من أجل استعادة سياق غيبه المهدوي: جدلية القاعدة والقانون (2/1)
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8157 - 2024 / 11 / 10 - 04:47
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
في اللايف الأخير من السلسلة التي أفردها لمحاكمته الحالية، انطلق المهدوي من قولة منسوبة إلى جيروم هيل جاء فيها: "عار على الجنس البشري أن يعلم المرء أن قوانين الألعاب هي أكثر القوانين وضوحا وعدالة". من حق صاحب قناة بديل أن يستشهد بجيروم وغير جيروم، لكن يجب عليه ألا يكتفي بشرح بسيط لشروط العدالة والتكافؤ المتوفرة في الألعاب دون وضع المستمعين في السياق العام كأن يعرف بإيجاز بصاحب القولة وبمجال اختصاصه وعمله، قبل الحديث في عجالة عما هو جوهري في هذا السياق؛ وأعني به مقاربة فكرية لثنائية القاعدة-القانون.
في ما يخص المهمة الأولى، أبادر إلى الاعتراف بأن هذه أول مرة أسمع فيها اسم جيروم هيل الذي اعتقدت للوهلةىالأولى أنه فيلسوف أو رجل قانون أو كاتب شهير على الأقل لم يسبق لي أن قرأت لها منشورا من منشوراته، وهذا أمر عادي يحدث للناس قاطبة. ولكني وجدته على الشبكة
صاحب إحصائيات تحمل اسمه وتهتم بمجريات ونتائج المباريات المباشرة. ينشر حساباته وإحصائياته على صفحات تطبيق صوفاسكور الذي الذي أسسه إيفان بيشليتش وزلاتكو هركاتش.
وهكذا نخلص إلى أن القولة إياها تبدو كحكمة يتيمة صدرت عن أحد مجانين الكرة ممن لا قدرة لهم عن تحريك فكرهم حول ما يقولون عساهم يذهبون بعيدا. وفي هذه الفئة ندرج من يظنون أن العمل الصحافي لا يحتاج إلى التفكير الفلسفي العميق والبحث والتقصي، وكل ما يطلبه مسايرة القطيع بالكلام الدارج من حيث الشكل والسطحي من حيث الجوهر، أخص منهم بالذكر صاحب القناة التي خرجت زوجته قبل أيام تصرخ بأعلى صوتها بما يفيد أنه "تاج على رؤوس المغاربة" !! من أذن لك بأن تتكلمين باسمنا، اسمحي لي، كاين تاج واحد على رؤوسنا، وراكي عارفاه.
أما في ما يخص الخوض في ثنائية القاعدة والقانون، فأعتقد أن تلك إشكالية عويصة موكولة فقط إلى رجال الفكر المتمرسين بعلوم التربية والمنطق، ولا يقدر على سبر أغوارها إلا من دأب على الغوص في الأعماق. ولاعيب لمن هذا ديدنه الاستعانة بأهل الاختصاص من أمثال فرانسوا گاليشيه، الأستاذ الفخري بجامعة ستراسبورغ الذي يقول في مقال من أربع صفحات (pdf) حول القاعدة والقانون: "عندما يتعلق الأمر بالتربية الاجتماعية والأخلاقية والمدنية للطفل، فمن الشائع استخدام مصطلحي القاعدة والقانون كمرادفين. سيتم تعريف التنشئة الاجتماعية للطفل إما بأنها "تربية على القانون" أو "تربية على القاعدة". الفكرة العامة هي أن الأمر يتعلق بالمرور تدريجيا من الحالة التي تهيمن فيها دوافع الطفل على الحالة التي يكون فيها قد استوعب القوانين والقواعد التي تشكل الحياة الاجتماعية، ولا سيما تلك التي تحكم الدولة الديمقراطية".
في نظر گاليشيه، يكون هذ اللاتمييز صحيحا بشكل خاص عندما نتحدث عن تربية الطفل الصغير جداً. بالنسبة إلى هذا الأخير، المعايير التي يجب في الحقيقة تقديمها هي في الأساس تلك التي تتعلق بالمجموعات الملموسة التي يعيش فيها. معايير العائلة أولا: احترام الجداول الزمنية، متطلبات النظافة والنظام، طاعة أوامر الوالدين، احترام قواعد الأدب، السيطرة على الدوافع العنيفة، إلخ.. معايير جماعة الصف في التالي: منذ السنة الأولى من روض الأطفال، يقدم المربي حزمة من المتطلبات الجديدة التي تنضاف إلى متطلبات الأسرة، وتساهم في الإعداد لتنمية المواطنة التي ستحدث في وقت لاحق. يُعتقد أن الطفل الصغير ليس لديه في الواقع سوى وعي غامض ومربك للغاية بالعلاقات السياسية والمفاهيم التي يتم تحديده انطلاقا منها. ولذلك يبدو من الأسهل والأكثر واقعية الحديث عن التربية على القاعدة بدلاً من الحديث عن التربية على القانون، إذا احتفظنا على الأقل بهذا المصطلح الأخير للمجال القانوني السياسي.
لكن في الوقت نفسه، يتحدث فرويد، ولاكان بشكل خاص، خلال المرحلة الأوديبية عن «قانون الأب"، الذي يُدخل الطفل في النظام الرمزي ويكسر الدائرة الاندماجية لعلاقة الأمومة. علاوة على ذلك، تبدأ التربية الأخلاقية في سن مبكر: الإخلاص، الصدق، التضامن، حظر العنف؛ أي القيم التي ينبغي تطويرها في وقت مبكر جدا. لكننا نتحدث عن قوانين أخلاقية كما نتحدث عن قواعد أخلاقية. هكذا نرى أن الارتباك هو السائد، وسوف نصل إلى الاعتقاد أن كلمتي "القاعدة" و"القانون" مترادفتان في نهاية المطاف.
(يتبع)