الحزب الاشتراكي الموحد بتمارة ينظم ندوة حول الاعتقال السياسي في المغرب (الجزء الثالث)


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8145 - 2024 / 10 / 29 - 20:14
المحور: حقوق الانسان     

في ندوة "الاعتقال السياسي في المغرب: بين مطلب رد الاعتبار ورهان الطي النهائي لصفحة الاعتقال التعسفي" التي نظمها فرع الاشتراكي الموحد بتمارة يوم السبت الأخير، شارك الشاب محمد قورة بمساهمة هي عبارة عن مقاربة اقتصرت على ثلاث مقدمات توضيحية تلتها مقترحات عملية في محاور الندوة. في المقدمة الأولى تحدث المتدخل عن جدلية السياسي والحقوقي وبين كيف تؤثر القرارات السياسية على تطبيق الحقوق األسياسية، وكيف يمكن أن يؤثر النظام القانوني والفعل الحقوقي في توجيه السياسات لعامة، و في لجم شطط وفساد السلطة السياسية والحد من بطش أدواتها القمعية، بفرض قوانين وقيود ملزمة.
وأكد محمد قورة أن ثمار هذا التدافع لن تتأتى إلا عبر المدخل الدستور،ي بمزيد من النضال من أجل تنقيح نصوص الدستور من كل الشوائب المؤطرة والحامية لهذا التغول السلطوي الجاثم على حقوق وحريات المواطن المغربي، وذلك ضمن إصلاح سياسي ودستوري أشمل، يعزز بناء عقد اجتماعي جديد بين الحاكم والمحكوم، ويقوم على مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان.
أما المقدمة اثانية فقد خصصها الأستاذ المتدخل للحديث عن هشاشة الوضع الحقوقي ببلادنا، معتقدا أن الإبقاء على كل ضمانات الإفلات من الحساب والعقاب، وانعدام إرادة حقيقية لدى الجهة الحاكمة في نصرة الحق والقانون، وفي الحد من انتهاك الحقوق والحريات، يجعلنا أمام صيرورة لامتناهية من الاعتقالات والتجاوزات التي شملت وتشمل كل من أبى الانصياع للمخزن أو رفض الدخول إلى بيت الطاعة، سواء أكان هذا المفعول به أفرادا كرموز سياسية حقوقية وصحفية، أو جماعات وأحزابا كجماعة العدل والإحسان وحزبي الأمة والبديل الحضار، أو مناطق واسعة من بلدنا الحبيب (سيدي إفني، الريف، إلخ..).
وانطلاقا من سياق االانفراجات الحقوقية الاستثنائية التي عرفتها بلادنا – رغم جهود كل المنظمات الحقوقية ومردود كل الفعاليات الحقوقية الجادة في الرصد والكشف والضغط محليا ودوليا - بان للمتدخل أنه (السياق) يبقى كاشفا لحقيقة ارتهان قرار الانفراج الحقوقي بمزاجية وحسابات الحاكم (مثلا انفراج التسعينيات كانت تحكمه بالدرجة الأولى حسابات تأمين انتقال الحكم إلى العهد الجديد)، وارتهان لحظة وقرار الافراج عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي في كل الملفات بالعفو الملكي (وإن تم الإفراج عن المعتقلين السياسيين الستة في سياق حراك 20 فبراير تحت ضغط الشارع أو ضغط الرأي العام).
وفي المقدمة الثالثة نبه المتحدث إلى أن القادم أعظم بالنظر إلى الاختراقات الصهيونة لبلادنا، وإلى هول الأحداث الجارية وما سيلحق بها من تطورات متوقعة على امتداد العالم العربي والإسلامي، في غياب كل الضمانات الحقوقية. ويرى الأستاذ محمد قورة أن القادم سيكون أعظم على مستوى الحريات السياسية والحقوقية، إذ نحن أمام مشهد فيه شعوب تتجرع ويلات الواقع الاجتماعي الذي زاد من احتقانه ما يجري من إجرام في حق أشقائنا في فلسطين ولبنان من طرف العدو الصهيوأمريكي.. وفي الجانب الٱخر من هذا المشهد أنظمة تشحذ أسلحتها القمعية وتعد عدتها لمواجهة شعوبها على أمل الحد من ارتدادات الربيع العربي المحتملة، وسحق كل أشكال التضامن مع غزة التي قد تتجاوز الخطوط الحمر المرسومة.
