ابو محمد الجولاني: هل يكفي ارتداؤه البزة العسكرية ليقنع الشعب السوري بجديته؟
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8186 - 2024 / 12 / 9 - 04:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترأس الزعيم الإسلامي لهيئة تحرير الشام تحالف المتمردين الإسلاميين الذي أطاح ببشار الأسد من السلطة في أقل من أسبوعين، وكان على اتصال منذ فترة طويلة بتنظيم القاعدة. ومنذ ذلك الحين، قطع علاقاته مع الجماعة الإرهابية وأظهر وجها أكثر اعتدالًا من خلال الوعد بانتقال سلس إلى سوريا. تغيير مفاجئ يشكك في دوافعه الحقيقية.
بقامة طويلة، وبنية سليمة، ذو ولحية مشذّبة، يظهر أبو محمد الجولاني وجهاً مختلفاً تماماً عن ذلك الذي كان عليه عندما كان زعيماً لفرع من تنظيم القاعدة. يبذل زعيم هيئة تحرير الشام قصارى جهده لإظهار نفسه من الآن فصاعداً في ضوء أكثر اعتدالاً. لقد تخلى عن لباسه التقليدي واختار بدلة أو زياً عسكرياً، ومنذ الهجوم الذي أدى إلى سقوط بشار الأسد ، طلب أن يُنادى بلقبه المدني، أحمد حسين الشرع، وليس باسمه. الحركي.
في غضون اثني عشر يوما، أكمل زعيم هيئة تحرير الشام على رأس تحالف المتمردين بنجاح هجومه الخاطف ضد نظام الأسد، وهو يرغب الآن في نسيان ماضيه كجهادي تابع لتنظيم القاعدة ليشكل بديلاً سياسيا موثوقا في سوريا. وأمام كاميرا (سي إن إن) يوم 6 دجنبر، أكد أبو محمد الجولاني أن “هدف الثورة هو إسقاط هذا النظام. ولنا الحق في استخدام أي وسيلة ضرورية لتحقيق ذلك".
- طمأنة الأقليات
بمجرد الاستيلاء على حلب في 27 نونبر، أراد طمأنة السكان من خلال التأكيد على احترام الأديان المختلفة وجميع الأقليات. "لايحق لأحد مسح أي مجموعة. لقد تعايشت المجتمعات المختلفة في هذه المنطقة منذ مئات السنين ولا يحق لأحد القضاء عليها. ويجب أن يكون هناك إطار قانوني يحمي ويضمن حقوق الجميع. وقال في تلك اللحظة: “لا يوجد نظام يخدم مجتمعاً واحداً، مثل ما فعله نظام الأسد”.
وُلد الزعيم الإسلامي البالغ من العمر 40 عاما في درعا بجنوب سوريا. أمضى السنوات الأولى من حياته في المملكة العربية السعودية حيث كان والده مهندساً للنفط قبل أن يعود إلى سوريا. نشأ أحمد الشرع، وهو الاسم الذي يرغب أن يطلق عليه الآن، في المزة، أحد أحياء دمشق الثرية، في عائلة ثرية. وبدأ بدراسة الطب.
وبحسب موقع (ميدل إيست آي)، بعد هجمات 11 شتنبدبر، بدأت أولى علامات الجهاد في الظهور على حياة الجولاني، الذي بدأ بحضور الخطب والموائد المستديرة السرية في ضواحي دمشق. في مقابلة أجريت مع (PBS Frontline) عام 2021، قال إنه بدأ في التطرف خلال الانتفاضة الثانية في عام 2000. كان عمره 17 أو 18 عامًا في ذلك الوقت وبدأ يفكر في كيفية أداء واجباته من خلال الدفاع عن شعب مضطهد من قبل المحتلين والغزاة.
