنها. وبعد أشهر قليلة من هذه الاتفاقيات، وبعد أزيد من خمسة وعشرين عاما من الرسالة التي وجهها المغفور له محمد الخامس إلى فرانكو، استمر المغفور له الحسن الثاني يؤكد: “أنا سعيد لأن القانون الجيد قد ساد أخيرا وبسلام في ما يتعلق بصحرائنا. لدي أمل كبير بأننا في يوم من الأيام سوف نعترف بأن سبتة ومليلية وجزر الريف هي أراضي مغربية.
- نحو مغرب اجتماعي
إن إجراء تقييم شامل وموضوعي لهذه الأعوام التسعة والستين من الاستقلال يتطلب دراسات وتحليلات معمقة، لأن تحقيق الاستقلال كان يعني خوض معركة صعبة، وعلى كافة المستويات. هذا هو الجهاد الأكبر باعتباره معركة توجت في كثير من الأحيان بالنجاح، لكنها سجلت أيضا إخفاقات. على أية حال، فإن المغرب اليوم لا علاقة له بمغرب 1955. فمنذ مرحلة التحرير التي بدأها المغفور له محمد الخامس في تعايش تام مع الشعب، شهد المغرب مرحلة البناء في عهد المغفور له الحسن ثانيا. واليوم، يتم بناء مغرب جديد على يد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مغرب العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، المغرب الذي يرتقي إلى مصاف القوى الدولية الكبرى، مغرب الاستثمارات والأحداث الدولية الكبرى. هكذا يحافظ صاحب الجلالة الملك محمد السادس على تراث أجداده.
- شيبة ماء العينين: “الاستقلال يمثل تحولا كبيرا في تاريخ المملكة”.
قال القيادي في حزب الاستقلال إن الاستقلال يعد حدثا تاريخيا رئيسيا ويمثل تحولا كبيرا في تاريخ المملكة. وهو حدث بارز لأهميته المجيدة والرمزية التي لا يمكن إنكارها، والتي تعكس تفاني وتضحيات الأمة بأكملها، ملكا وشعبا، في سبيل الوطن الأم. ويعتبر هذا التاريخ مهما، لأنه يتوج استعادة سيادة المغرب، بعد الحراك الكبير الذي قام به الشعب المغربي من شماله إلى جنوبه. لقد فتح هذا الحدث حقبة جديدة لمغرب جديد مستقل وحديث.
عن سؤال تم التمهيد له بأن الاستقلال يشكل نقطة الانطلاق لبناء المغرب الحديث، فكيف يفهم هذه الدينامية مع مرور الوقت؟
قال شيبة ماء العينين:
"لقد بدأ المغرب أولا طريقه نحو إرساء أسس الدولة الديمقراطية والقانونية، من خلال إشراك الشعب بشكل أكبر في صنع القرار السياسي. وقد تم ذلك أولاً بإقامة الانتخابات البلدية، ثم الانتخابات التشريعية. ولتلبية متطلبات السكان المعاصرين والمنفتحين بشكل متزايد، بدأت البلاد بعد ذلك في مشاريع رئيسية تهدف إلى إشراك المرأة في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وتشمل هذه المشاربع دستور 2011 ومدونة الأحوال الشخصية التي أصبحت قانون الأسرة في عام 2004. وبعد رحلة طويلة لوضع نص يشمل الأسرة بأكملها، بدأت البلاد حقبة جديدة من خلال البدء في مراجعة هذا القانون، واعتماد نهج تشاركي. والهدف هو التوصل إلى نص قادر على ضمان حقوق الجميع في مغرب سريع التغير".
وعلى سؤال عما هي الآليات التي يفضلها لضمان نقل هذه المبادئ إلى الأجيال القادمة، قال شيبة:
"لا بد من العمل في وقت واحد على التعليم، لتبقى قيم المغرب راسخة في أذهان كل الأجيال. لقد كان المغرب دائما يحبذ الحوار وينفتح على الحضارات المعاصرة. ومن ثم فإن تنشئة الأجيال الجديدة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار هذا الانفتاح، مع ربطه بالهوية المغربية. تتمتع المملكة بتاريخ غني جدا، ويجب الحفاظ عليه بأي ثمن".
- الذكرى: تراث للأجيال الجديدة
ويتيح هذا الاحتفال للأجيال الصاعدة فرصة التفكير في الجهود المبذولة منذ ذلك الحين من أجل تنمية المغرب في جميع المجالات. وفي الواقع، فإن التحرر من نير الاستعمار لم يكن سوى بداية لملحمة عظيمة أخرى، وهي توفير الظروف الملائمة لحياة كريمة للمغاربة مع احترام حقوقهم وحرياتهم، هكذا كان المشروع الذي أطلقه منذ الأيام الأولى للاستقلالالنغفةر له محمد الخامس، الذي استطاع أن يقود المملكة إلى عهد جديد، يشهد بانتصار القانون على الظلم. وقد واصل هذا العمل خليفته المغفور له الحسن الثاني، الذي عمل طوال فترة حكمه على إرساء أسس مغرب حديث وموحد ومتضامن من طنجة إلى الكويرة، وعلى ضمان مكانته المفضلة في المحافل الدولية، من خلال هيكلة المشاريع والسياسات في جميع المجالات التي تمس الحياة اليومية للمواطنين المغاربة. واليوم، يتم الحفاظ على هذا التراث من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي جعل من المغرب أمة عظيمة، ومرجعا دوليا، في عدة مجالات.
المرجع: جريدة l opinion