من ذلك، يخلص إلى أننا أمام تحديات مستقبلية جسام، تملي علينا تحركا في اتجاهين متوازيين؛ أوالاهما االضغط على النظام حتى يتراجع عن اتفاقيته المشؤومة مع الكيان الصهيوني، وحثه على الرهان عل قدرات الشعب المغربي بعد إنصافه وحماية كل مكتسباته الحقوقية.. ويتمثل الاتجاه الثاني في خلق تكل حقوقي يقطع مع كل الحسابات الضيقة، ويجمع الشتات الحقوقي حتى يرقى بأدائه في مواجهة هذه التحديات، وينتزع الحقوق ويحمي الحريات.
بعد انتهائه من عرض مقدماته، انتقل الناشط الحقوقي إلى تسجيل مجموعة من الملاحظات، أجملها في أن هيئة الإنصاف والمصالحة لم تضع لاضمانات فعلية لتفادي تكرار ما جرى خالال سنوات الجمر الرصاص، ولا قواعد تحد من غياب المساءلة والإفلات من العقاب. لذلك بقيت دار لقمان على حالها. دليله على ذلك تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مباشرة بعد أحداث 16 ماي 2003، وعودة الاختطافات والاختفاء القسري والتعذيب والمحاكمات المفتقدة إلى أبسط معايير العدالة. وأشار سي محمد في هذا السياق إلى تفعيل قانون مكافحة الإرهاب كقاعدة للاتهام في جل القضايا بما في ذلك قضية المعتقلين السياسيين الستة أو ما يصطلح عليه بملف بلعيرج الذي تمت فبركته وتوظيفه بشكل سياسوي مكشوف لإعادة ترتيب المشهد السياسي، وإعادة هيكلة الحقل الحزبي بتقوية القطب اليميني الإداري المخزني، وتصفية الأحزاب الوطنية الديمقراطية، التي من شأنها أن تخل بكل التوازنات السياسية الهشة. ويأتي في هذا السياق الحكم الصادر في حق حزب الأمة بحرمانه من حقه المشروع في التعبير والتنظيم، وحل حزب البديل الحضاري بقرار جائر وغير مشروع من للوزير الأول، وتوجيه رسائل مشفرة إلى باقي الأحزاب الوطنية الديمقراطية، وممارسة ضغوطات على كافة قوى الممانعة.
وبنفس الوتيرة، وتحت مسميات وتهم أخرى، تمت ملاحقة ومتابعة الكثير دون أن تتوقف عجلة سحق الحريات والحقوق، بل امتدت الانتهاكات إلى ما بعد الإفراج، من خلال استمرار المقاربة الأمنية في التعامل مع جل المعتقلين سواء الذين اتموا مدة عقوبتهم أو من أفرج عنهم بمقتضى عفو ملكي؛ الشيء الذي عمق من معاناتهم وحال دون إدماجهم أو تعويضهم أورد الاعتبار إليهم، بل حرمهم من أبسط حقوقهم المشروعة التي تنص عليها توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي تقرها ثقافة المصالحة الوطنية حسب معايير العدالة الانتقالية.
تبعا لما ينبغي أن يكون، ذكر المتدخل بالحقوق الدستورية التي يتمتع بها الأفراد بعد الإفراج عنهم، كالحق في العودة إلى الحياة المدنية دون قيود، والحق في المشاركة السياسية، وضمان الحصول على فرص العمل، والاستفادة من الرعاية الصحية والنفسية، وحرية التنقل، وحق المساواة أمام القانون، بالإضافة إلى رد الاعتبار إليهم. لكن في غياب ضمانات تحقيق تلك الحقوق، قد يواجه جل المفرج عنه وضعا مأزوما اقتصاديا واجتماعيا، مما يستدعي وضع برامج تأهيلية تضمن عودتهم إلى الحياة الطبيعية، مع توفير آليات للحماية من التمييز.
