القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٦٧


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 8002 - 2024 / 6 / 8 - 16:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٦٧
إِنّا أَنزَلنَا التَّوراةَ فيها هُدًى وَّنورٌ يَّحكُمُ بِهَا النَّبيونَ الَّذينَ أَسلَموا لِلَّذينَ هادوا وَالرَّبّانيونَ وَالأَحبارُ بِمَا استُحفِظوا مِن كِتابِ اللهِ وَكانوا عَلَيهِ شُهَداءَ فَلا تَخشَوُا النّاسَ وَاخشَوني وَلا تَشتَروا بِآياتي ثَمَنًا قَليلًا وَّمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولـاـئِكَ هُمُ الكافِرونَ (٤٤)
صحيح إن هذه الآية تتكلم عما تفترض أنه نزل على بني إسرائيل، وبالتالي عن الشريعة اليهودية، لكنه من الواضح أنها تقر بهذه الشريعة، مما يفهم منه أنها سارية الصلاحية في الشريعة الإسلامية. وقد استند الإسلاميون فيما استندوا إليه إلى ما ذيلت به الآية « وَّمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولـاـئِكَ هُمُ الكافِرونَ »، في وجوب إقامة الدولة الإسلامية، وحتى الذي يقول إن الآية تتكلم عن القضاء وليس عن الحكومة والدولة، فيقال إنه لا يمكن التزام القضاء بالشريعة الإسلامية إلا في ظل دولة إسلامية، فلا يمكن أن تلتزم السلطة القضائية بالشريعة، بينما تكون السلطتان التنفيذية والتشريعية مدنيتين، أو علمانيتين، أي في حل من الشريعة، لاسيما وأن الأخيرة، أي السلطة التشريعية هي المعنية بسن القوانين.
القرآن يحدثنا دائما عن توراة مفترضة وإنجيل مفترض، وهنا يدعي المسلمون أن دينهم هو الدين الوحيد، من الأديان الإبراهيمية الثلاثة الذي يعترف بها جميعا، وهنا مغالطة أو سوء فهم كبير، فالقرآن يدعي أن اليهود قد حرفوا التوراة والمسيحيين حرفوا الإنجيل، إذن حسب القرآن، لم يبق أثر للتوراة التي يفترض أن الله أنزلها على موسى ولا للإنجيل الذي أنزله على عيسى، لأن الموجود بين يدي اليهود والنصارى حسب تسمية القرآن، محرفان، ولم يظهر لنا النسختين الأصليتين غير المحرفتين، ليثبت ذلك. وحتى ما موجود اليوم من توراة وأناجيل، أو ما يسميه المسيحيون بالعهد القديم والعهد الجديد، هي ليست إلا كحال كتب الحديث عند المسلمين، لأنها كتبت بعد كل من موسى وعيسى، وخاصة التوراة فهي كتبت بمئات السنين بعد موسى أثناء السبي البابلي. ومثل هذا يمكن أن يقال عن القرآن حسب دراسات عديدة، لكن المسلمين، وأعني المؤمنين بالإسلام عن قناعة، وليس الذين ولدوا بإردة الصدفة من أبوين مسلمين، يعتقدون بما يكاد يكون كلهم جميعا، بأن القرآن الذي وصلنا، هو ما تلاه نبيهم أثناء الثلاث وعشرين سنة حسب التقويم القمري، أو ما يعادل تقريبا اثنتين وعشرين سنة شمسية، وجمعه صحابته من بعده في زمن ما عرفوا بالخلفاء الراشدين.
