تقرير هيومن رايتس ووتش حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مالي


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8191 - 2024 / 12 / 14 - 00:14
المحور: حقوق الانسان     

في أحدث تقرير لها، قالت منظمة (هيومن رايتس ووتش) إن القوات المسلحة المالية، المدعومة من مجموعة فاغنر (الفيلق الإفريقي حاليا) والجماعات الإسلامية المسلحة، ارتكبت انتهاكات جسيمة ضد المدنيين منذ انسحاب بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) قبل عام.
وترى نفس المنظمة الحقوقية غير الحكومية أنه ينبغي على الحكومة المالية العمل مع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وخبير الأمم المتحدة المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان لإنشاء وسيلة موثوقة لرصد الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المسلحة وقوات الأمن والإبلاغ عنها.
منذ ماي 2024، قتلت القوات المسلحة المالية ومجموعة فاغنر عمدا ما لا يقل عن 32 مدنيا، من بينهم 7 خلال غارة بطائرة مسيرة، وتسببت في اختفاء 4 آخرين، وأحرقت ما لا يقل عن 100 منزل خلال العمليات العسكرية في بلدات وقرى في وسط وشمال مالي. وقامت جماعتان إسلاميتان مسلحتان، هما (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين)، المرتبطة بتنظيم القاعدة و(الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى)، بإعدام ما لا يقل عن 47 مدنيا، وتشريد آلاف الأشخاص، منذ يونيو. كما أحرقت (جماعة نصرة) أكثر من 1000 منزل وسرقت آلاف رؤوس الماشية. وتلقت (هيومن رايتس ووتش) تقارير موثوقة عن مقتل مئات آخرين من المدنيين، ولكن بسبب الصعوبات في إجراء البحوث وسط وشمال مالي، يتوجب تلقي الأرقام الواردة في هذا التقرير بتحفظ.
في هذا السياق، قالت إيلاريا أليجروزي، باحثة أولى في منطقة الساحل لفائدة هذه المنظمة الحقوقية: "منذ أن غادرت (مينوسما) قبل عام، كان من الصعب للغاية الحصول على معلومات شاملة عن الانتهاكات، ونحن نشعر بقلق عميق من أن الوضع أسوأ مما تم الإبلاغ عنه".
بعد اكتمال انسحاب (مينوسما) من البلاد في 31 دجنبر 2023 بناءً على طلب السلطات المالية، أثيرت مخاوف بشأن حماية المدنيين وكذلك المراقبة والإبلاغ عن الانتهاكات التي ترتكبها جميع أطراف النزاع.
بين يوليوز وأكتوبر من العام الجاري، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 47 شاهدا و11 مصدرا مطلعا آخر حول الانتهاكات التي ارتكبها الجيش المالي ومجموعة فاغنر والجماعات الإسلامية المسلحة. كما قامت هذه المنظمة بتحليل صور الأقمار الصناعية التي تظهر منازل محترقة في عدة قرى، وتحققت من الصور ومقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي أو تم إرسالها مباشرة إليها وتحديد موقعها الجغرافي. في 15 أكتوبر، راسلت (هيومن رايتس ووتش) وزيري العدل والدفاع في مالي في شأن النتائج التي توصلت إليها ولطرح أسئلة حول الأمر، لكنها لم تتلق ردا.
هذا، وقد وثقت هذه المنظمة الحقوقية الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المسلحة المالية خلال تسع عمليات لمكافحة التمرد ضد (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين) منذ ماي. وقال شهود إن الجنود ارتكبوا انتهاكات ضد السكان الذين اتهموهم بالتعاون مع الجماعة الإرهابية المذكورة. ووصف نحو عشرة شهود تورط مقاتلين من جماعة فاغنر التي تقدم الدعم للحكومة المالية منذ دجنبر 2021. وتم تغيير اسم شركة الأمن العسكري إلى "الفيلق الأفريقي" بعد وفاة قائدها يفغيني بريجوزين عام 2023، وبعد تولي وزارة الدفاع الروسية السيطرة المباشرة عليها.
وأوضح رجل يبلغ من العمر 30 عاماً من ندورجولي، في منطقة سيغو بوسط البلاد قائلا: "منطقتنا تحت سيطرة حركة (جماعة نصرة)، وعلينا أن نتعامل معهم". وأضاف: "إنهم يعطوننا الإذن برعي الماشية والأسماك. الأمر يتعلق بالبقاء وليس بالتعاون. لكن عندما تتعامل معهم تصبح هدفاً [للحكومة]، حتى لو لم تكن جهادياً".