بناء على الحق في التعويض وجبر الضرر، أشار المتحدث إلى أن بعض المفرج عنهم تعرضوا إلى انتهاكات حقوقية أثناء فترة اعتقالهم، ما يستدعي تعويضهم وجبر أضرارهم المادية والنفسية. وقد تشمل هذه التعويضات إعادة الحقوق المادية، مثل الممتلكات المصادرة أو الأجور المتوقفة، بالإضافة إلى الرعاية النفسية لإعادة تأهيلهم.
وبخصوص المؤسسات الدستورية والرسمية، قال سي محمد قورة إنها تتحمل مسؤولية كبرى في معالجة قضايا المعتقلين المفرج عنهم وضمان إدماجهم في المجتمع، لكنها في غالب الأحيان
تتملص من مسؤولياتها إما تقصيرا أو إمعانا في إيذاء المفرج عنهم. واعتقد أن تشخيص الحالة ثم تقييمها يجب أ ن ينبنيا على معطيات دقيقة قد تمتلكها بعض الهيئات الحقوقية المشتغلة على الموضوع. وفي انتظار ذلك، اكتفى بالتذكير بدور بعض المؤسسات الدستورية والرسمية المرتبطة بالموضوع وعلى رأسها وزارة العدل من خلال تفعيل القوانين التي تحميهم، وتوفير آليات قانونية تسهل عملية إعادة الإدماج الاجتماعي، سواء عبر برامج إعادة التأهيل أو من خالل توفير الدعم القانوني اللازم لهم لضمان عدم تكرار تجربة الاعتقال.
في نفس الإطار، تندرج المندوبية العامة لإدارة السجون التي تُعنى بوضع برامج تأهيلية للمعتقلين خلال فترة سجنهم، تُعدهم للحياة بعد استرجاع حريتهم. يشمل ذلك برامج تعليمية ومهنية تساهم في تعزيز فرص اندماجهم في سوق العمل. كما يجب أن تضمن المندوبية متابعة حالة المفرج عنعم، مع توفير الرعاية النفسية والصحية اللازمة.
ثم هناك المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يتحمل مسؤولية الدفاع عن حقوق المفرج عنهم، وتقديم التوصيات اللازمة لتطوير السياسات الحكومية المتعلقة بهم. يشمل ذلك متابعة أوضاعهم، وضمان حصولهم على تعويضات عادلة، ورفع التقارير حول الانتهاكات المحتملة التي قد يتعرضون لها بعد الإفراج.
وعن دور الهيئات غير الحكومة من هيئات ديمقراطية وسياسية وحقوقية وجمعوية، قال المتحدث إنها تلعب دورا مهما في التوعية بحقوق المفرج عنهم والترافع لفائدتهم داخل المؤسسات. كما يمكن لهذه الهيئات من خلال الضغط السياسي، المساهمة في إدخال إصلاحات قانونية تضمن حقوق المفرج عنهم وتحميهم من التعسف.
وفي ما يتعلق بالمنظمات الحقوقية، مثل الجمعيات المدنية التي تعمل على الدفاع عن حقوق الإنسان، قال المناضل الحقوقي إنها تستطيع تقديم دعم مباشر للمفرج عنهم من خلال تقديم المساعدة
القانونية، توفير الدعم النفسي، وتيسير عملية إعادة الاندماج الاجتماعي. كما يمكن لهذه المنظمات أن تلعب دورا في الضغط على السلطات لضمان حقوقهم وتحقيق العدالة لهم.
وفي الأخير، وقف المتحدث عند التنسيق المدني الملائم حيث أكد أن حساسية قضية المفرج عنهم واتساعها يفرضان تضافر الجهود بين المؤسسات الدستورية والرسمية والهيئات غير الحكومية قصد إلزام الدولة بإدماجهم وجبر أضرارهم سعيا إلى بناء عقد اجتماعي جديد، يقوم على الثقة المتبادلة بين الدولة والمواطنين، كما يمكن اتخاذ قضيتهم مدخلا أساسيا إلى إصلاح قانوي
يشمل ضرورة مراجعة التشريعات المرتبطة بالاعتقال والحقوق المدنية، وضمان استقاللية القضاء. وشدد محمد قورة على ضرورة إنشاء تحالف حقوقي مشترك لتنسيق جهود ومواقف مختلف الهيئات الديمقراطية والمدنية في القضايا المشتركة المتعلقة بالاعتقالات السياسية والانتهاكات الحقوقية.
(يتبع)