وَكَتَبنا عَلَيهِم فيها أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ وَالعَينَ بِالعَينِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُروحَ قِصاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولـاـئِكَ هُمُ الظّالِمونَ (٤٥)
وهذه العقوبات البدائية أقرتها الشريعة الإسلامية أيضا، فمن يَقتُل يُقتَل، أي وجوب التزام القضاء بعقوبة الإعدام، التي للأسف لا ينادي الإسلاميون والمتدينون المتشددون وحدهم بالإبقاء عليها، إنما الأغلبية الساحقة في مجتمعاتنا تؤيد عقوبة الإعدام، بسبب شيوع ثقافة الرغبة بالتشفي والانتقام، أكثر من كونها رغبة في إقامة العدل، وحتى المعارضون للأنظمة التي ترتكب جرائم بحق شعوبها، فنجد دائما التعبير عن الرغبة في رؤية أولئك السياسيين يعلقون في الأماكن العامة، أو يسحلون في الشوارع، وهذا ما يردده على سبيل المثال الكثير من العراقيين المعارضين للإسلام السياسي وللطغمة الحاكمة المجرمة والفاسدة. ولكن هذه الأحكام اليهودية والإسلامية لم تقتصر على وجوب إعدام القاتل، بل جعلت «العَينَ بِالعَينِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ»، وقياسا على ذلك أي تشويه أو تعطيل أو بتر من الجسد يعاقب فاعله بمثله، وهي أحكام بدائية متخلفة، ومن يدافع عنها، بأنها كانت مناسبة لذلك الزمان، نقول له إذن لماذا تقولون إن الإسلام صالح لكل زمان ومكان؟
وَقَفَّينا عَلى آثارِهِم بِعيسَى ابنِ مَريَمَ مُصَدِّقًا لِّما بَينَ يَدَيهِ مِنَ التَّوراةِ وَآتَيناهُ الإِنجيلَ فيهِ هُدًى وَّنورٌ وَّمُصَدِّقًا لِّما بَين يَّدَيهِ مِنَ التَّوراةِ وَهُدًى وَّمَوعِظَةً لِّلمُتَّقينَ (٤٦) وَليَحكُم أَهلُ الإِنجيلِ بِما أَنزَلَ اللهُ فيهِ وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولـاـئِكَ هُمُ الفاسِقونَ (٤٧)
صحيح ما يقوله القرآن بأن عيسى لم يلغ التوراة ولا الدين اليهودي، بل لم ينف كونه يهوديا، إلا أنه أراد تغيير الشريعة الموسوية وتخفيف أحكامها، وهذا يشبه محاولة الباب وبهاء الله، فإنهما أنشآ دينا جديدا مسالما رافضا للعنف والتكفير، ومعترفا بالتالي بكل الأديان، بل معتبرا إياها دينا واحدا، لكنهما أقرا بالقرآن ككتاب موحى من الله، رغم أن الشريعة الإسلامية تتقاطع بشكل حاد جدا مع الشريعة البهائية.
والغريب إن القرآن يلزم اليهود والمسيحيين بالالتزام بأحكام التوراة والإنجيل، دون أن يخبرنا أي توراة وأي إنجيل، خاصة وهو يتبنى مقولة إن ما بين أيدي أتباع الدينين هما النسختان المحرفتان، إذن هو يطالبهم بأن يلتزموا بأحكام توراة أصلية مفترضة وإنجيل أصلي مفترض، لم يعد لهما وجود، حسب عقيدة القرآن نفسه.
وَأَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِّما بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتابِ وَمُهَيمِنًا عَلَيهِ فَاحكُم بَينَهُم بِما أَنزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِع أَهواءَهُم عَمّا جاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلنا مِنكُم شِرعَةً وَّمِنهاجًا وَّلَو شاءَ اللهُ لجَعَلَكُم أُمَّةً وَّاحِدَةً وَّلـاـكِن لِّيَبلُوَكُم في ما آتاكُم فَاستَبِقُوا الخَيراتِ إِلىَ الله مَرجِعُكُم جَميعًا فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم فيهِ تَختَلِفونَ (٤٨)
هنا تفترض هذه الآية إن القرآن أنزل ليكون مهيمنا على ما قبله، وبالتالي ناسخا له، باستثناء المشتركات القليلة مع هذا أو ذلك الدين منهما، وهنا يأتي التناقض مع ما جاء آنفا بوجوب احتكام اليهود والمسيحيين إلى التوراة والإنجيل، بينما هذه الآية تقول بهيمنة القرآن عليهما، وبوجوب أن يحكم محمد بالقرآن بين أهل الكتاب، وهذا يلغي إذن جواز الاحتكام إلى التوراة والإنجيل، مما ألزم به اليهود والمسيحيين، ثم يعقب بعد ذلك بإقرار أن لكل دين شريعته ومنهاجه، وبالتالي ليبقي مفسري القرآن وفقهاء المسلمين يُشَرِّقون ويُغَرِّبون ويُشَمِّلون ويُجَنِّبون في استنباط الأحكام، بحيث تبقى أحكام الشريعة الإسلامية التي يأمر القرآن بالالتزام بها مجهولة أو متناقضة الاستنباط، وبالتالي فهي والعدم سواء، فكيف يلزمنا بالالتزام بشيء لا وجود له، ثم يتوعدنا بحرقنا حرقا أبديا في جهنم، في حال لم نلتزم بهذا العدم؟
٠٧/٠٦/٢٠٢٤