أحمد عصيد: من حق عزيز غالي أن يعبر عن رأيه وفاء لليسار الراديكالي الذي ينتمي إليه


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8196 - 2024 / 12 / 19 - 11:33
المحور: حقوق الانسان     

خصص أحمد عصيد الفيديو الأخير لأحد اليساريين الراديكاليين والحقوقيبن الذي عبر عن رأيه حول قضية الصحراء واعتبر أن موقفه والتيار الذي ينتمي إليه هو تقرير المصير. أعقبت هذا الرأي ضجة وحدث هجوم كبير على هذا المناضل الذي اعتبر خارج الإجماع الوطني واتهم بانه عميل تحركه أياد أجنبية، إلخ..
وقال أحمد عصيد: بالطبع، لا نتفق مع عزيز غالي في الرأي الذي عبر عنه؛ لأنه لا يمكن أبدا أن نفرط في الوحدة الترابية لبلادنا. الأرض هي نحن، هويتنا هي هوية الأرض التي نعيش فيها. وكل بلد يفرط في وحدته الترابية نعتبر أن حسه الوطني ضعيف، إلا إذا كانت هناك قوة قاهرة جدا تتدخل لتفتيت وتفكيك البلدان، غير أن هذا التفتيت والتفكيك ليسا دائما متيسرين لأن الأمر يتعلق بالدولة-الأمة أو الدولة الوطنية.
رغم اختلافنا الجوهري مع عزيز غالي، لا يمكن البتة أن ننزع منه حقه في أن يقول ما يراه، أو أن يعبر عن رأي تيار اليسار الراديكالي الذي ينتمي إليه.
واضاف المتحدث: بطبيعة الحال، داخل المنتظم الحقوقي المغربي لا يتفق الحقوقيون مع هذا الرأي الذي يخص فقط التيار السياسي الذي ينتمي إليه عزيز غالي. فمن الناحية الحقوقية، يعتبر الحقوقيون أن من حق المغرب أن يحافظ على وحدته الترابية وأن يناضل ويكافح ضد كل من يسعى إلى تفكيك هذا البلد او تقسيمه.
لكن عصيد يريد أن يناقش مع المغاربة فكرة هذا الإجماع حتى يدركوا أنها كانت من أكبر أسباب تخلف المسلمين. فكرة الإجماع فكرة مدمرة لفكرة التقدم. لماذا؟ لأنك عندما تقول: هذا إجماع، يعني أن يمنع الكلام على أي شخص خارج ما هو متفق عليه. وعندما نطبق مسألة الإجماع هاته على تاريخ الفقه الإسلامي بالخصوص نجد أنها كارثة حلت بالمسلمين. كلما ظهر فقيه مجتهد عبر عن فكرة جميلة يهاجمه الجميع ويقولون له إنك خرجت عن إجماع المسلمين، ويكسرون فكرته ليعود الناس إلى التقليد والاتباع والتخلف. وهكذا بقينا 1200 سنة نكرر ما وقع عليه الإجماع حتى جاء الاستعمار ووجدنا غارقين في التخلف.
من ذلك يستنتج عصيد أنه يلزمنا أن نكون حذرين إزاء فكرة الإجماع هاته. فالإجماع لا يعني أننا نمنع أي شخص من التعبير عن رأي مخالف. يمكن لهذا الأخير أن يكون خاطئا، مثل رأي عزيز غالي، وقد يكون رأيا صائبا، مثلما أن عددا من الفقهاء المسلمين عبروا عن آراء رائعة جدا لكن تم تكسير ارائهم بفكرة الإجماع، ولم يستفد منهم المجتمع الإسلامي.
وأكد عصيد أن قضية الصحراء في المغرب حظيت بتكتل وطني جامع يعكس وجهة نظر الغالبية العظمى من المغاربة، باستثناء اليسار الراديكالي واليسار الإسلامي اللذين لا يعتبران قضية الصحراء المغربية وفق التصور الرسمي للدولة أو كما يتصورها أغلب المغاربة. إذن، عندما نقول هذه قضية فيها إجماع، يفهم المغاربة أن لا أحد له رأي مخالف. هذا غير صحيح. يجب دائما أن ندرك أن هناك من له رأي مختلف. واستحضر المتحدث ذات مرة قيل فيها إن البرلمان صوت بالإجماع، في حين وجد أن برلمانيين اثنين صوتا ضد. كلمة إجماع لا تعني غياب أقلية لها رأي مغاير، ومن حقها التعبير عنه. ولن تغير شيئا بذلك التعبير. الآن، هل بإمكان عزيز غالي أن يغير في القضية الوطنية برأيه؟ اكيد أنه لن يغير شيئا. فالمغرب مستمر في تحقيق الانتصارات الدبلوماسية عبر العالم. والمغاربة كلهم متكتلون حول القضية الوطنية باستثناء هذه التيارات الإيديولوجية التي هي أقليات صغيرة. فلنعطهم هذا الحق. المعارضة الراديكالية معناها أنها كذلك بالنسبة إلى النظام (الحاكم)، وهذا من قوة الدولة. فمن مظاهر قوة الأخيرة أن هناك حزبا اسمه (النهج الديمقراطي) وجمعية مغربية لحقوق الإنسان، رغم كل الحصار أو التحجيم اللذين تقوم بهما الدولة ضد هذه الجمعية واللذين نرفضهما بطبيعة الحال، لأنها أكبر جمعية حقوقية في المغرب بعدد فروعها وبأعمالها وتقاريرها، ولا أحد له الحق في أن يقوم بالتضييق عليها مهما كانت مواقفها السياسية. لكن من الجانب الحقوقي، تبقى تقاريرها موضوعية وتؤخذ بعين الاعتبار على المستوى العالمي.
المعارضة الراديكالية – يتابع عصيد – ليست ضعفا للدولة، بل هي على العكس من مظاهر قوة الدولة. وحتى إذا تركت تشتغل كمعارضة راديكالية، فسوف تبقى في عداد الأقلية، لأن المعارضة الراديكالية تبقى دائما صغيرة، في نظره.
إن معارضة النظام السياسي، كما يقول، هي شأن كل معارضة راديكالية، وهذا هو السبب الذي جعل هذا التيار يعتبر أن قضية الصحراء لا ينظر إليها كقضية وحدة ترابية كما يرى أغلب المواطنين، بل يعتبرها كملف سياسي للنظام الذي يوظفها لكسب الشرعية، بينما هذا التيار لا يريد إعطاء الشرعية للنظام، ويسعى بالتالي إلى إضعافه أو إسقاطه كما تتم الدعوة إلى ذلك في عدة دول. هذا موقف راديكالي في السياسة.
بهدف إضعاف او نقض النظام السياسي، يعتبر التيار الراديكالي أن كل الملفات التي يشتغل عليها هي ملفات يكسب بها شرعية ويعارضه فيها. طبعا، المعارضة الراديكالية لأخطاء الدولة وأخطاء الحكومة والسياسات اللاشعبية هي أمور أساسية ومهام تقوم بها تيارات أخرى معارضة في البلد، ولا تقوم بها فقط التيارات الراديكالية. لكن في قضية الصحراء، هذه هي النظرة التي عند اليسار الذي تبناها منذ السبعينيات وحتى إبان المسيرة الخضراء. لما أعلن عنها الملك الراحل الحسن الثاني، عارض اليسار الراديكالي المسيرة وعارض فكرة مغربية الصحراء، ودعا إلى تقرير المصير في ذلك الوقت. ولكن ماذا كانت النتيجة؟ انتصر الملك الحسن الثاني على اليسار سياسيا لأن الشعب المغربي لا يمكن أن يساير اليسار في قضية الصحراء، بل ساير السلطة الملكية. وهكذا خسر اليسار بسبب سوء تقديره لموضوع الوحدة الترابية.
مهما قل أتباع هذا التيار، ليس من حقنا أن نقول له اصمت أو نطالب بمحاكمته أو بمعاقبته أو بإسكاته، إلخ.. هذا كله غير مقبول، ليست هذه هي الطريق التي نريد من المغرب أن يسير فيها، بل نريده أن يسير في طريق التحرر وأن يحقق مزيدا من الحريات ويعطي الكلمة للناس ليقولوا ما يشاءون.
بكل صدق، هل تريدون من السيد عزيز غالي أن ينافق؟ هو يعتقد شيئا وتريدون منه أن يقول شيئا آخر؟ المغاربة يريدون النفاق.. كل واحد ملزم بأن يقول ما يعتقد ويتصور فعلا وبكل صدق. إذا اتفقنا معه نصفق له، وإذا اختلفنا معه ننتقده، ولا نسكته أو نسجنه. يجب ان تزول من عند المغاربة هذه الحالة من الضجيج والغوغائية كلما عبر مواطن مغربي عن رأي لا يعجبهم. يجب انتقاده بوضع رأيه في الميزان ونبحث عن أسبابه ونكشف عن محدوديته او مدى انتشاره، إلخ..