- أحد قدامى الجهاد الإسلامي
وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ذهب للقتال في هذا البلد المجاور لسوريا، حيث انضم إلى جماعة القاعدة في العراق التابعة لأبو مصعب الزرقاوي قبل أن يُسجن لمدة خمس سنوات. وبعد بدء الثورة ضد بشار الأسد عام 2011، عاد إلى وطنه ليؤسس جبهة النصرة، التي أصبحت فيما بعد هيئة تحرير الشام.
في عام 2013، رفض أن يحصل على لقب فارس من أبو بكر البغدادي، الزعيم المستقبلي لتنظيم الدولة الإسلامية، وفضل أمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري . أخيراً، في عام 2016، قطعت جبهة النصرة علاقاتها مع التنظيم الإرهابي، وهو القرار الذي هدف، بحسب الجولاني، إلى “إسكات الذرائع التي يقدمها المجتمع الدولي ”لاستهداف الجماعة المصنفة كإرهابية" من واشنطن. وفي عام 2017، تم تغيير اسمها إلى هيئة تحرير الشام.
منذ ذلك الحين، ادعى الجولاني، الذي عرضت الولايات المتحدة على رأسه 10 ملايين دولار، ادعى أنه تطور ويريد بناء سوريا جديدة، تسمح لجميع اللاجئين السوريين بالعودة إلى ديارهم. وإذا كان هذا البعد عن إيديولوجية القاعدة يبدو حقيقياً للغاية في الوقت الحالي، فهل هو صادق حقاً؟ أبو محمد الجولاني ينفي الجهاد العالمي بشكل كامل. وهو يعتقد، مثل آخرين ضمن هذه المجموعة، أنه كان خطأ وأن العديد من الرجال ماتوا بسببه، وأنه كان مشروعا لا يمكن أن ينجح بأي حال من الأحوال، وهو مشروع لا معنى له"، يشهد وسيم نصر، صحافي بقناة (فرانس 24)ومتخصص في شؤون الشرق الأوسط سبق له أن التقى بالزعيم الإسلامي عام 2023 في إدلب.
- “الجولاني يستمد قوته من تجربته في الشمال”
منذ الاستيلاء على حلب، كثفت هيئة تحرير الشام البيانات الصحفية لطمأنة الجماعات الدرزية والمسيحية والعلوية. وفي المناطق التي سيطر عليها التنظيم قبل سقوط بشار الأسد، تم إنشاء خدمات عامة، حتى أنه تم إنشاء شبكة للهاتف المحمول في إدلب ثم امتدت إلى حلب. إنهم إسلاميون، لكنهم أقل صرامة بالمقارنة بطالبان. تذهب النساء إلى المدارس والجامعات، الناس يدخنون في الشوارع، تسمع الموسيقى في المتاجر... لذا، فهو صارم ومحافظ، لكنه لا يتبنى جهاد القاعدة أو الدولة الإسلامية. "إنها ليست على الإطلاق المحافظة المتطرفة لطالبان، إنها شيء آخر "، كما يحلل وسيم نصر.
بعد هروب بشار الأسد، بقي زعيم هيئة تحرير الشام نسبياً في الخلفية السياسية. وطلب من مقاتليه عدم الاقتراب من المؤسسات التي لا تزال تحت سيطرة رئيس الوزراء الذي قال إنه مستعد للتعاون مع أي "قيادة جديدة" يختارها الشعب، على اعتبار أن "نجاح العملية الانتقالية يكمن على وجه التحديد في نهجها الشامل".
يستمد الجولاني قوته من تجربته في الشمال، حيث قام بدلاً من ذلك بتعيين حكومة مدنية مكونة من تكنوقراط وإداريين لإدارة الحياة اليومية في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام. وقال حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي ومحاضر في جامعة جنيف: “هذا عنصر إيجابي ويمكنه إعادة إنتاج هذا النمط من خلال السماح لبعض الوزراء، أو حتى رئيس الحكومة الحالي، بإدارة شؤون هذه المرحلة الانتقالية”.