كما وثّقت (هيومن رايتس ووتش) غارة جوية بطائرة مسيرة تابعة للجيش المالي على بلدة تنزاواتن، في منطقة كيدال، في غشت، مما أسفر عن مقتل سبعة مدنيين، بينهم خمسة أطفال. وقال والد طفل يبلغ من العمر 14 عاماً: "أصيب ابني في رأسه، وانفقأت إحدى عينيه وأصيب بنزيف حاد. بجانبه كان هناك أطفال آخرون قتلى وجرحى. وضعت ابني على كتفي وتوسلت إلى سائق دراجة نارية أن يأخذني إلى المستشفى، لكنه توفي في الطريق".
وسبق أن وثّقت المنظمة الحقوقية غارتين عشوائيتين بطائرات بدون طيار نفّذها الجيش المالي وسط البلاد في فبراير، وأدت إلى مقتل 14 مدنياً على الأقل، فضلاً عن انتهاكات خطيرة أخرى ارتكبتها قوات الأمن المالية والقوات المتحالفة مع مجموعة فاغنر، والجماعات الإسلامية المسلحة.
منذ يونيو، قامت (جماعة نصرة) بإحراق المنازل وسرقة رؤوس الماشية في منطقة باندياجارا. وهاجم مقاتلو هذه الحركة المتطرفة عدة قرى في منطقتي دوكومبو وبيجناري بانا، وأضرموا النار في أكثر من 1000 منزل، وسرقوا ما لا يقل عن 3500 حيوان وأجبروا آلاف السكان على الفرار، بحسب التقارير.
وأشار السكان إلى أن الهدف من هذه الهجمات كان بشكل واضح انتقاما من الجماعات التي اتهمتها (جماعة نصرة) بالتعاون مع ميليشيا دان نا أمباساغو، وهي منظمة تنسيق بين عدة مجموعات للدفاع عن النفس تم إنشاؤها في عام 2016 لحماية دولة دوجون. ووفرت الميليشيا الأمن في العديد من قرى المنطقة.
وصرح رجل يبلغ من العمر 50 عاماً من قرية دانيبومبو بأن الجماعة أمرت النساء بتغطية أجسادهن من الرأس إلى أخمص القدمين. ولما رفض السكان هذا الامر، بدأت الجماعة في ضرب نسائهم. لذلك، انضم الكثيرون إلى دان نا أمباساغو أو دعموه. ولهذا السبب أصبحت قراهم هدفا للإرهابيين.
كما وثقت (هيومن رايتس ووتش) هجوم غشت الذي شنه تنظيم داعش على مخيم للنازحين في بلدة ميناكا، بمنطقة ميناكا، والذي أسفر عن مقتل سبعة مدنيين. وقال رجل يبلغ من العمر 42 عاماً: "بدأوا بإطلاق النار علينا. اختبأت في خيمة، وشعرت بالرصاص يتطاير فوق رأسي".
في 4 أبريل، مدد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ولاية الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في مالي لمدة عام واحد. وإذا كانت هذه خطوة مهمة في الحفاظ على وجود دولي لرصد حقوق الإنسان في البلاد، إلا أن الخبير لا يملك الموارد اللازمة لإجراء تقارير متعمقة، وهو أمر ضروري للمساءلة.
بموجب القانون الدولي، تقع على عاتق الحكومة المالية مسؤولية ضمان العدالة في الجرائم الخطيرة، لكن الحكومات المتعاقبة لم تحرز تقدما كبيرا في التحقيق، ناهيك عن ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة العديدة المرتكبة منذ بداية النزاع المسلح في مالي. في عام 2012.
وتخضع جميع أطراف النزاع المسلح في مالي – القوات المسلحة الوطنية ومجموعة فاغنر والميليشيات المتحالفة الأخرى، فضلاً عن الجماعات الإسلامية المسلحة – للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 والقانون العرفي للحرب. الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب بقصد إجرامي – أي عن قصد أو بإهمال – قد يتعرضون للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب. ويمكن أيضًا تحميل الأفراد مسؤولية جنائية عندما يدعمون جريمة حرب أو يسهلونها أو يساعدونها أو يحرضون عليها. مالي دولة طرف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي فتحت تحقيقا في جرائم الحرب المفترض أنعا ارتكبت في البلاد منذ عام 2012.
واختتمت إيلاريا أليجروزي قائلة: "إن فشل السلطات المالية في تقديم أفراد قوات الأمن ومجموعة فاغنر والجماعات الإسلامية المسلحة إلى العدالة بسبب الانتهاكات الجسيمة المرتكبة، سهّل استمرار الفظائع. يجب على الحكومة أن تعمل بشكل وثيق مع خبير الأمم المتحدة المستقل لإجراء تحقيق سريع ومحاكمات مناسبة لجميع المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة..