دين لاديني ناف للأديان ومتصالح معها 1/4
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن
-
العدد: 7726 - 2023 / 9 / 6 - 16:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
محاضرة ألقيتها على منبر المجلس الثقافي العراقي يوم الثلاثاء 05/09/2023، أعتبرها أهم محاضرة لي حتى الآن، أتوسع هنا بها، لأنشرها على في أربع حلقات، وربما ألحقها بخامسة أدرج فيها بعض التقييمات.
في البداية بعض الملاحظات السريعة:
- أرجو من فريقين أن يتحملاني؛ فريق الملحدين واللاأدريين، وفريق المؤمنين بالدين، لاسيما المسلمين.
- لو كنت ما أزال ناشطا سياسيا، لما تناولت هذا الموضوع.
- أعلم إن فريقا من المتلقين لن تروق لهم المحاضرة، لا أدري، قد يشكلون الأكثرية، أو الأقلية، أو النصف المتكافئ.
- قد يجد القارئ التقاء بعض الأفكار مع بعض ما طرحه هذا أو ذلك الفيلسوف، دون أن أكون قد قرأت لهم، إنما هو فكري الذي نما عبر سنوات، أو عقود، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، شاكرا الله على ذلك، أو لأقل لمن لا يؤمن بالله شاكرا الطبيعة، أو الظروف، أو الصدفة، أو كل ما كان عاملا لإرساء سفينة رحلي الفكرية إلى هذه النتيجة.
بالنسبة للذين لا يؤمنون بالله، ليتعاملوا مع "الله" الذي سأعرضه كحقيقة مفترضة، حتى لو كانوا جازمين بأنه ليس إلا وهما، أي المطلوب أن يطلعوا على هذا الدين - مع التسامح بالمصطلح - كما يطلعون على الميثيولوجيات والأساطير، وأديان الأقليات التي يحترمون أتباعها، رغم عدم إيمانهم بتلك الأديان.
الدين الذي أتناوله هو بالتأكيد ليس دينا، وإنما أسميه بالدين مجازا، واستفزازا، إذ أنه لاهوت شخصي لاديني يعتمد العقل. لهذا سأسميه أحيانا في هذه المحاضرة بالدين، وأحيانا باللادين، أو الدين اللاديني، أو لاهوت التنزيه.
في البداية لا بد من تثبيت حقيقة أؤمن أنا بها، ألا هي حقيقة نفي التلازم المتوهم أو المدعى بين الإيمان والدين، وكذلك نفي التلازم بين اللادينية والإلحاد.
فكل الدينيين إلهيون، لكن ليس كل الإلهيين هم دينيون. وهكذا كل الملحدين هم لادينيون، ولكن ليس كل اللادينيين هم ملحدون. ولاهوت التنزيه الذي أعتمده، يرى أن الملحد أقرب إلى تنزيه الله، لأنه لا يؤمن بالإله الخطأ - حسب قناعتي - من خلال عدم إيمانه بالإله مطلقا. من هنا فديني اللاديني يلتقي مع الدينيين في نقطة الإيمان بالله، لكنه يفترق معهم في كون الدين إلهي المصدر، وفي كل ما يترتب على ذلك، من مقولات الدين الذي يخالفها لاهوتي. وهو يلتقي مع الملحدين في الإلحاد بالله المقدمة صورته من قبل الأديان، ويلتقي معهم في التعويل على العلم، لكن ليس حصرا، إذ يعول هذا الدين على العقل النظري، كما يسميه كانت، والذي بالتأكيد لا يتعارض مع العلم. ولذا فهو يقول إن العلم لا يثبت وجود الله، لكنه من الخطأ القول إنه يثبت عدم وجوده، لكنه كما لاهوت التنزيه لا يؤمن بالله الديني. فالله ليس من الميادين المعني بها العلم، ولذا فهو لا يبني بحوثه العلمية لا على الحقيقة - ولو المفترضة - لوجود الله، ولا على حقيقة عدم وجود الله. فميدان بحثه مع ما هو كائن فعلا فيزيائيا أي ماديا، وليس مع مصدر الكؤون إلا بمقدار ما يحتمه البحث العلمي، الذي يصل إلى العلة المادية الأولى وحسب، دون أن يكون معنيا ببحث ما قبلها، الذي هو من شأن الفلسفة، باستثناء بمقدار اطلاعي المحدود ميشيو كاكو، كما سأمر عليه.
حيث أني أزعم أمرين، أحدهما نفيا، والآخر إثباتا، فأنا أنفي الدين، وأؤمن بثبوت وجود الله، وأزعم أن لي أدلة على هذا الإثبات وذلك النفي، دون أن أزعم عدم وجود أدلة معاكسة تنفي هذا أو ذاك. فبالنسبة لأدلتي المقنعة لي، دون حرصي على أن أقنع بها غيري على وجود الله، ودون الخوض في التفاصيل في هذه المحاضرة، فأهمها عندي قانون العلية، واستحالة تسلسل العلل إلى ما لانهاية تراجعيا، أي إلى ما بداية، وبالتالي اعتماد دليل واجب الوجود، وهذا ما يستدل به لاهوت المدارس الكلامية العقلية للمسلمين، ثم دليل الإتقان واستحالة تظافر ملايين ولعله مليارات الصدف ليكون ما كان، وبالتالي لا بد من مصمم أول عاقل مريد قدير، كما يذهب إليه عالم فيزياء الفضاء المشهور عالميا ميشيو كاكو في كتابه The God Formula، معادلة الله أو معادلة الإله، بالألمانية Die Formel Gottes. رغم إن أدلة وجود الله ليست خالية من الثغرات أهمها ثغرتان، أتناولهما باختصار، الأولى أزلية الخالق، لصعوبة تصورالإنسان للأزلية أي اللابداية، مع قدرته بعكس ذلك على تصور الأبدية، مع إن هناك من العلماء من يحتمل أزلية الكون. والثغرة الثانية هي سؤال ما يسمى بالشرور، من كوارث طبيعية، وظلم الإنسان للإنسان، وافترس الحيوان للحيوان، والأمراض والعاهات، وهذا ما لم يجب أي لاهوت ولا أي فلسفة عليه إجابة مقنعة لأكثرية متوسطي الذكاء. لكني ولكون الثغرة في إثبات عدم وجود الله هي عندي أضعاف أضعاف تلكما الثغرتين، يلزمني ذلك بالإيمان بالمصمم والمبرمج الأول أو العلة الأولى التي لا علة قبلها. أما ما هو دليلي على نفي الدين (النبوة والوحي)، فإني أعتبر الدين كمفهوم مجرد مفترض الصدق هو من الممكنات العقلية، فلا هو من واجبات العقل ولا من ممتنعاته، ولذا يتخذ العقل تجاه الممكن موقف الحياد، لاحتماله الصدق والكذب، أو بتعبير آخر التحقق وعدم التحقق. وعندها يبدأ العقل بالمرحلة التالية للبحث، في اختبار مصداق أو مصاديق ذلك المفهوم المجرد الممكن نظريا، أي أمثلته خارج الذهن أي في الواقع، فيصل العقل إلى الحكم بامتناع صدق مصاديق أي من أمثلة ذلك المفهوم، هذا عندما يكتشف تقاطع مقولات تلك المصاديق أي الأديان مع الضرورات العقلية، وأهمها التقاطع مع عدل الله ورحمته وحكمته وجلاله وجماله، ومع المبادئ الإنسانية، ومع الحقائق العلمية التي لأصبحت من المسلمات، فيكون الدين عندها مفهوما ممكنا، لكن مصداقا أو مصاديق ممتنعا عقليا.