- حسابات سياسية؟
وتبقى الحقيقة أنه تحت غطاء بعض التسامح، يحكم الجولاني منطقة إدلب بقبضة حديدية منذ عام 2017. وبالنسبة للعديد من المراقبين، تظل هذه الرغبة في الظهور كإسلامي معتدل في المقام الأول بمثابة حسابات سياسية لهذا الذي يحلم بان يصبر رجل دولة. لقد كانت استراتيجية الجولاني لعدة سنوات هي أن يكون متسامحاً ومعتدلاً للغاية، خاصة تجاه وسائل الإعلام. "لكن يجب ألا ننخدع "، يحذر فابريس بالانش، المحاضر في جامعة ليون 2 ومؤلف العديد من الأعمال حول الشرق الأوسط.
وأضاف الاستاذ فابريس “أنه شخص ذهب عندما كان عمره 20 عاماً للقتال في العراق إلى جانب تنظيم القاعدة. وكان في سجن أبو غريب. وكان يعرف أعظم كوادر تنظيم القاعدة. لقد انفصل عن تنظيم القاعدة في عام 2016 لأسباب تكتيكية، لكن من الواضح أنه احتفظ بإيديولوجيته. لقد فرض الشمولية الإسلامية على إدلب، وقضى جسدياً على آلاف المعارضين، سواء العلمانيين أو الإسلاميين المعتدلين مثل جماعة الشام. لذا، لا ينبغي أن يكون لدينا الكثير من الأوهام حول ما يمكن أن يحدث في الأشهر التالية لاحتمال استيلائه على السلطة".
- الجولاني مرفوض شعبيا
من أبو محمد الجولاني المرفوض شعبيا إلى أحمد الشرع البديل المحتمل لبشار الأسد. من مكر التاريخ وعبثية المجتمعات العربية أن يتحول رجل كان بالأمس القريب يوصف بأنه داعشي ومفرخ الخلايا الإرهابية النائمة إلى قائد تاريخي "حرر" سوريا وشعبها من حكم "دكتاتوري".
فقد عرفت مختلف بقاع سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية مظاهرات عدة ضد المدعو أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، لكنه اليوم الأحد 8 دجنبر 2024 ظهر على قنوات التلفزيون العالمية وفي مقدمتها قناة "الجزيرة" ك"فاتح ديمقراطي" يحمل معه أحلام الشعب السوري بالديمقراطية والرخاء والمصالحة والوحدة وجمع ما لا يجمع من أوهام شعبوية عابرة.
ظهر اليوم باسمه الحقيقي، أحمد الشرع، القائد العام لغرفة عمليات "ردع العدوان" التي يقودها ضد نظام بشار الأسد الذي ترك البلاد وعائلته باتجاه موسكو حيث منح حق اللجوء ل"دواعي إنسانية" على حد تعبير الكرملين.
أبو محمد الجولاني سابقا وأحمد الشرع حاليا، ورغم تبنيه لخطاب تصالحي مع الجميع ومحاولة تقديم نفسه إعلاميا على القناة الأكثر سعادة بما حدث في سوريا (قناة الجزيرة) كرجل المرحلة التاريخية في دمشق، فإن حقيقته المتطرفة والمتقلبة كعباد الشمس لا تخفى على جيران سوريا وفي مقدتهم دولة كيان الاحتلال التي بادرت إلى احتلال المنطقة الحدودية العازلة، وكذا توجيه ضربات جوية استباقية لمواقع عسكرية محددة داخل سوريا مخافة ما وصفته ب "وقوع أسلحة استراتيجية بين أيدي المعارضة".
ضلوع أنقرة في الانقلاب السريع على نظام الأسد، وتخلي طهران غير المفاجيء عن بشار، وإدارة بغداد الظهر له وغيرها من المعطيات.. كل ذلك يكشف حقيقة ما جرى وما ينتظر سوريا من "مستقبل" غير مطمئن من الفوضى والانقسام والمعاناة الإنسانية، فيما يشبه نسخة أخرى مشوهة ل"ثورة طالبان" ...